من دمياط يأتى الفرج!

بقلم: عبدالمحسن سلامة

دمياط محافظة لها طبيعة خاصة، فهى محافظة لا تعرف البطالة لها طريقا، ولا تعرف الإهمال والتراخي، وأهلها ليسوا «بخلاء» كما يطلقون عليهم لكنهم يعرفون كيف ينفقون أموالهم ومتي؟! هم لا يحبون «السفه» ولا «المنظرة» وإنما يقومون بتوظيف أموالهم التوظيف الملائم وفى الغرض الذى يعود بالنفع عليهم وعلى صناعتهم ومستقبل أولادهم.

طبقا لتقارير البنك الدولى كانت نسبة البطالة صفرا فى دمياط قبل 2011، وللأمانة ليس معروفا النسبة الآن على وجه الدقة، لكنها تظل أفضل المحافظات فى هذا المجال.

حينما أذهب إلى دمياط فى كل مرة أتمنى أن يتم تعميم تجربة دمياط على مصر كلها، وليس معنى ذلك أن تتحول مصر إلى صناعة الأثاث، وإنما الهدف هو تعميم روح التجربة من حيث الجدية والالتزام والانضباط فى العمل، وكلها قيم «تاهت» فى المجتمع المصرى للأسف الشديد بعد أن تم استبدال «الفهلوة»، و«الواسطة» و«الرشوة» بها وغيرها من الأمراض التى انتشرت فى مصر مؤخرا وأصبحت تمثل حاجزا ضخما أمام القدرة على التقدم، فتحولنا إلى شعب مستهلك، وشعب يحب البطالة والفهلوة عن العمل الجاد، وتحولنا إلى دولة مستوردة تأكل من عمل أيدى الآخرين.

يوم الثلاثاء الماضى كان الموعد الجديد لزيارة دمياط، حيث قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بافتتاح 16 مشروعا، بتكلفة 4.9 مليار جنيه، وكلها مشروعات تهدف إلى توفير السكن الملائم والخدمة الصحية للمواطنين، بالإضافة إلى وضع حجر الأساس لمدينة الأثاث بعد أن تم تنفيذ »هنجر« نموذجى لورش الأثاث وآخر كمركز لتكنولوجيا صناعة الأثاث.

المشروعات الجديدة تعنى ضخ دماء جديدة فى شرايين الاقتصاد المصرى التى أصابها «العطب» خلال الفترة التى أعقبت ثورة يناير 2011 نتيجة توقف المشروعات بعد أن ضربت الفوضى المجتمع المصرى كله، وأغلقت المصانع أبوابها وكان لابد من إعادة الحيوية إلى الاقتصاد مرة أخرى من خلال إقامة المشروعات الخدمية والإنتاجية المتنوعة التى تسهم فى توفير فرص عمل جديدة للشباب، وتوفير السلع والخدمات للمواطنين. وقد أسهمت المشروعات التى أقيمت أخيرا بالفعل فى توفير 3 ملايين فرصة عمل جديدة للشباب، صحيح أننا نحتاج إلى أكثر من ذلك، وأن معدلات البطالة لا تزال عالية (نحو 12% من السكان) إلا أن ذلك يعتبر بداية قوية فى مشوار إنقاذ الاقتصاد المصرى الصعب والمعقد بعد أن بات على وشك الانهيار والإفلاس ومازال يعانى معاناة شديدة حتى الآن.

كان لافتا للانتباه التقليد الذى أصر عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة إشراف الرقابة الإدارية على المشروعات التى يتم افتتاحها فجاءت كلمة اللواء محمد عرفات رئيس هيئة الرقابة الإدارية قوية وواضحة وفجر مفاجأة حينما أعلن أنه تم إرجاء 22% من المشروعات التى كانت مقررة للافتتاح بسبب ملاحظات لابد من استكمالها، وهنا تدخل الرئيس مطالبا بضرورة إنهاء كل المشروعات المتوقفة والمعطلة وإزالة كل المعوقات أمامها.

