هنا القاهرة فى قلب العاصمة «لوساكا»
هنا القاهرة فى قلب العاصمة «لوساكا» !
ارتباط مصر إفريقيا ارتباط قديم ــ جديد يمتد إلى آلاف السنين، ويزداد عمقا ورسوخا بمرور السنين، وها هى أسماء الشوارع الرئيسية فى قلب «لوساكا»، عاصمة زامبيا، التى زارها الرئيس عبدالفتاح السيسى أخيرا ضمن جولته الإفريقية، تؤكد ذلك.
هناك شارع «القاهرة»، وهو الشارع التجارى الرئيسى، ويضم معظم البنوك الرئيسية والهيئات الحكومية، ومن بينها البنك المركزى الزامبى، والعديد من البنوك الأخرى، إلى جوار أشهر الفنادق والمحال التجارية.
هناك أيضا شارع «ناصر»، نسبة إلى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ويقع فى قلب عاصمة زامبيا أيضا، وكذلك شارع «السويس»، وهما من الشوارع المهمة أيضا التى تحتضن الكثير من الفنادق والمحال والهيئات الحكومية والخاصة، وكلها تؤكد الحضور المصرى الطاغى هناك، والارتباط المصرى ــ الإفريقى العميق والممتد.
«لوساكا» ليست استثناء، وإنما هناك مدن إفريقية أخرى كثيرة فى دول القارة بها العديد من الشوارع التى تحمل أسماء مصرية، تأكيدا لعمق الارتباط المصرى ــ الإفريقى.
أعتقد أن أحدث البصمات المصرية وأقواها على الإطلاق فى إفريقيا كانت فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتمثلت فى إقامة سد «جوليوس نيريرى» الذى افتتحته رئيسة تنزانيا، سامية حسن، فى ديسمبر من العام الماضى، ليكون بمثابة رسالة مصرية إلى شعوب القارة محملة بكل معانى التنمية والمحبة والسلام والخير والنماء وبالأخص شعب تنزانيا الصديق، وكذلك لكل الشعوب الإفريقية بلا استثناء.
فى هذا الإنجاز الضخم، قدمت مصر نموذجا رفيع المستوى فى القدرة على الإنجاز بأعلى المعايير العلمية العالمية حينما نجحت فى إقامة سد «جوليوس نيريرى» بعد أن فاز تحالف شركتى «المقاولون العرب» و«السويدى» بالمناقصة العالمية التى أطلقتها الحكومية التنزانية، بتكلفة بلغت 2٫9 مليار دولار.
تابع الرئيس عبدالفتاح السيسى ملف السد التنزانى لحظة بلحظة منذ عملية إسناده إلى تحالف الشركتين المصريتين فى ديسمبر 2018، حتى خرج إلى النور فى ديسمبر من العام الماضى، وفقا للجدول الزمنى المقرر لهذا الغرض.
لم يكن سد «جوليوس نيريرى» هو العمل التنموى المصرى الأول فى إفريقيا، وإن كان الأهم، كما أنه لن يكون العمل الأخير، لأن الإستراتيجية المصرية تأخذ البُعد الإفريقى ضمن أولويات التحرك المصرى باستمرار.
حدث هذا منذ عهد بانى مصر الحديثة، محمد على، الذى وصل إلى حدود أوغندا، وازدهر فى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وتنوع بقوة فى عصر الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يضع الملف الإفريقى ضمن أولويات الأجندة المصرية فى السياسة الخارجية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
ولأن إفريقيا فى القلب، فقد استحوذت الدول الإفريقية على النسبة الأعلى للرئيس فى قائمة الزيارات الخارجية، وهناك دول لم يزرها رئيس مصرى سابق زارها الرئيس عبدالفتاح السيسى مثل أنجولا، التى زارها الرئيس مؤخرا ضمن جولته الأخيرة، بالإضافة إلى دول أخرى زارها فى جولات سابقة مثل جيبوتى ورواندا وجنوب إفريقيا والسودان والجابون.
لكل ذلك سجلت رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى نجاحا غير مسبوق، ويكفى أنها شهدت ولادة اتفاقية التجارة الحرة القارية، التى تم إطلاقها فى القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقى بالنيجر فى 2019، لتكون بمنزلة السفينة التى تحمل الخير لجميع الدول الإفريقية، دون استثناء، من أجل تحقيق المنفعة المشتركة لكل دول وشعوب القارة.
اتفاقية التجارة الحرة القارية لا تتعارض مع الاتفاقيات الثنائية والجماعية الأخرى، ودخلت حيز التنفيذ فعليا منذ نحو 4 سنوات، لتكون أكبر منطقة تجارة حرة عالمية، لأنها تضم أكثر من 1٫2 مليار نسمة، ومن المتوقع مضاعفة هذا العدد بحلول 2050.
