مؤشرات التعافى الاقتصادى والخروج من عنق الأزمة
فى نهار رمضان يقوم الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة أكاديمية الشرطة فجر أمس الأول الجمعة ويلتقى طلابها وهيئتها بعد زيارته الأكاديمية العسكرية مساء يوم الخميس فى تحركات ذات دلالة عميقة تؤكد أننا أمام رئيس يعمل على مدار الساعة لا فرق عنده فى ذلك بين المساء والصباح فى رمضان ، يعمل وهو صائم، ويعمل بعد الإفطار ويعمل فى أيام الأجازة الاسبوعية والمهم فى ذلك كله مصلحة الوطن والقدرة على تحقيق الإنجاز، وتخطى الصعوبات والتقدم بالدولة المصرية إلى الأمام. .
تحدث الرئيس مع طلاب أكاديمية الشرطة وأرسل العديد من رسائل الطمأنة لكل المواطنين عن الأزمة الاقتصادية، وكيف ساهمت الأحداث العالمية خلال الأربع سنوات الماضية فى تفاقمها بدءا من جائحة كورونا مرورا بالحرب الروسية ـ الأوكرانية وانتهاء بالحرب على غزة.
طمأن الرئيس الطلاب وكل أبناء المجتمع المصرى على بدء نهاية الأزمة، وأن الأمور الاقتصادية أصبحت تسير فى مسارها الطبيعى الجيد بعد الخطوات الاقتصادية التى تبلورت فى اتفاق صفقة رأس الحكمة، وما تلاها من الاتفاق مع صندق النقد الدولى والبنك الدولى، وما تم الاتفاق عليه مع الاتحاد الأوروبى من منح ومساعدات، مشيرا إلى أن كل هذه الخطوات سوف تؤدى إلى تحسين وتطوير وإصلاح الموقف الاقتصادى بشكل حاسم ونهائى.
كلمات الرئيس فى أكاديمية الشرطة جاءت متوافقة مع ما يحدث فى الأسواق والشعور «بالطمأنة» لدى جموع المواطنين بعد فترة من «القلق والتوتر» صاحبها ــ للأسف الشديد ــ سلوكيات خاطئة من بعض رجال الأعمال، وكبار التجار والمحتكرين الذين استغلوا الأزمة أسوأ استغلال ممكن، وأداروا ظهورهم ــ بحسب تعبير الرئيس فى يوم الشهيد ــ للدولة المصرية لكن يقظة الدولة، وماقامت به من خطوات وإجراءات كان آخرها قرار تحرير سعر الصرف أدت إلى وضع النقاط على الحروف وأعادت الثقة إلى الاقتصاد الوطنى وأكدت قدرته على حل مشكلاته، وبدء مرحلة التعافى، والخروج من عنق الأزمة إلى مرحلة الحل النهائى والحاسم.
ربما كانت الأزمة الأخيرة جرس إنذار ضخم لإعادة ترتيب أوراق الاقتصاد المصرى بما يضمن عدم تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلا .
من بين المزايا الإيجابية للأزمة هو التنبيه إلى مخاطر التوسع فى الاستيراد، وإهمال الإنتاج، مما أدى إلى تزايد الفجوة بين الاستيراد والتصدير، وجاءت الأزمة لتؤكد ذلك الخلل الرهيب.
كان لابد من تخفيض فاتورة الاستيراد بأقصى قدر ممكن، وقد نجحت الدولة فى خفض تلك الفاتورة فى العام الماضى بما يقرب من 13 مليار دولار حيث أوضح الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى بيانه المنشور فى الصفحة الأولى بجريدة الأهرام أمس الأول الجمعة أنه تم خفض فاتورة الواردات إلى 83٫2 مليار دولار عام 2023 مقابل 96٫2 مليار دولار عام 2022 بانخفاض قدره 13 مليار دولار.
المهم الآن هو دراسة إمكانية استمرار خفض فاتورة الاستيراد إلى أدنى حد ممكن بما لا يؤثر على توفير مستلزمات الإنتاج الضرورية لتشغيل المصانع أو تلك التى تدخل فى الإنتاج لزوم تصدير منتجاتها، وذلك كله فى إطار العمل على توفير السلع بأسعار معقولة وأيضا زيادة الصادرات المصرية إلى الأسواق المختلفة.
على الجانب الآخر فقد تلقى هؤلاء الذين أداروا ظهورهم إلى الدولة المصرية لطمة قوية خلال الأيام القليلة الماضية بعد حزمة القرارات والإجراءات الاقتصادية الأخيرة بعد أن تراجع سعر صرف الدولار إلى ما يقرب من 47 جنيها فى بدء رحلة هبوطه الى سعرة العادل والطبيعى وذلك بعد أن أختفت السوق السوداء بعد تعادل سعر صرف الدولار داخل وخارج البنوك، ونتيجة تحرير سعر الصرف لم يعد أمام المضاربين وتجار السوق السوداء سوى التنازل عن الدولار فى البنوك خاصة فى ظل يقظة أجهزة الدولة ومطاردة تجار السوق السوداء، والتعامل بحسم وقوة مع من يثبت اتجاره غير المشروع فى الدولار.
