الإفطار فى «الأسمرات» وذكريات «العشوائيات»
الإفطار فى «الأسمرات» وذكريات «العشوائيات»!
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
«يجب أن نسعى نحو تحقيق أحلامنا، وأن نصدق أننا نستطيع تحقيقها».. هذه بعض الكلمات التى تحدث بها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال مأدبة إفطار الأسرة المصرية فى «الأسمرات»، وهى كلمات تعبر بصدق عن حلم تطوير المناطق العشوائية، وتحويل هذا الحلم إلى حقيقة، والعشوائيات إلى مجرد ذكريات.
«الأسمرات» حى رائع وجميل الآن ضمن أحياء منطقة المقطم، ولا يقل فخامة عن باقى المدن الجديدة، وتم تنفيذه على 3 مراحل على مساحة إجمالية تصل إلى 185 فدانا، ويعد واحدا من أكبر المشاريع السكنية الحضرية، للقضاء على المناطق العشوائية.
المشروع يستوعب الآن أكثر من 15 ألف أسرة ضمن مرحلتيه الأولى والثانية، ويجرى الآن تسكين المرحلة الثالثة التى من المقرر أن تستوعب أكثر من 3 آلاف أسرة جديدة.
استوعبت «الأسمرات» سكان مناطق: إسطبل عنتر، والدويقة، ومنشية ناصر، ومناطق عشوائية أخرى كانت تستحيل الحياة فيها بعد أن تحولت إلى مناطق غير آدمية، وباتت الحياة فيها شبه مستحيلة، وتصاعدت الأزمات والمشكلات بتلك المناطق، وتحولت إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار فى أى لحظة.
تأخر المواجهة فاقم من حجم الأزمات، حتى كان قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة المواجهة، والبدء فى تطوير المناطق العشوائية.
كانت المناطق العشوائية الخطيرة هى أكبر التحديات، لأن رياح الموت والخطر كانت تهب فى كل لحظة، وتهدد أرواح ساكنيها.
نجحت مصر، ولأول مرة، فى القضاء على عشوائيات المناطق غير الآمنة فى كل المحافظات، حيث أصبحت مصر الآن خالية من المناطق غير الآمنة فى جميع محافظات الجمهورية.
بحسب بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء، كانت هناك 351 منطقة عشوائية غير آمنة حتى 2016 مقامة على مساحة 4٫7 ألف فدان، واحتلت القاهرة والإسماعيلية المرتبة الأولى فى العشوائيات غير الآمنة بنسبة 40٫7% من إجمالى المناطق غير الآمنة على مستوى الجمهورية.
العشوائيات، بكل أنواعها، قصة طويلة وممتدة عبر العديد من العقود سببها التراخى والإهمال، وعدم النظر إلى الأمام.
بنظرة إلى التاريخ، وفى أفلام الأبيض والأسود، نرى المبانى ذات الطرازات العريقة، والشوارع الفسيحة الخالية فى المدن، أما الريف فقد كان يتنفس من رئته الخضراء اليانعة المنتشرة فى كل مكان حول المساكن، فالأصل كان الزراعة، والاستثناء كان المساكن بعكس الآن حيث أصبحت المساكن هى الأصل، والزراعة هى الاستثناء.
عقود طويلة تضاعفت فيها أعداد السكان، ولم تتجاوب الدولة وأجهزتها مع تلك الزيادات الضخمة التى كانت ولاتزال تقفز بالملايين سنويا، مما نتج عن ذلك قيام الأفراد بالتصريف الذاتى، وتحولت مناطق كثيرة فى الريف والمدن إلى عشوائيات، وكتل أسمنتية كريهة، والأخطر قيام مناطق عشوائية كاملة على أطراف المدن فى القاهرة والمحافظات المختلفة، ولا تكاد تخلو محافظة واحدة من تلك الكارثة.
هذه المناطق العشوائية لها مواصفات شبه موحدة من حيث ضيق الشوارع، والارتفاعات العشوائية، والمبانى غير المخططة، والتكدس السكانى الرهيب داخل وحداتها، والأخطر إنتشار ظواهر خطيرة واستثنائية فى تلك المساكن مثل «الحمامات المشتركة»، والأسرة الكاملة التى تعيش فى حجرة واحدة، واحتلال مساحات كبيرة من الشوارع فى إقامة أكشاك، وأنشطة تجارية مشروعة وغير مشروعة.