لا يقل النجاح المصرى الذى تحقق خلال العامين الماضيين فى رئاسة تجمع «الكوميسا» الاقتصادى عن النجاح الذى حققه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إنجاز اتفاقية التجارة الحرة القارية، بعدما تسلمت مصر رئاسة تجمع «الكوميسا» فى 2021 بمؤتمرها الدورى الذى عقد فى العاصمة الإدارية بالقاهرة.
«الكوميسا» أكبر ثانى تجمع إفريقى للتجارة الحرة، ويضم فى عضويته 21 دولة، ويبلغ عدد سكان دول «الكوميسا» أكثر من 600 مليون نسمة، بما يوازى 50٪ من إجمالى عدد سكان القارة الإفريقية تقريبا، وتمتد مساحته الجغرافية إلى نحو 13 مليون كم2، مما يجعله سوقا استهلاكية ضخمة، ويملك فى الوقت نفسه العديد من الفرص الواعدة للتكامل الاقتصادى والتجارى بين الدول الأعضاء.
نجحت مصر خلال رئاستها «الكوميسا» فى العامين الماضيين فى إحداث نقلة نوعية مهمة، على الرغم من الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة بسبب تداعيات «كورونا»، ثم اشتعال الحروب الروسية ـ الأوكرانية.
وعلى الرغم من كل تلك الظروف، نجحت مصر فى تهيئة المناخ لزيادة الصادرات البينية لدول «الكوميسا»، لتصل إلى 13 مليار دولار فى العام الماضى، وهو الرقم الأعلى منذ إنشاء هذا التجمع فى عام 2000، إلى جانب زيادة حجم التبادل التجارى بين مصر ودول «الكوميسا» إلى 4٫3 مليار دولار، ليكون هو الرقم الأعلى أيضا منذ انضمام مصر إلى تلك الاتفاقية.
لم تكتف الجهود المصرية الحثيثة والدءوبة فى أثناء رئاستها تجمع «الكوميسا» على تنشيط وزيادة التبادل التجارى، لكنها أطلقت العديد من المبادرات، أبرزها ما يتعلق بمبادرة التكامل الصناعى الإقليمى فى إطار إستراتيجية التصنيع 2017 ــ 2026، التى تستهدف تعميق الإنتاج الصناعى من خلال زيادة الاستثمار لدول التجمع فى هذا المجال، وكذلك جذب الاستثمارات الخارجية من خلال وكالة الاستثمار الإقليمية بـ«الكوميسا»، التى تستضيفها مصر، وتوجيه تلك الاستثمارات إلى القطاع الصناعى.
أيضا ركزت مصر على ضرورة الاهتمام بمشروعات البنية التحتية، بما يسهم فى تسهيل الانتقال بين الدول الأعضاء، وتسعى مصر جاهدة لإنجاز العديد من الملفات فى هذا الإطار، خاصة ما يتعلق بطريق «القاهرة ـ كيب تاون»، وكذلك مشروع الربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط.
مصر تملك خبرة هائلة فى ذلك المجال، وهناك حرص كبير من دول القارة الإفريقية على نقل التجربة المصرية المتميزة فى مجال البنية التحتية إلى داخل تلك الدول أو على مستوى تجمع «الكوميسا»، وكذلك على مستوى دول الاتحاد الإفريقى، فى إطار اتفاقية التجارة الحرة القارية، وهو ما ظهر جليا، وبوضوح، خلال كلمات رؤساء الدول المشاركين فى قمة «الكوميسا» الأخيرة.
المؤكد أن نجاح إستراتيجية إقامة بنية تحتية قارية أو على مستوى تجمع «الكوميسا» سوف ينعكس بالضرورة على تسهيل حرية انتقال رءوس الأموال، وزيادة حجم التبادل التجارى، وتسهيل جذب الاستثمارات من داخل أو خارج القارة، لإقامة المشروعات الصناعية والإنتاجية المتنوعة، وسهولة تصدير المنتجات إلى الدول الأعضاء أو حتى خارج القارة.
المهم الآن أن يواصل تجمع «الكوميسا» انطلاقه فى ظل رئاسة الرئيس الزامبى، هاكنيدى هيتشيليما، لاستكمال ما تحقق خلال رئاسة مصر فى الدورة المنتهية، فى إطار تكثيف مساعى الدول الأعضاء تجاه التكامل الاقتصادى لدول القارة، وتحقيق حلم الشعوب الإفريقية فى الرخاء والتنمية بعيدا عن الصراعات والأزمات التى تموج بها بعض دول القارة