قصة الـ 90 شهرا فى الحرب على الإرهاب

قصة الـ 90 شهرا فى الحرب على الإرهاب
بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة
لأن الموت له «مهابة» و«إجلال»، فإن الجميع يقفون أمامه بكل صدق وتواضع، والكل سواسية أمامه، ومن هنا تنهمر الدموع طواعية على الرغم من كل محاولات التماسك التى تنهار فى النهاية أمام شريط الأحداث الطبيعى والمؤثر، خاصة أنها من أصحاب القصة الحقيقيين.

الكل يستشعر أن هذه الحالة تخصه، فهى إما شقيقه أو ابنه أو والده، فالشهداء من رحم الوطن، ومن كامل الخريطة المصرية، ومن كل الطبقات والفئات بلا استثناء.

المتضررون هم أطفال فى عمر الزهور افتقدوا كلمة «بابا» مبكرا، وربما لم ينطقوها أصلا، لأنهم كانوا فى بطون أمهاتهم، أو ربما كانوا فى سنوات الرضاعة الأولى قبل أن يتمكنوا من النطق والكلام.

على الجانب الآخر، هناك آباء وأمهات فقدوا أعز ما يملكون بثبات و«رباطة جأش» خارقة، لكنها تخفى «وجعا» حقيقيا هائلا داخل نفوسهم وأرواحهم، لأنهم كانوا دائما يدعون بالدعاء المصرى الأثير «أن يكون يومهم (أى يوم وفاتهم) قبل يوم أولادهم»، ويتمنون أن يتلقى الأبناء عزاءهم، وليس العكس.

بين الآباء والأمهات والأبناء تقف الزوجات بثبات وقوة، على الرغم من «ترملهن» فى عز شبابهن، وقد فقدن الحبيب والسند والزوج فى لحظة غدر قاسية، وربما كانت زوجة الشهيد البطل محمد جمال عطية الأكشر خير نموذج للزوجة التى لم يتحمل قلبها تلك الصدمة المروعة، ولبت نداء ربها فى أفضل بقعة، وأقدس مكان، حينما ذهبت تؤدى فريضة الحج، لتلحق بمن تحب مع الصديقين والنبيين والشهداء، وتترك رضيعها «بلال» لجدته.

فى «يوم الشهيد»، خرجت المشاهد حية ومؤثرة بأبطالها الحقيقيين من الأبناء والزوجات والآباء والأمهات، يروون مسيرة الأبطال، ويتعهدون باستكمال تلك المسيرة، وينيرون الطريق لشعب عظيم ناضل وضحى على مدى تاريخه الممتد عبر آلاف السنين ضد العدوان الخارجى، والاحتلال الأجنبى بجميع أشكاله وصوره، وأخيرا كانت معركته ضد العدوان الإرهابى الغادر الذى أراد، فى غفلة من الزمن، فصل سيناء عن الوطن الأم، وتحويلها إلى «مستنقع إرهابى» ينشر الخراب والدمار فى باقى الأراضى المصرية، وفى المنطقة العربية كلها.

كان المخطط يتم بدقة وعناية، ولما لا ما دام الهدف هو ضرب الدولة المصرية فى مقتل، وإدخالها النفق المظلم، لتقبع فيه إلى الأبد، بعد أن فشلت كل محاولات العدوان الخارجى فى تحقيق ذلك الهدف اللعين منذ الهكسوس والتتار والصليبيين، حتى العدوان الإسرائيلى فى 1967.

فشلت كل تلك المحاولات، ونجح الشعب المصرى فى هزيمتها ودحرها، وفى كل مرة كانت الدولة المصرية تخرج أقوى مما كانت عليه، فكان المخطط الشيطانى بتجربة «التدمير الذاتى»، لعله ينجح، وذلك من خلال توطين الإرهاب فى سيناء، ليكون بداية الاقتتال الأهلى، وتدمير الدولة المصرية إلى الأبد.

العدوان الخارجى فى أسوأ أحواله يكون واضحا وصريحا، وعلى الرغم من كل شروره، فإن ميزته الوحيدة أنه يؤدى إلى تماسك المجتمع، وزيادة وحدته وتلاحمه، ووقوفه صفا واحدا أمام المعتدى الأثيم، لكن الإرهاب يختلف فى الشكل والمضمون، وإن اتفق فى الهدف، لأن من يقوم به، للأسف الشديد، هم بعض من “بنى جلدتنا”، ومن عقيدتنا نفسها.

أما الهدف الموحد للعدوان الخارجى أو الإرهاب فهو تدمير الدولة وإسكات صوتها إلى الأبد.

ولأن العدوان الخارجى قد فشل فى كل محاولاته، فلم يكن هناك سوى لجوء أعداء الخارج إلى بعض أبناء الداخل، لنشر الإرهاب، وتحقيق الهدف الموحد فيما بينهم، وهو إسكات صوت مصر والمصريين إلى الأبد.

أعتقد أنها المرة الأولى التى يزيح فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى «يوم الشهيد» الستار عن بعض المعلومات المتعلقة ببدء النشاط الإرهابى، وتناميه فى سيناء، لدرجة عقد اجتماعات أمنية مكثفة من أجل دراسة تلك الظاهرة، ودراسة مقترحات الحلول والمواجهة فى 2009 مع الأجهزة الأمنية المختصة.