فيما يخص المشروعات الصحية، نبهت الرقابة الإدارية إلى ضرورة الوصول بزمن الاستجابة من جانب سيارات الإسعاف إلى 6 دقائق طبقا للمعدل العالمى حيث لا تزال فى مصر تتراوح ما بين 8 : 15 دقيقة.

أيضا من الضرورى تنفيذ تعليمات الرئيس بنشر وحدات خدمة متكاملة على الطرق تشمل (الإسعاف/ الشرطة/ محطات الوقود) بحيث لا تزيد المسافة بين الوحدة والتى تليها على 25 كيلو مترا، بحيث يمكن تأمين رحلات المسافرين على هذه الطرق وتوفير سبل راحتهم وأمانهم.

فى قطاع الصحة أيضا، استعرض د. أحمد عماد الدين وزير الصحة تجربة مصر فى القضاء على فيروس «سي» بتكلفة 6 مليارات جنيه، وإنهاء قوائم الانتظار فى علاج المرضى المصابين بالفيروس، وهو ما أدى إلى انخفاض معدلات الإصابة إلى نسبة تتراوح ما بين 1 و 4%.

بعدها قام الرئيس بافتتاح 9 مستشفيات فى محافظات مصر المختلفة وتدشين دخول 300 سيارة إسعاف جديدة الخدمة لأول مرة.

أعتقد أن الطفرة فى مشروعات الصحة والإسعاف غير مسبوقة، لكن يبقى الدور الأهم للوزارة فى تشغيل هذه المستشفيات وسيارات الإسعاف، فمن غير المعقول أن تتحول المستشفيات إلى مبان فندقية فخمة دون تقديم خدمة طبية متميزة للمرضي، والأمر يحتاج إلى رؤية شاملة لعلاج سوء الأداء الذى تعانى منه مستشفيات ومرافق وزارة الصحة، ومن غير المعقول ولا المقبول أن تقوم الدولة بتوفير كل هذه الاعتمادات لفتح المستشفيات ودعم مرفق الإسعاف وتظل شكوى المرضى مستمرة من سوء الأداء.

إننى أدعو هيئة الرقابة الإدارية لعمل حملات على المستشفيات العامة والجامعية والمؤسسة العلاجية للوقوف على أوجه القصور، ومعاقبة المتسببين فى الأخطاء.

بعد ذلك جاء حديث وزير الإسكان والمرافق واللواء حسن عبدالشافى رئيس الهيئة الهندسية لافتتاح مشروعات الإسكان، وهى المشروعات التى تشهد طفرة عملاقة يشعر بها كل المتقدمين لطلب وحدات سكنية، حيث أصبح شعار »شقة لكل مواطن« حقيقة، وأصبح كل من يتقدم وتنطبق عليه الشروط يستطيع الحصول على شقة دون واسطة. وقد استطاعت الدولة لأول مرة توفير 500 ألف وحدة سكنية خلال الـسنوات الثلاث الماضية، وتم حل مشكلة المناطق غير الآمنة، وهنا أكد الرئيس أنه يصر على حل مشكلة الإسكان، وإزالة المناطق غير الآمنة وتطويرها، وأن الدولة كانت «غائبة» حينما سمحت بالتعديات والعشوائيات، لكنه لن يسمح بذلك، مؤكدا أن الدولة عادت بقوة لتطبق القانون على الجميع، ولن يخشى إلا الله فى ذلك، لتنفجر القاعة بالتصفيق المدوي.

هناك البعض للأسف من يريد استمرار الفوضى الحالية، لكن المؤكد أن الأغلبية الكاسحة من المواطنين ضد التعديات ومع سيادة القانون، لأنه لن تبنى الدولة إلا بالقانون والإصلاح الشامل، وليذهب اللصوص والمغتصبون و«الحرامية» إلى الجحيم!.

رابط المقال

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/596254.aspx

Back to Top