قمة «الدول السبع» و «البنود الثمانية» لإنقاذ السودان
قمة «الدول السبع» و «البنود الثمانية» لإنقاذ السودان
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
لأن السودان هو عصب الأمن القومى المصرى، وعمقه الإستراتيجى، والعلاقات معه قديمة ومتجددة تجرى فى الشرايين المصرية والسودانية مثلما يجرى الماء فى نهر النيل، فقد تحركت مصر بقوتها ومكانتها الإقليمية والدولية لتستضيف قمة دول الجوار فى القاهرة من أجل إنقاذ السودان من التفكك، وحقن دماء الشعب السودانى الذى يسيل أنهارا بلا هوادة منذ منتصف شهر إبريل الماضى وحتى الآن.
كانت مصر داعمة وبقوة لكل التحركات الإقليمية والدولية السابقة فى إطار حرصها على حقن دماء الشعب السودانى الشقيق، ثم جاء التحرك المصرى مع دول الجوار باعتبار أن هذه الدول هى المتضرر الأكبر من الأزمة السودانية خاصة ما يتعلق باستقبال ملايين اللاجئين وتزايد مخاطر الأنشطة الإرهابية والإجرامية، فى حال استمرار نزيف الدم السودانى.
سبع دول هى دول الجوار للسودان وهى مصر، وليبيا، وإريتريا، وتشاد، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا حيث يحدها من الشمال مصر وليبيا، ومن الجنوب دولة جنوب السودان، ومن الشرق إريتريا وإثيوبيا، ومن الغرب تشاد، وجمهورية إفريقيا الوسطى.
أكثر المتضررين فى هذه الدول هى مصر حيث كانت مصر تستضيف حوالى 5 ملايين لاجئ قبل تفجر الأزمة الأخيرة، وارتفع العدد إلى ما يقرب من 6 ملايين بعد انفجار الحرب الداخلية الأخيرة، وهو رقم يزيد على عدد سكان بعض الدول الأوروبية ومنها على سبيل المثال النرويج، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، وليتوانيا، وفنلندا، وغيرها من بعض الدول الأخرى فى أوروبا.
رغم الظروف الاقتصادية العالمية والمحلية الصعبة فإن الدولة المصرية تعتبر هؤلاء «ضيوفا» وليسوا «لاجئين» وتتعامل معهم بشكل راق ومتحضر على عكس الدول الأوروبية أو غيرها من تلك الدول التى تعامل اللاجئين «أسوأ» أنواع المعاملة، وتقيد حريتهم فى معسكرات أقرب إلى السجون، وتتخذ إجراءات عنيفة لمنع دخولهم أو الاقتراب من شواطئهم مما يؤدى إلى حوادث غرق للسفن التى تحملهم وهى الحوادث التى تتكرر باستمرار وآخرها حادث سفينة اللاجئين فى اليونان الذى وقع مؤخرا.
ولأن مصر تضع السودان على قائمة أولويات أمنها القومى والإستراتيجى فقد قامت بالترتيب لعقد قمة دول الجوار باعتبارها أكثر المهتمين بالأزمة السودانية، وأكثر الحريصين فى ذات الوقت على إنهاء تلك المشكلة انطلاقا من رغبتهم فى وقف آثارها السلبية على اقتصاد دولهم .
نجحت مصر فى حشد كل دول الجوار بلا استثناء فى أول اجتماع من نوعه، وجاء تمثيل الدول قويا حيث حضر كل رؤساء وزعماء تلك الدول بلا استثناء، بالإضافة إلى حضور الأمين العام لجامعة الدول العربية، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى ليكون المؤتمر متوافقا ومتكاملا مع الجهود العربية، والإقليمية والقارية فى هذا الإطار، وليس منفصلا عنها أو متعارضا معها.
تابعت من خلال شرفة الصحافة فى قصر الاتحادية وقائع الجلسة الافتتاحية وشعرت بالفخر والاعتزاز كمواطن مصرى بقدرة مصر على حشد كل هذه الجهود وخروج المؤتمر بهذا الشكل الرائع الذى أكد قدرة مصر ومكانتها الإقليمية والدولية، ودورها المحورى فى حل أزمات المنطقتين العربية، والإفريقية بما لها من مكانة مرموقة لدى جميع الدول والشعوب، وقد أكد المؤتمر نجاح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ترسيخ تلك المكانة لتعود مصر إلى مكانتها الإقليمية والدولية أقوى مما كانت عليه كلاعب أساسى فى حل أزمات المنطقة، وقدرتها على التأثير القوى فى محيطها العربى والإفريقى والإقليمى.
كلمات رؤساء الوفود جميعها جاءت معبرة عن ذلك حيث تسابق الجميع فى كلماتهم الافتتاحية على تأكيد دعمهم للمبادرة المصرية، ومساندتهم لها، وتقديرهم للدور المصرى القوى فى هذا الإطار.
