قلب العروبة من «حرب 1948» إلى «إعصار دانيال»
قلب العروبة من «حرب 1948» إلى «إعصار دانيال»
أثناء اصطفاف معدات الإغاثة فى المنطقة المركزية العسكرية بقاعدة المشير حسين طنطاوى بالهايكستب، وفى انتظار تشريف الرئيس عبدالفتاح السيسى لمشاهدة اصطفاف معدات الدعم والإغاثة للأشقاء فى ليبيا يوم الأربعاء الماضى دار شريط طويل من الذكريات فى عقلى عن مواقف «مصر العروبة» تجاه الأشقاء العرب طوال عقود طويلة ممتدة رغم كل الظروف والتحديات .
المحطة الأولى التى تذكرتها كانت حرب 1948 والتى كانت بداية الكوارث والأزمات التى حلت بالمنطقة العربية، وكيف قامت مصر بدور رئيسى فى هذه المعركة ضد الميليشيات الصهيونية المسلحة المدعومة عالميا بالقوى الاستعمارية الكبرى حينذاك.
شاركت مصر بالقوة العسكرية الأكبر ووصل عدد القوات المشاركة فى هذه الحرب إلى نحو 20 ألف جندى واختلطت الدماء المصرية بالدماء الفلسطينية والعربية ومنذ تلك اللحظة لم تتخل مصر عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى، ولاتزال تقوم بالدور المحورى والرئيسى فى كل الأزمات الفلسطينية سواء تلك المتعلقة بالصراع الإسرائيلى ــ الفلسطيني، أو تلك المتعلقة بوحدة الصف الفلسطينى من خلال التنسيق بين الفصائل الفلسطينية والبحث عن أرضية مشتركة لجميع الفصائل الفلسطينية فى نضالها المشروع ضد المحتل الإسرائيلى .
دفعت مصر الثمن فى 1967، واستعادت للعرب كرامتهم وعزتهم فى 1973 خلال حرب أكتوبر المجيدة التى نحتفل بمرور 50 عاما عليها خلال شهر أكتوبر المقبل.
المحطة الثانية التى تذكرتها هى حرب تحرير الكويت التى لعبت فيها مصر الدور المحورى والرئيسى فى إنقاذ الكويت مما ساهم فى تكوين التحالف الدولى الذى قام بتحرير الكويت.
بلغ عدد أفراد القوات المسلحة الذين شاركوا فى حرب تحرير الكويت نحو 34 ألف مقاتل من أفراد الفرقة الرابعة المدرعة، والفرقة الثالثة مشاة ميكانيكى والصاعقة، والدعم اللوجستى، وتمركزت فى منطقة حفر الباطن لصد أى هجوم محتمل على المملكة العربية السعودية.
تذكرت كيف تحولت مصر إلى الوطن الثانى «للأشقاء الكوايتة» وفتحت مصر أبوابها وعقلها وقلبها للأشقاء الكويتيين ــ كما هو الحال فى باقى الجنسيات العربية الذين تستقبلهم مصر على الرحب والسعة ــ حتى عادوا إلى ديارهم آمنين سالمين، وظل إرتباطهم بمصر متصلا وممدودًا بلا حدود زمانية أو مكانية.
المحطة الثالثة: تذكرت الغزو الأمريكى الجائر للعراق والذى أدى إلى تدفق الملايين من أبناء الشعب العراقى إلى مصر، لدرجة أن هناك أحياء بكاملها كان يغلب عليها الطابع العراقى لانتشار الأشقاء العراقيين فيها، وبنفس روح الود والتسامح وقفت مصر وشعبها مساندة للشعب العراقى، ومرحبة بكل أبناء الجالية العراقية بلا استثناء.
رغم تحسن الأوضاع النسبى فى العراق فإنه لاتزال هناك أعداد كبيرة من العراقيين يعيشون فى مصر وقد التقى رئيس الوزراء العراقى السيد محمد شياع السودانى أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة وفدا منهم، وكما وقف الشعب المصرى مع الكويت الشقيقة وشعبها فى محنتها، وقف بصلابة مع العراق الشقيق وشعبه فى محنته دون أدنى تفرقة بين دولة وأخرى، وبين مواطن عربى من هنا أو هناك.