نفس الحال حدث مع الذهب، ووضع المبشرون بالذهب كملاذ أمن «حجرا فى آفواههم» بعد أن صدعونا للأسف الشديد طويلا فى بعض القنوات ومن خلال بعض المذيعين والمذيعات بضرورة الجرى وراء الذهب، وشراء الذهب بديلا عن الجنيه.
هؤلاء تكبدوا خسائر ضخمة تراوحت من 500 إلى 1000 جنيه فى الجرام الواحد بعد أن كان البعض يراهن على تخطى الدولار حاجز الـ70 جنيها، وكانوا يقومون بتسعير الذهب على ذلك السعر الوهمى.
الآن بدأت الأمور تعود إلى مسارها الطبيعى فى إطار رحلة قد تستغرق من شهر إلى شهرين لكى تصل التأثيرات الإيجابية إلى المواطن العادى متمثلة فى هبوط أسعار السلع والخدمات إلى مستويات ما قبل الأزمة وفى كل الأحوال لن تزيد إلا بنسبة طفيفة وغير مؤثرة كأمر طبيعى بعيدا عن المضاربات أو الاحتكارات أو التسعير الوهمى للدولار والذهب.
تزامن ذلك مع زيادة تحويلات المصريين بالخارج لتصل إلى 10 أضعافها وقت الأزمة، حيث شهدت البنوك والمصارف خلال الأيام القليلة الماضية زيادة كبيرة فى التحويلات بالعملة الأجنبية سواء من المصريين فى الخارج أو من المستثمرين الأجانب والمؤسسات الأجنبية الدولية بعد توحيد سعر الصرف والإجراءات الاقتصادية الأخيرة، كما شهدت حصيلة شركات الصرافة الحكومية طفرة كبيرة بلغت ما يقرب من المليار ونصف المليار جنيه.
كل ذلك أسهم فى تحسن قيمة الجنيه أمام الدولار بعد أن قامت البنوك بتوفير العملة الصعبة اللأزمة للاستيراد، وزيادة المبالغ المتاحة للاستخدام بالعملة الأجنبية عبر البطاقات فى إطار التيسيرات لعملاء الجهاز المصرفى.
انعكس كل ذلك فى انخفاض سعر صرف الدولار إلى نحو 47 جنيها تقريبا فى ختام تعاملات الأسبوع الماضى ليفقد ما يقرب من 3 جنيهات عن سعره فى بداية توحيد سعر الصرف وهو ما انعكس بالضرورة على أسعار الذهب حيث تراجعت أسعار الذهب فى نهاية تعاملات الأسبوع الماضى ليفقد سعر جرام عيار 21 حوالى 130 جنيها ليصل إلى 2970 جنيها فى حين خسر الجنيه الذهب 1040 جنيها ليصل إلى 22760 جنيها.
على الجانب الآخر فقد شهدت أسعار السلع والأجهزة الكهربائية والسيارات تراجعا ملحوظا، وإن لم يكن بالشكل المطلوب حتى الآن، حيث انخفضت أسعار بعض السلع مثل الزيوت والأرز وبعض السلع الأخرى ومن المتوقع أن تظهر التأثيرات على باقى السلع خلال الأيام القليلة المقبلة بعد أن تم الإفراج عن شحنات الغذاء والدواء ومستلزمات الإنتاج من الجمارك فى الأسبوع الماضى.
المهم الآن أن تتم الاستفادة من درس الأزمة الماضية حتى لا تتكرر مرة أخرى مستقبلا من خلال المحاور التالية:
أولا: أن تهتم الموازنة الجديدة التى يجرى إعدادها الآن على التركيز على تغيير طبيعة الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد إنتاجى فلن يكون هناك تصدير بدون إنتاج، كما أن التصدير سوف يكون «منقوصا» إذا ظلت الصناعة فى مصر مجرد صناعة «تجميع»، وليست «توطينا»، وبالتالى فإن المرحلة المقبلة تتطلب تغيير بعض المفاهيم الاقتصادية من أجل زيادة الإنتاج والحد من الواردات.
ثانيا: التوسع فى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة على غرار «صفقة رأس الحكمة»، والعمل على زيادة جاذبية الاقتصاد المصرى لجذب هذه النوعية من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال المرحلة المقبلة، بما يضمن تدفق عوائد نقدية مباشرة، والتخفيف من الضغط على الدولار، والمشاركة فى العوائد بشكل مستمر، كما حدث فى صفقة رأس الحكمة بعوائدها المباشرة وغير المباشرة.
ثالثا: الاستفادة من عودة الأموال الساخنة التى عادت بفضل تحسن مؤشرات الاقتصاد المصرى مؤخرا، لكن فى نفس الوقت لا يجب الاعتماد على تلك الأموال لأنها فى النهاية تشبه القروض القصيرة الأجل التى لا تصلح للاستثمار فى مشروعات طويلة الأجل، كما أنها قابلة للهروب فى أية لحظة، ومن هنا فمن الضرورى أن نستفيد من التجارب السابقة فى التعامل مع ملف الأموال الساخنة دون رفضها بشكل مطلق، أو الارتكاز عليها بشكل أساسى حتى لانفاجأ بتكرار الأزمة من جديد.