انطلاقا من تلك البداية الناجحة جاء البيان الختامى للقمة معبرا عن حالة التوافق والانسجام التى كانت سائدة فى اجتماعات قمة الجوار سواء تلك التى سبقت الجلسة الافتتاحية أو فى الجلسة المغلقة، ونجح البيان الختامى فى ترجمة كل ذلك فى شكل خطة متكاملة وواضحة مكونة من ثمانية بنود أساسية لمنع تفكك السودان، وحقن دماء الشعب السودانى، واعتبار أن ما يحدث فى السودان «شأن داخلى» غير قابل «للتدويل» أو التدخل الخارجى.
قرأت بعناية تفاصيل البنود الثمانية للبيان الختامى لقمة دول الجوار ولعل أبرز ما جاء فيها مايلى:
أولا: جاءت البنود الثلاثة الأولى لتؤكد ضرورة وقف إطلاق النار فورا، مع اعتبار النزاع القائم فى السودان شأنا داخليا ورفض تدخل أى أطراف خارجية والاحترام الكامل لسيادة السودان، ووحدة أراضيه، ويتماشى مع ذلك ضرورة الحفاظ على كيانات الدولة السودانية ومؤسساتها، ومقدراتها، ومنع تفككها.
هذه البنود الثلاثة رسالة قوية للأطراف الداخلية والخارجية على السواء فى ضرورة وقف القتال، وفى نفس الوقت تأكيد فكرة الدولة الوطنية والحفاظ على كياناتها من الانهيار، ورفض تدويل الأزمة ومنع دخول أى أطراف خارجية منعا للتصعيد و«صب الزيت على النيران» هناك .
ثانيا: البندان الخامس والسادس أكدا اهتمام القادة الحاضرين للقمة بالشعب السودانى، وتفهم معاناته والقلق من تدهور الوضع الإنسانى هناك، وإدانة الاعتداءات المتكررة على المدنيين، والمرافق الخدمية العامة، مع تأكيد أهمية زيادة المساعدات الإنسانية، وتسهيل وصول هذه المساعدات للمناطق المتضررة بالتعاون مع الوكالات والمنظمات الدولية والمحلية المعنية.
أعتقد أن هذين البندين عبرا بوضوح عن حجم المأساة الإنسانية الهائلة التى يعيشها الشعب السودانى، وضرورة التدخل السريع والعاجل لمنع المزيد من التدهور فى تلك الأوضاع الإنسانية «البائسة» هناك.
ثالثا: جاء البند السابع ملبيا لطموحات الشعب السودانى التى تحطمت على جدار الصراع الدموى الدائر الآن، مطالبا بضرورة إطلاق حوار جامع للأطراف السودانية من أجل بدء عملية سياسية شاملة تلبى طموحات الشعب السودانى التى طالب بها فى ثورته التى انتهت بإسقاط نظام البشير فى 11 إبريل عام 2019 إلا أن الصراع الدائر المشتعل الآن منذ حوالى ٤ أشهر تقريبا أعاد الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه قبل سقوط نظام البشير.
رابعا: وضع البند الثامن آلية وزارية لمتابعة الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار يكون اجتماعها الأول فى تشاد لمتابعة تنفيذ مبادرة القاهرة والتواصل مع الآليات الأخرى القائمة بما فيها الإيجاد والاتحاد الإفريقى، وكذلك التواصل المباشر مع الأطراف السودانية وعرض نتائج أعمالها على القمة المقبلة لدول الجوار.
أعتقد أن هذا البند شديد الأهمية لأنه أنشأ آلية للتنفيذ والمتابعة وهذا هو الأهم لترجمة ما جاء فى مقررات القمة وعرض النتائج لضمان التوصل إلى النتائج المرجوة، وتنفيذ مخرجات «قمة الجوار» وإنهاء ذلك النزاع الدامى، وتحقيق طموحات الشعب السودانى.
ما يدعو إلى التفاؤل هو ترحيب الأطراف المتصارعة فى السودان بمخرجات قمة القاهرة حيث رحب مجلس السيادة السودانى بنتائج قمة دول الجوار، وتقدم مجلس السيادة بالشكر لمصر ورئيسها عبدالفتاح السيسى على استضافة تلك القمة المهمة التى تستهدف استعادة الاستقرار والأمن فى السودان.
على الجانب المقابل وفى نفس الوقت رحبت قوات الدعم السريع بالبيان الختامى لقمة القاهرة، مؤكدة أن القمة جاءت متسقة مع الجهود الإقليمية والدولية لتبنى الحل الشامل للأزمة السودانية.
أعتقد أن ردود الفعل الإقليمية والدولية وأطراف النزاع السودانى تؤكد جميعها نجاح قمة القاهرة، وقدرتها على إنهاء ذلك النزاع المشتعل منذ 4 أشهر هناك، والبدء فى عملية سياسية شاملة تحقق طموحات الشعب السودانى التى لاتزال معطلة منذ ما يقرب من أربع سنوات بعد أن نجح فى إسقاط نظام البشير فى شهر إبريل عام 2019.