سيناء من التحرير الأول إلى«الثانى

سيناء من التحرير «الأول» إلى «الثانى»

منذ 41 عاما، وبالتحديد يوم الأحد الموافق 25 أبريل 1982، احتفلت مصر بتحرير أرض سيناء، وارتفعت أعلامها على رفح وشرم الشيخ، وكل أرض سيناء التى تم استردادها من العدو الإسرائيلى.

فى هذا اليوم خرجت صحيفة «الأهرام» بمانشيت رئيسى «يوم انتصار إرادة السلام»، ثم أفردت تفاصيل كثيرة على كامل الصفحة الأولى عن رفع العلم المصرى، وإنزال العلم الإسرائيلى لحظة غروب أمس، وإقامة عروض عسكرية فى القاهرة والمحافظات، وكذلك إقامة احتفالات كبيرة فى سيناء، ونقلها على الهواء مباشرة، ووصول أكثر من 500 من المراسلين الأجانب، لتغطية هذا الحدث التاريخى.

يوم 26 أبريل غطت صحيفة «الأهرام» رفع الرئيس الأسبق حسنى مبارك علم مصر فوق رفح وشرم الشيخ، ووضعه إكليلا من الزهور على قبر الرئيس الراحل أنور السادات، وقبر الجندى المجهول. ومن جهتها، فقد أعلنت إسرائيل انسحاب أخر جندى لها من سيناء فى الثانية عشرة ظهر أمس، لتنهى احتلالها رسميا لسيناء.

لم يكن يوم الخامس والعشرين من أبريل 1982 منفصلا عن أحداث ضخمة وهائلة حدثت قبل ذلك، وبالتحديد فى السادس من أكتوبر 1973، الموافق العاشر من رمضان، حيث كانت البداية الحقيقية لتحرير سيناء، بعد أن نجح أبطال القوات المسلحة المصرية فى تحقيق أعظم الانتصارات العالمية بالعصر الحديث، بعد أن قرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، خوض غمار أشرف معركة، لاسترداد أرض سيناء وتحريرها.

فى هذه الحرب سجل الجيش المصرى انتصارا خالدا وعظيما، بعد أن نجح فى عبور قناة السويس، وتحطيم خط «بارليف»، وتحرير أجزاء واسعة من سيناء، حتى تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لتبدأ بعد ذلك عمليات فض الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية.

بعد أن هدأت أصوات المدافع، ومن منطلق «القوى المنتصر»، أطلق الرئيس الراحل أنور السادات مبادرته للسلام، التى أسفرت عن توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» التى وضعت الخطوات التنفيذية للسلام بين مصر وإسرائيل.

لم يهنأ الرئيس الراحل، بطل الحرب والسلام، أنور السادات بجنى ثمار بطولاته الرائعة فى الحرب والسلام، بعد أن اغتالته يد الإرهاب القذرة قبل الموعد المقرر لإنهاء كامل الانسحاب الإسرائيلى من سيناء فى 25 أبريل 1982.

فى هذا التوقيت كان لايزال هناك خلاف قائم بين مصر وإسرائيل حول طابا، واتفق الطرفان على عدة مبادئ، منها وقف افتتاح الفندق الإسرائيلى الموجود فى طابا، والاتفاق على إجراءات تسوية الخلاف، واعتبار المنطقة المتنازع عليها ضمن سيادة السلطة المصرية لحين انتهاء النزاع، على أن تتولى قوات حفظ السلام مسئولية الإشراف عليها.

اتفق الطرفان المصرى والإسرائيلى على التوجه إلى محكمة العدل الدولية، التى حكمت فى النهاية بأحقية مصر فى طابا، لتعود إلى حضن الوطن فى 19 مارس 1989.

درس تاريخى يؤكد معدن الشعب المصرى البطل، وقواته المسلحة، وعقيدة الجيش المصرى المتجذرة فى نفوس كل أفراده بأنه لا تفريط فى حبة رمل من الأرض المصرية، ولا بديل عن النصر أو الشهادة.

لأسباب كثيرة عانت سيناء بعد عودتها من الإهمال والفراغ، ودائما الفراغ يبحث عمن يشغله، وبعد مرور ما يقرب من عقدين من الزمان بدأت الحرب على سيناء من جديد، لكن هذه المرة لم يكن عدوانا صريحا من دولة أجنبية، لكنه كان عدوانا أخطر، حيث تداخلت فيه أجهزة مخابرات دولية، ومرتزقة أجانب من القيادات الإرهابية بالجماعات الدولية العابرة للقارات مثل تنظيمى «داعش» و«القاعدة»، والتنظيمات الإرهابية المختلفة.

بدأت بوادر الخطر بعد 20 عاما من عودة طابا، واستكمال تحرير سيناء، وبالتحديد فى 2009، حينما بدأت «المخاطر المكتومة» فى الظهور علانية، وهو الأمر الذى استدعى عقد اجتماعات أمنية مكثفة، للوقوف على حجم المخاطر والتحديات، وطرق المواجهة المقترحة.