فى تلك الفترة استغلت الجماعات الإرهابية الفراغ الأمنى المرتبط فى بعض جوانبه باتفاقية «كامب ديفيد»، والتهميش الاقتصادى الذى أدى إلى فراغ سكانى، وبدأت تلك الجماعات تتمدد وتنتشر فى أجزاء كبيرة من سيناء، خاصة فى الشمال والوسط.

ساعد الفراغ الأمنى والسكانى تلك الجماعات على بناء وتجهيز بنية تحتية خاصة بهم، من معدات وأنفاق وأسلحة وذخيرة، وبلغت جرأتهم تنظيم استعراضات مصورة لتدريباتهم، وبث تلك الاستعراضات على شبكات التواصل، وبعض القنوات التليفزيونية الخارجية الداعمة لهم.

استغلت الجماعات الإرهابية اندلاع ثورة 25 يناير، وسقوط الدولة المصرية فى قبضة الفوضى، والفراغ الأمنى، لتزدهر، وتزداد تلك الجماعات قوة وتحصينا، ومد نفوذها إلى مناطق جديدة، واستقبال مرتزقة أجانب من الدول الأخرى.

أقاموا سجونا خاصة بهم، وكذلك تنظيم قضاء عرفى، أطلقوا عليه زورا وبهتانا اسم «القضاء الشرعى»، لترهيب المواطنين، وإخضاعهم لسطوتهم، وصدرت أحكام بسجن بعض المواطنين، وإعدام بعضهم الآخر، لضمان صمت باقى المواطنين، وتخويفهم، وردعهم.

كانت الفترة الذهبية لتلك الجماعات الإرهابية هى الفترة الممتدة من 2011 إلى 2014، وهى الفترة التى قامت فيها ثورتان فى مصر خلال أقل من 3 سنوات، وازدادت حدة الفوضى والصخب فى كل الأنحاء خلال تلك الفترة العصيبة.

فى أثناء تلك الفترة انتشرت الأعمال الإرهابية داخل سيناء وخارجها، وأصبحت مصر مصنفة ضمن الدول الأكثر تعرضا للعمليات الإرهابية فى العالم، وسالت دماء كثيرة من رجال القوات المسلحة والشرطة والمواطنين الأبرياء.

ولأن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان يحفظ هذا الملف، ويعيه، وشارك مبكرا قبل 25 يناير فى مناقشة أبعاده ومخاطره، وسبل مواجهته بحكم كونه نائبا لرئيس جهاز المخابرات الحربية آنذاك، فقد بدأ فور انتخابه فى 2014 التجهيز لمعركة تحرير سيناء من الإرهاب، والتحرك بشكل فورى وعاجل، لاستئصال شأفة الجماعات الإرهابية من كل شبر من الأراضى المصرية.

أكثر من 90 شهرا، أى نحو ما يقرب من 8 سنوات، منذ 2014 حتى قرب نهاية العام الماضى، دارت معركة تاريخية سجل فيها أبطال مصر من القوات المسلحة والشرطة المصرية أروع البطولات، والتى لا تقل فى روعتها عن بطولات القوات المسلحة التاريخية فى كل الحروب التى واجهتها قبل ذلك.

لم تكن الحرب على الإرهاب «خيارا»، لكنها كانت «حتمية» و«ضرورية»، وتندرج تحت عبارة «نكون أو لا نكون»، فالنصر على الإرهاب يعنى عودة الدولة قوية وآمنة ومستقرة، والعكس صحيح، لأنه لو ـ لا قدر الله ـ انتصر الإرهاب لضاعت الدولة إلى الأبد، واكتمل المخطط الشرير بدخول نفق الاقتتال الأهلى، وتدمير كيانات الدولة ومؤسساتها، كما حدث فى بعض الدول المجاورة التى لاتزال، وبعد مرور أكثر من 10 سنوات، لا ترى ضوءا فى نهاية النفق حتى الآن.

فى «يوم الشهيد»، أوضح الرئيس عبدالفتاح السيسى أن الحرب كانت شرسة، ولم تكن سهلة أو هينة، وأنه سوف يأتى الوقت المناسب للإفراج عن أسرار تلك الحرب بأبطالها ووقائعها وأدواتها وشهدائها، وكل عناصرها.

لكل ذلك بلغت تكلفة تلك الحرب أكثر من مليار جنيه شهريا، إلى جانب التضحيات البشرية الغالية التى لا يمكن تقديرها بثمن.

قصة طويلة ومثيرة سوف يأتى اليوم الذى يتم فيه إعلان كل تفاصيلها، لنحكى للأجيال القادمة كيف انتصر الشعب المصرى البطل، بقواته المسلحة وشرطته وقيادته، فى الحرب على الإرهاب، لتصبح مصر خالية منه وهى تصنع مستقبلها، وتعود إلى مكانتها، العربية والإقليمية والدولية، بعد أن تخطت واحدة من أكبر التحديات الوجودية التى واجهتها فى تاريخها الطويل والممتد عبر آلاف السنين

Back to Top