المحطة الرابعة: تذكرت محنة اليمن الحالية التى وقعت نتيجة انقلاب جماعة الحوثى على الشرعية اليمنية وانطلاق حرب أهلية شرسة بين الحكومة اليمنية والحوثيين لاتزال دائرة حتى الآن والتى أدت إلى فرار الآلاف من أبناء اليمن إلى مصر، وهناك تقديرات تشير إلى أن عدد اليمنيين فى مصر يبلغ نحو مليون يمنى، وقد توقفت أمام تقرير نشرته «BBC عربى» فى أكتوبر الماضى عن أوضاع الجالية اليمنية فى مصر ونقلها عن أعضاء الجالية اليمنية قولهم «إن لكل عربى وطنين أحدهما مصر» وأكد التقرير أن القاهرة هى بيت لكل العرب، وأنها أصبحت سكنا لليمنيين، والسودانيين، والسوريين والعراقيين والليبيين وغيرهم من الجاليات العربية التى نزحت إلى مصر طلبا للأمان والاستقرار وهربا من جحيم الحرب والاقتتال فى بلادهم.
ما حدث من «ترحاب» واستيعاب مع اليمنيين حدث مع السوريين الذين قدموا إلى مصر، ويعيشون على الرحب والسعة، ويعملون فى الأنشطة المختلفة، ويسكنون فى العديد من المدن والمحافظات دون مضايقات رسمية أو شعبية.
الحال نفسه يحدث مع أفراد الجالية السودانية من الجنوب أو الشمال والذين تصل أعدادهم إلى أكثر من 4 ملايين سودانى طبقا لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، والتى أشارت إلى أنهم يتمركزون فى محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ودمياط والدقهلية.
المنظمة الدولية للهجرة أشارت فى أحدث تقرير صدر عنها إلى أن مصر تفتح ذراعيها لأكثر من 9 ملايين لاجئ يمثلون نحو 8.7٪ من إجمالى عدد السكان فى مصر ويحتل السودانيون المرتبة الأولى، يليهم السوريون ثم اليمنيون، والليبيون، والعراقيون، وجنسيات أخرى كثيرة.
لم تكتف مصر بالدعم والمساندة، واستقبال كل هذه الأعداد بل إنها لا تبخل بكل جهودها السياسية من أجل حل مشكلات تلك الدول ومساندة حكوماتها وشعوبها من أجل الخروج من دائرة الحروب والاقتتال إلى السلام والاستقرار، كما تفعل حاليا فى الأزمتين السودانية، والليبية.
فاتورة استقبال الأشقاء العرب ضخمة وتصل إلى ما يقرب من ١٠ مليارات دولار سنويا على الأقل، وهو مبلغ ضخم وكبير فى ظل الأزمة المالية العالمية الحالية، وتداعياتها على الاقتصاد المصرى، إلا أن مصر تظل دائما هى السند والداعم لكل الأشقاء العرب من المحيط إلى الخليج دون تفرقة، وتظل أيضا الوطن الثانى لكل العرب.
انتزعنى صوت العميد ياسر وهبة مقدم حفل اصطفاف معدات الإغاثة للأشقاء فى ليبيا من الاستغراق فى شريط الذكريات حينما قال: «التاريخ والمكانة لا يصنعان بمواقف مؤقتة أو بأسباب معينة» لتبدأ وقائع الحفل الذى حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على حضوره بنفسه فى رسالة تضامن قوية وواضحة مع الأشقاء فى ليبيا بعد أن تعرضوا لأضخم كارثة طبيعية نتيجة هبوب «إعصار دانيال» المدمر وما تبعه من فيضانات مدمرة أدت الى اختفاء مناطق بكاملها خاصة فى مدينة «درنة»، وسط توقعات بتزايد أعداد القتلى جراء هذا الإعصار المدمر إلى أكثر من 20 ألف قتيل وهو ما يحتاج إلى جهود ضخمة وحشد للطاقات الإقليمية والدولية للسيطرة على تبعات تلك الكارثة الطبيعية.
خلال ساعات قامت القوات المسلحة بتجهيز أعداد ضخمة من الأجهزة والمعدات اللازمة لمواجهة تبعات الإعصار المدمر، وانتشال الجثث، وعلاج المصابين، وشاهدنا فى أرض العرض 50 سيارة إسعاف، منها سيارات رعاية مركزة، و50 عربة حاويات، منها عربات مجهزة كمستشفى ميدانى، بالإضافة إلى حاويات الأغذية، والماكينات، وروافع المياه، والأوناش وغيرها.
إلى جوار ذلك تحركت حاملة الطائرات «ميسترال» لتشارك فى جهود الإغاثة بالإضافة إلى تجهيزها كمستشفى ميدانى لعلاج المصابين.
يتبقى القول فى النهاية إن اصطفاف المعدات لدعم الأشقاء فى ليبيا هو مجرد حلقة من حلقات طويلة وممتدة فى أعماق التاريخ ومستقبله للدور المصرى الداعم والمساند دائما لكل الأقطار العربية، ليظل «لكل عربى من المحيط إلى الخليج وطنان أحدهما مصر».