بدأت الأجهزة المعنية فى التنسيق والتحرك، لمواجهة الخطر المتفاقم فى سيناء، إلا أن اندلاع ثورة 25 يناير، وما رافقها من فوضى وفراغ أمنى، ودخول أجهزة مخابرات عالمية على الخط، فاقم الأزمة، وبدلا من سرعة القضاء على الجماعات الإرهابية فى سيناء، توغلت هذا الجماعات، وتكاثرت بدرجة مخيفة، وبدأت أحلامها الطائشة تقفز قفزات هائلة على أمل النجاح فى إقامة ولاية إرهابية على أرض سيناء، تكون مركزا لتجميع المرتزقة من كل دول العالم، لكى تتحوّل أرض سيناء الطاهرة إلى أرض حرب بالوكالة، كما حدث فى سوريا وليبيا والعراق واليمن والصومال، وغيرها من الدول التى سقطت فى بئر الانهيار، ولم تعد حتى الآن بعدما دخلتها الجماعات الإرهابية والمرتزقة.

ترعرعت الجماعات الإرهابية فى سيناء فى الفترة من 2011 حتى 2014، لتبدأ بعدها مواجهة شرسة وعنيفة، لتحرير أرض سيناء مرة أخرى، بعد أن كادت تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، وتقيم فيها حصونا للمعسكرات الإرهابية، وروعت السكان، ودمرت المنشآت، وزرعت العبوات الناسفة، ودخلت فى صدامات مسلحة ودامية مع قوات الجيش والشرطة.

فى رحلة تحرير سيناء الأولى، التى امتدت من 1967 حتى 1982، كانت رحلة الحرب والسلام مع جيش نظامى لدولة قائمة، ومعترف بها، وهى إسرائيل. أما فى حرب التحرير الثانية فقد كانت الحرب مع جماعات ظلامية تعيش كـ«الخفافيش»، وتجيد حروب العصابات، ولعبة «الكر والفر»، وتتخذ من السكان الأبرياء الآمنين دروعا بشرية.

كانت حرب عصيبة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، تحملت فيها الدولة المصرية وقواتها المسلحة وشرطتها تكاليف مادية وبشرية باهظة.

فى شهر فبراير 2018، أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى العملية الشاملة للقوات المسلحة، بهدف استكمال مواجهة العناصر الإرهابية بشمال ووسط سيناء، ومناطق أخرى فى دلتا مصر، والظهير الصحراوى غرب وادى النيل، بهدف تجفيف منابع الإرهاب، ومحاصرتهم برا وبحرا، واستئصال شأفة الإرهاب.

على امتداد أكثر من 90 شهرا، من 2014 حتى 2022، دارت رحى الحرب الشاملة التى تطورت، واستكملت حلقاتها بعد العملية الشاملة فى 2018.

لم يكن هناك مفر من الحرب الشاملة، فليس هناك سلام مع الجماعات الإرهابية، والسلام لا يكون إلا بين دول قائمة ومتساوية فى المراكز القانونية، ولا يصح أن يكون هناك أى نوع من السلام مع الجماعات الإرهابية «المارقة»، ومجموعات من المرتزقة والميليشيات.

كشف الرئيس عبدالفتاح السيسى الغطاء عن جزء يسير من تفاصيل المعركة الشرسة بين أبطال القوات المسلحة والعناصر الإرهابية بسيناء فى احتفالية «يوم الشهيد»، التى أقامتها القوات المسلحة فى مركز المنارة الشهر الماضى، حينما أزاح الستار عن بعض المعلومات التى عاصرها بنفسه منذ 2009 حتى نهاية العام الماضى.

استغلت العناصر الإرهابية الفراغ الأمنى، والتهميش الاقتصادى، والفراغ السكاني، وبدأوا فى تنفيذ مخططهم الشرير، إلا أنه، ومع استقرار الدولة المصرية، وتولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية السلطة فى 2014، دارت معركة تاريخية مجيدة، تمكنت فيها الدولة المصرية من إنجاز التحرير الثانى لسيناء، لتعود إلى حضن الوطن الأم بعد استئصال شأفة الجماعات الإرهابية.

ميزة حرب التحرير الثانية من الجماعات الإرهابية أنها سارت فى مسارين بالتوازى: مسار الحرب، ومسار التنمية الشاملة، حيث انطلقت أكبر عملية تنمية تشهدها سيناء على مر التاريخ فى استصلاح الأراضى، وإقامة خمسة أنفاق دفعة واحدة إلى جانب نفق الشهيد أحمد حمدى، بالإضافة إلى إنشاء المدن الجديدة، وشق الطرق والترع، وغيرها من مشروعات البنية التحتية.

لكل هذا، فإن ذكرى تحرير سيناء هذا العام لها مذاق مختلف، بعد أن تم التحرير الثانى بنجاح، ليكون شاهدا على عظمة وشموخ القوات المسلحة المصرية التى نجحت فى الحرب النظامية فى أكتوبر العظيم، وفى الحرب على الإرهاب والجماعات الظلامية الإرهابية، التى امتدت إلى ما يقرب من 90 شهرا حتى اكتمال النصر فى العام الماضى.

Back to Top