من سيناء «شمالا» إلى المنيا «جنوبا»
من سيناء «شمالا» إلى المنيا «جنوبا»
لم يكن الأسبوع الماضى أسبوعا عاديا فى نشاط وتحركات الرئيس عبدالفتاح السيسى، كما أنه لم يكن أسبوعا عاديا فى دلالة ومعانى أحداثه، وما يترتب على ذلك خلال المرحلة المقبلة خاصة ما يتعلق بالتنمية، والأوضاع الاقتصادية المستقبلية، والعدالة الاجتماعية بين أبناء الدولة المصرية فى كل شبر من الخريطة المصرية من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب.
يوم الأحد الماضي، كانت البداية حيث قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بتفقد اصطفاف المعدات المشاركة فى تنفيذ خطة تعمير سيناء الواقعة فى شمال شرق الدولة المصرية ويوم الخميس كان ختام الأسبوع فى الجنوب وبالتحديد فى محافظة المنيا فى قلب الصعيد.
هكذا تسير التنمية فى كل ربوع الدولة المصرية من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب لتشمل كل شبر من الأراضى المصرية فى إطار مفهوم تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية فى التنمية لكل المواطنين بلا استثناء.
فيما يخص سيناء وتفقد اصطفاف المعدات المشاركة فى تنفيذ خطة تنمية وإعمار سيناء خلال المرحلة المقبلة، فقد جاء ذلك امتدادا لمجهودات ضخمة وغير مسبوقة لاقتلاع شأفة الإرهاب من تلك البقعة الطاهرة من الأراضى المصرية والتى تبلغ مساحتها نحو 60 ألف كيلو متر مربع، وتعادل نفس المساحة التى يعيش عليها مواطنو الدولة المصرية البالغ عددهم 104 ملايين نسمة.
للأسف الشديد تعرضت سيناء لإهمال جسيم على مدى عقود وربما قرون طويلة وممتدة، وليس هذا من قبيل المبالغة، أو التهويل، وإنما واقع الحال فى سيناء يكشف عن ذلك بوضوح.
%6 من مساحة مصر لا يسكنها سوى مليون وأربعمائة ألف نسمة على أحسن تقدير, أى نحو 1٪ من عدد سكان مصر وهو ما يجسد بوضوح فكرة الإهمال الممتد عبر قرون وعقود طويلة، لأنه من الطبيعى أن تأخذ سيناء نصيبها العادل من عدد السكان لكن الإهمال وعدم الاهتمام جعلها طاردة للسكان رغم توافر كل المقومات الطبيعية التى تتمتع بها.
ليس هذا فقط، وإنما انعكس الإهمال على تركها لقمة سائغة للمحتل الأجنبى عام 1967 لتسقط فى براثن الاحتلال 6 سنوات كاملة حتى قيام حرب أكتوبر المجيدة، ثم استرداد كامل الأراضى بالحرب ثم السلام.
بعد رحلة تحرير سيناء بالحرب تارة وبالسلام تارة أخرى، وجد الإرهابيون ضالتهم المنشودة فى تلك البقعة المباركة لتجميع أنفسهم خاصة خلال سنوات الفوضى التى اجتاحت المنطقة عقب ثورة 25 يناير.
استغلوا المساحات الشاسعة، والفراغ السكانى والفوضى الأمنية فى محاولة لتحقيق حلمهم الدامى وإقامة «ولاية داعشية» فى تلك البقعة الطاهرة.
كانت المعركة شرسة وربما لا تقل عن معركة مقاومة الاحتلال الأجنبي، لأن العدو الأجنبى واضح وظاهر، والحرب ضده لها أشكالها النظامية والعلنية، لكن خطورة الإرهاب فى أنه بألف لون «كالحرباء»، ويحاول اختراق التجمعات السكنية، ويتخذ من السكان دروعا بشرية، ولا يتورع عن المتاجرة بالدين فى حملات التضليل ونشر الأكاذيب، والشائعات.
فى ظل ازدهار الإرهاب لا يمكن الحديث عن تنمية أو ازدهار، لأن الإرهاب كان يضرب بأجنحته فى كل مكان، ويزرع الألغام بدلاً من الأشجار، ويغتال الضحايا الأبرياء بدلاً من نشر الخير والنماء.
