من دون نوم
نشر بالأهرام الخميس ٢٩ يونيو
من دون نوم
يمتد يوم عرفات حتى بعد أذان المغرب، وبعده تتحرك الحشود الهادرة إلى المزدلفة، وفى الطريق إلى هناك تجد مئات الآلاف يفضلون السير على الأقدام، ومئات الآلاف الآخرين يفضلون ركوب الحافلات المخصصة لهم، وبين هذا وذاك من يركب سيارته الخاصة، أو يلجأ إلى الدراجات النارية لكى يلحق بأطول وقت ممكن فى المزدلفة.
فى المزدلفة يقضى الحجاج ما بين المغرب وصباح اليوم التالى، فمنهم من يكتفى بساعات الصباح الأولى، ومنهم من تمتد إقامته حتى بعد صلاة الفجر.
بعد ذلك تتعدد الاجتهادات، فهناك من يذهب إلى الكعبة لأداء طواف الإفاضة، ومنهم من يذهب إلى منى لرمى العقبة (الجمرة) الكبرى، وفى الاجتهاد رحمة، لأن هذا يخفف من حدة التكدس، ويعمل بقدر المستطاع على توزيع الأعداد الكثيفة، والهائلة.
عبقرية الشعائر فى الحج أنها محددة المكان، فلا يصح أن يكون هناك رمى للجمرات إلا فى مكان محدد، وكذلك لا يصح الوقوف بعرفات فى غير المكان المخصص لذلك، وكذلك المزدلفة، والطواف.. وغيرها من شعائر الحج.
كان الرسول- عليه الصلاة والسلام- عبقريا حينما خفف عن المسلمين وقال لكل من سأله عن شىء يوم الحج «إفعل ولا حرج» مادام داخل الأطر العامة للقواعد الشرعية.
حجاج بيت الله الحرام يقضون نحو ٤٨ ساعة من دون نوم منذ القدوم إلى عرفات وحتى تمام طواف الإفاضة، ورمى العقبة (الجمرة) الكبرى، ومنهم من ينام بضع دقائق قليلة فى المواصلات، أو فى أماكن الشعائر نتيجة الإرهاق الزائد.
حينما ترى الحافلات تشعر بأن حافلات العالم قد جاءت كلها إلى المشاعر المقدسة، وحينما ترى السائرين على أقدامهم تستشعر أن جميع الحجاج يفعلون ذلك.
الناس تفترش الأرض، وتسير على أقدامها، دون ملل أو تبرم، فهم قد جاءوا لأجل التقرب إلى الله.
جهد هائل تقوم به السلطات فى المملكة العربية السعودية لتنظيم شعائر الحج، وفى القلب من ذلك تجد التكاتف فى أروع صوره، فالكل يتسابق ليقدم المياه، والوجبات.. وكل أنواع الخدمات لحجاج بيت الله الحرام، وهذا هو سر عبقرية الحج الأعظم.