إهدار 400 مليار جنيه سنويا

بقلم: عبدالمحسن سلامة

هل من المعقول أن يتم إهدار 400 مليار جنيه سنويا ونحن فى أشد الحاجة لكل جنيه لتحقيق برنامج الإصلاح الاقتصادي؟

هل من المنطقى أن يتهرب «الحيتان» من سداد التزاماتهم تجاه الدولة فى وقت يتحمل فيه المواطن البسيط عبء الإصلاح ويكتوى بنيران الغلاء؟!

فى الاسبوع الماضى نشرت الزميلة «أخبار اليوم» ندوة موسعة على صفحتين حضرها رئيس التحرير السيد النجار، وشارك فيها العديد من الزملاء بالشقيقة اخبار اليوم وكشفت الندوة عن حجم الخلل فى النظام الضريبى المصرى حيث أكد عماد سامى رئيس مصلحة الضرائب ان حجم التهرب الضريبى يصل إلى أكثر من 400 مليار جنيه سنويا أى ما يوازى حوالى 25 مليار دولار سنويا، مشيرا إلى أنه تم تحصيل 28 مليار جنيه من الموظفين فى الدولة خلال عام، فى حين يتفنن الفنانون والنخبة والمثقفون ولاعبو الكرة وكبار الأطباء والمحاسبين والمهندسين والاعلاميين فى التهرب من سداد الضرائب، حيث لم يتم تحصيل سوى 500 مليون جنيه من كل هذه الفئات فى حين تؤكد الدراسات الضريبية ان الضرائب المستحقة عليهم لاتقل عن 10 مليارات جنيه سنويا.

وأضاف ان حجم التهرب الضريبى يصل إلى أكثر من 400 مليار جنيه سنويا، حيث انه من المتوقع ان يتم تحصيل 381 مليار جنيه فقط خلال العام المالى الحالي، فى حين أن القيمة الحقيقية للضرائب المستحقة على المواطنين تقدر بحوالى 800 مليار جنيه مما يعنى أنه يتم تحصيل 40% فقط من الضرائب المستحقة.

تلك هى الكارثة الحقيقية التى تواجه الحكومة المصرية الآن والحكومات المتعاقبة قبلها، وفى كل مرة نسمع تساؤلات بلا أجوبة وشكوى من المسئولين، كأنهم ليسوا أصحاب قرار وأن المواطن البسيط هو السبب فى تلك الكارثة وهذا الخلل الرهيب.

الحكومة تلجأ إلى الحلول السهلة مثل رفع الأسعار والتحميل على الطبقة المتوسطة التى تآكلت بسبب الضغط المستمر عليها، ولم تفكر الحكومات السابقة ولا الحكومة الحالية فى إيجاد منظومة ضريبية منضبطة وفاعلة وعادلة، فهى لا ترى إلا تحت قدميها وما فى يديها فقط، أما ما هو أبعد من ذلك فلا شأن لها به، فهى تترك 50% من الاقتصاد بعيدا عنها حيث بلغ الناتج القومى فى العام المالى 2015/2016 حوالى تريليون و200 مليار جنيه، فى حين نجد ان المراقب من قبل الدولة من واقع حصيلة الضريبة على المبيعات حوالى 120 مليار جنيه فقط اى ان هناك تريليونا جنيه اقتصادا غير رسمى بما يعنى ان هناك ما يتراوح بين 40 إلى 50% من الاقتصاد المصرى بعيدا عن أعين الحكومة وبعيدا عن رقابة الدولة وإشرافها.

المشكلة أن الحديث عن تلك المشكلة ممتد منذ سنوات والحكومات المتعاقبة لاتحرك ساكنا فى حين أن حل تلك المشكلة وزيادة حصيلة الضرائب بنحو 400 مليار جنيه يجعل مصر قادرة على مواجهة كافة التحديات الاقتصادية التى تواجهها، ويكفيها شر السؤال وطلب القروض والمنح، ويعيد التوازن إلى الموازنة والميزانية معا، ويمكنها من سداد ديونها وتقليل الاعتماد على القروض.

صحيح أن المسألة صعبة وتحتاج إلى بعض الوقت لكنها قضية تستحق بذل الجهد والوقت، لان استمرار هذا الخلل الضريبى الهائل غير مقبول وغير منطقي، وبه تفرقة بين المواطنين، فهناك من يدفع ويلتزم فى حين أن هناك من لايدفع ولايلتزم، وإذا دفع فهو يدفع «الفتات»، وبالتالى فان الحكومة مطالبة بتدارك هذا الخلل الرهيب حتى لو أدى ذلك إلى تعيين وزير مختص للشئون الضريبية ولو بشكل مؤقت إلى حين وضع منظومة ضريبية صحيحة تمتد إلى الجميع وترفع حصيلة الضرائب من 380 مليارا إلى 800 مليار.

اقتراح وزير للشئون الضريبية. بمهام محددة وفترة زمنية محددة يمكن أن يكون الحل حتى لو كان ذلك فى شكل إعادة هيكلة مصلحة الضرائب ومعرفة احتياجاتها وتمكينها من فرض رؤيتها لحل مشكلات الاقتصاد الهامشي.

 

قطاعات ضخمة لا تخضع للمحاسبة الضريبية مثل تجارة الاراضى والعقارات وتجارة الألبان والأعلاف والأسمدة ومصانع بير السلم، وهى منتشرة بكثافة فى كل مناطق الجمهورية، وكذلك العديد من قطاعات الصناعة والتجارة الأخرى لاتعرف الضرائب لها طريقا، وان عرفت فهى تدفع «الفتات» بشكل عشوائى مما جعل هذه الفئات تزداد ثراء وغنى على حساب باقى المواطنين.

العالم كله به عدالة ضريبية صارمة، والعدالة الضريبية فى الدول الرأسمالية أكثر انضباطا وقوة من الدول الاشتراكية.. أما نحن فلاتوجد عدالة ضريبية اطلاقا إلا على الموظفين «الغلابة» كبيرهم وصغيرهم وأصحاب الدخول الثابتة، وهذا ليس عيبا، وإنما العيب فى ترك باقى فئات المجتمع للاهواء والتهرب الضريبى الفج، فى وقت نشكو فيه من قلة الإيرادات وعجز الموازنة.

لقد نشرت «المصرى اليوم» تقريرا من مصلحة الضرائب فى نهاية موسم تقديم الإقرارات الضريبية فى نهاية مارس الماضي، اشارت فيه إلى ان دنيا سمير غانم دفعت 5 جنيهات ونيكول سابا 5 جنيهات، والراقصة صافيناز 11 ألفا ولاتعليق.

أتمنى على المهندس شريف إسماعيل رئيس الحكومة تخصيص جزء من وقته لهذا الملف المهم والخطير بالتنسيق مع وزير المالية وغيره من الوزارات للوصول إلى برامج زمنى لتحقيق الانضباط الضريبي، وضم الاقتصاد الهامشى إلى الاقتصاد الرسمي، وتغليط عقوبات التهرب الضريبى وجعلها من الجرائم المخلة بالشرف، وفى تلك الحالة لن نحتاج إلى المعونات من أحد، والأهم هو تدبير الموارد اللازمة لبرامج الإصلاح الاقتصادي، وتخفيف العبء عن كاهل الطبقة المتوسطة اثناء تنفيذ باقى برنامج الإصلاح فى مراحله المتبقية.

الرابط

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/594105.aspx

Back to Top