أصبح «القبح» هو السائد فى تلك الأماكن، ولم يتوقف الأمر عند حدود القبح والعشوائية فقط إلا أنه ونتيجة غياب الدولة وأجهزتها المعنية، ظهرت مساكن عشوائية فى مناطق خطيرة وغير آمنة مثل مخرات السيول، أو على حواف المناطق الجبلية كما حدث فى منطقة الدويقة.
أعتقد أن ظاهرة العشوائيات بكل أشكالها بدأت فى السبعينيات على استحياء، ثم ازدادت شراسة خلال العقود الأربعة التالية، وأصبح الداخل إليها «مفقودا»، والخارج منها «مولودا» كما يقولون.
اقتحام تلك المشكلة كان تحديا خطيرا وحلما جميلا فى آن واحد، فهو الحلم المشروع الجميل بتحويل حياة آلاف الأسر «البائسة» إلى واقع أفضل، لكنه كان تحديا ضخما، لأنه يحتاج إلى إرادة قوية، وإمكانات مادية ضخمة، ورؤية إستراتيجية محددة وواضحة غير قابلة للتراجع أو الاستسلام.
كانت هناك عدة خيارات: أولها استمرار الأوضاع على ما هى عليه، واستغلال حالة قبول وتعايش المواطنين بهذه المناطق مع حياتهم وتعودهم عليها، والثانى الاكتفاء بالمعالجات البسيطة مثل إقامة بعض منشآت الخدمات مثل المدارس والمستشفيات، وكذلك رصف بعض الطرق، أما الخيار الثالث فقد كان يتعلق بضرورة المواجهة الشاملة رغم التكاليف الاقتصادية الضخمة من أجل توفير حياة إنسانية وآدمية لمواطنى تلك المناطق، وتغيير نمط حياتهم بالكامل، وليس مجرد تغيير السكن فقط.
اختار الرئيس عبدالفتاح السيسى الطريق الثالث الأصعب، وهو المواجهة الشاملة، وإحداث نقلة حضارية مهمة للسكان، فى إطار تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل والحقيقى.
انطلقت رحلة طويلة وثرية لإقامة الأسمرات «1 و2 و3»، والروضة، وبشائر الخير (غيط العنب)، ومثلث ماسبيرو، وغيرها من المشروعات الحضرية الرائعة التى استوعبت سكان المناطق العشوائية الخطيرة وغير الخطيرة.
إلى جوار ذلك كان لابد من مضاعفة خريطة المعمور فى مصر، حيث ظلت مساحة المعمور فى مصر لا تتجاوز 7٪ طيلة تاريخها منذ عصر محمد على، وهو ما لا يمكن التعايش معه فى ظل تضاعف عدد السكان من 4 ملايين نسمة فى عصر محمد على إلى 104 ملايين نسمة حاليا.
من هنا بدأ تنفيذ المخطط، لمضاعفة نسبة المعمور من 7٪ إلى 14٪ من خلال إقامة 14 مدينة سكنية جديدة فى محافظات مصر المختلفة مثل المنصورة الجديدة، ودمياط الجديدة، ورشيد الجديدة، والنوبارية الجديدة، وأسوان الجديدة، وغيرها من المدن المنتشرة فى الوجهين البحرى والقبلى، إلى جوار ذلك يجرى العمل فى استصلاح واستزراع ما يقرب من 4 ملايين فدان فى توشكى، ومستقبل مصر، والواحات، والريف المصرى، والوادى الجديد، وغيرها من المشروعات الزراعية التى دخلت الخدمة فعليا، أو تلك الجارى إعدادها وتجهيزها، تمهيدا لإدخالها خلال المرحلة المقبلة.
«الأسمرات» هى النموذج الحى لما حدث من طفرة غير مسبوقة فى مجال العشوائيات، وتوفير حياة كريمة للمواطنين، فى إطار تحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية، بعيدا عن الشعارات الزائفة والكلمات المعسولة.
أعتقد أن حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على حضور إفطار الأسرة المصرية فى الأسمرات له مدلوله العميق فى تلك المرحلة التى تخيم فيها آثار الأزمة الاقتصادية على حياة المواطنين، ليؤكد قدرة مصر على تجاوز آثار تلك الأزمة، والخروج منها أكثر قوة وصلابة، لتكمل مسيرتها فى الإنجاز والتطور، واستكمال مشروع تطوير الريف المصرى (حياة كريمة)، لتغيير حياة أكثر من 60٪ من المواطنين إلى الأفضل خلال المرحلة المقبلة.