لم يكن هناك مفر من المواجهة، والمواجهة الشاملة مهما كانت التضحيات والتكاليف المادية والبشرية، وحملت القوات المسلحة لواء المقاومة كعادتها التاريخية الأصيلة إلى جانب الشرطة المصرية، لتبدأ مسيرة التحرير الثانية لأراضى سيناء، وتطهيرها من دنس الجماعات الإرهابية.
كان عام 2014 علامة فارقة فى هذا الإطار بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى زمام الأمور، حيث أعلن أنه لا تهاون أو مواربة مع الإرهاب، ولابد من عودة سيناء كاملة غير منقوصة لأحضان الدولة، حينها استجمع الإرهاب قواه الداخلية والخارجية فى محاولة أخيرة للبقاء، لكن القوات المسلحة ومعها الشرطة المصرية كانتا على قدر المسئولية، وحينما ازداد التحدى بدأ النفير العام من خلال إطلاق العملية الشاملة عام 2018 التى اشتركت فيها جميع أفرع القوات المسلحة، وكذلك الشرطة المصرية، لتبدأ رحلة النهاية لعصر الإرهاب فى سيناء وفى كل شبر من الدولة المصرية إلى غير رجعة إن شاء الله.
خلال تلك العملية التى رفعت شعار حسم المعركة ضد الإرهابيين كانت المواجهة شاملة وعلى جميع الأصعدة، ونجحت تلك العملية فى تجفيف منابع الإرهاب، وتقطيع أوصال الجماعات الإرهابية، ومحاصرتهم، وتدميرهم لتعود سيناء آمنة مطمئنة إلى أحضان الدولة المصرية.
طوال تلك الفترة كانت الحرب على الإرهاب فى ذروتها، وفى الوقت نفسه كان التحضير لتنمية سيناء يسير جنبا إلى جنب من خلال إقامة 5 أنفاق جديدة لربط سيناء بمدن القناة: (السويس والإسماعيلية، وبورسعيد)، إلى جوار النفق الوحيد القديم نفق الشهيد أحمد حمدى، ليكون هناك نفقان بكل محافظة (ذهاب وعودة) إلى جوار العديد من الكبارى العائمة والثابتة من أجل تسريع الانتقال والعودة من وإلى سيناء مثلها مثل باقى محافظات الجمهورية، وأصبحت رحلة الذهاب إلى العريش أو شرم الشيخ لا تزيد كثيرا على رحلة الذهاب إلى الإسكندرية، أو أى محافظة أخرى.
تكلفة الحرب على الإرهاب فى سيناء بلغت أكثر من 50 مليار دولار، بالإضافة إلى المئات من الشهداء فى صفوف القوات المسلحة والشرطة، والمدنيين الأبرياء، لكن المهم أن ذلك كله لم يذهب أدراج الرياح، وكانت النتيجة أكثر من رائعة وكانت تلك التضحيات بمثابة ثمن التحرير الثانى لسيناء وعودتها كاملة غير منقوصة إلى أحضان الدولة المصرية.
فى تصورى أن يوم الأحد الماضى كان بمثابة الإعلان الرسمى للقضاء على الإرهاب، وإعلان سيناء وغيرها من الأراضى المصرية خالية من دنس الإرهاب، فى انتصار تاريخى وحاسم فى معركة الخلاص من الإرهاب إلى غير رجعة، ولتبدأ رحلة التنمية فى تلك الأرض الطيبة المباركة التى تتسع لاستيعاب ملايين المصريين خلال الفترة المقبلة، بما يسهم فى إعادة توزيع خريطة مصر السكانية والعمرانية، ويضاعف نسبة المعمور من الأراضى المصرية لاستيعاب، المزارع، والمصانع والمنتجعات السياحية، والأنشطة التعدينية، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية.
على الجانب المقابل فقد كان يوم الخميس الماضى بمثابة استكمال لحلقات دائرة التنمية التى تشهدها الأراضى المصرية بشكل غير مسبوق، وكان الموعد فى محافظة المنيا إحدى محافظات الصعيد الواقعة فى جنوب مصر.
يوم الخميس كان يوافق 2 مارس، وشهر مارس يحمل ذكريات خاصة لمواطنى محافظة المنيا، فهو الشهر الذى يحتفل فيه أبناء المحافظة بعيدها القومى، وبالتحديد يوم18 مارس من كل عام.
فى هذا الشهر وقف أبناء محافظة المنيا الأبطال ضد الاحتلال الإنجليزى، وتضامنوا مع سعد زغلول ورفاقه أثناء ثورة 1919، وقطعوا خط السكك الحديدية وتم تشكيل لجنة شعبية تتولى قيادة المظاهرات، وتسيير الأعمال فى المحافظة، وتصدى المواطنون لقطار يحمل قوات إنجليزية وبه مفتش السجون الإنجليزى «بوب» وحرقوا القطار بمن فيه ليصبح ذلك اليوم عيدا قوميا للمحافظة، ورمزا للنضال ضد المحتل الأجنبي.
تزامنا مع احتفالات المحافظة جاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للمنيا «عروس الصعيد» القابعة فى جنوب مصر، لتؤكد مبدأ العدالة الاجتماعية التى أرساها الرئيس منذ بدء ولايته، فالتنمية حق للجميع، والحياة الكريمة مبدأ لا يمكن الحياد عنه لكل فرد على كل شبر فى طول مصر وعرضها.
محافظات الصعيد تعرضت هى الأخرى لعقود طويلة من الإهمال والنسيان، لكن الفرق بينها وبين سيناء أن محافظات الصعيد كثيفة السكان بحكم أنها تقع على مجرى نهر النيل، فى حين أن سيناء تعانى النقص السكانى الحاد بحكم بعدها المكانى عن النيل، وعزلتها التى امتدت لسنوات طويلة بسبب صعوبة الحركة والانتقال منها وإليها.
فى نهاية العام قبل الماضى أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى ما عرف بأسبوع الصعيد الذى ذهب فيه إلى أقصى جنوب مصر فى أسوان، والأقصر، وافتتح العديد من المشروعات فى قنا، والفيوم، وبنى سويف، وغيرها من محافظات الصعيد.
لم يكد يمر وقت قصير حتى عاود الرئيس زياراته إلى الصعيد فى مطلع هذا العام، وكانت أول زيارة ميدانية يقوم بها فى بداية العام الجديد إلى سوهاج فى الأسبوع الأول من شهر يناير الماضى وهناك قام الرئيس بجولة موسعة فى قرى ومدن ومدارس وجامعات سوهاج ليتابع بنفسه كل صغيرة وكبيرة فى تطوير الريف السوهاجي، ومدينة سوهاج الجديدة، وكذلك المشروعات الصناعية، والتعليمية والصحية والزراعية المختلفة.
بعد أقل من شهرين يقوم الرئيس بجولته الجديدة فى الصعيد أيضا وكانت هذه المرة إلى محافظة المنيا فى الأسبوع الماضي، وهى الزيارة التى كان ينتظرها أبناء المحافظة لأنها أول زيارة يقوم بهاالرئيس إلى هناك، وخلالها تفقد تطوير قرية المعصرة كنموذج حى لمبادرة تطوير الريف المصرى «حياة كريمة» وقام بافتتاح العديد من المشروعات التنموية، والصحية، والتعليمية، التى كانت تحتاج إليها المحافظة.
يوم طويل وشاق بدأ فى الساعات الأولى من صباح الخميس، وانتهى بعد عصر ذلك اليوم بعد زيارة العديد من الأماكن والمواقع والتقاء العديد من مواطنى المنيا على مائدة الإفطار أو داخل المواقع المختلفة.
رسالة الرئيس فى ختام الزيارة كانت واضحة وصريحة وقوية: «لا تقلقوا ولا خوف من المستقبل، وإن غدا سوف يكون أفضل من اليوم» رسالة قوية تبشر بالخير القادم إن شاء الله، وتدحض أكاذيب كل أبواق الشر التى تحاول نشر الشائعات والسموم وتزييف الحقائق التى تصدى لها الشعب المصرى ببسالة فى السابق وأصبح محصنا ضدها مستقبلا بعد أن رأى وشاهد ما يحدث من تطورات هائلة على الأرض المصرية من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب دون تمييز أو تقصير.