حرب الاتهامات فى تيران وصنافير

بقلم : عبدالمحسن سلامة

عادت قضية تيران وصنافير من جديد إلي الواجهة بعد أن أقر البرلمان اتفاقية تعيين الحدود البحرية خلال الأسبوع الماضي بعد جدل وشد وجذب وانتهي الأمر بموافقة أغلبية البرلمان علي الاتفاقية بعد أن تم دراسة الاتفاقية في اللجان المختصة وأبرزها لجنة الشئون التشريعية ولجنة الأمن القومي.

المشكلة أن البعض يريد أن يشعلها نارا، وقد سمعت أحد هؤلاء في لقاء تليفزيوني لقناة الشر المسماة بالجزيرة وهو يهدد أعضاء البرلمان وأنه سوف تتم محاكمتهم بتهمة الخيانة العظمي لو وافقوا علي الاتفاقية، وهذا الكلام خطير يهدف إلي إثارة الفوضي وتدمير الدولة وإعادة سيناريوهات كئيبة عصفت بدول مجاورة وكادت تعصف بنا لولا لطف الله أولا ثم يقظة جيش مصر العظيم ثانيا.

هناك فرق بين من يغار علي أرضه وبين من يريد أن يشعلها نارا، كما أن هناك فرقا بين التمنيات وبين حقائق الواقع والتاريخ.

في قضية الأرض هناك واقع وجغرافيا وتاريخ، وكما حدث في قضية طابا فقد ذهبت مصر إلي أبعد مدي حتي وصلت إلي التحكيم الدولي وحكمت لها المحكمة الدولية بمصرية طابا، وعادت إلي أحضان الوطن، ونفس الحال في حلايب وشلاتين تلك الأرض المصرية التي ينطبق عليها تقريبا نفس حالة تيران وصنافير، فقد كانت ومازالت حلايب وشلاتين أرضا مصرية خالصة رغم أن دولة السودان الشقيقة أدارتها بعض الوقت بموافقة مصرية ثم عادت مصر لتمارس عليها حقوقها السيادية، ومثلما حدث أيضا حينما كان قطاع غزة التابع للدولة الفلسطينية يقع تحت الإدارة المصرية لفترة طويلة حتي وقع في فخ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.

ليست هناك مشكلة فى معارضة أو تأييد اتفاقية تعيين الحدود البحرية المصرية ـ السعودية، ولابد من حماية حق المعارضين فى التعبير عن آرائهم بكل حرية، لكن هناك فرقا ضخما بين من يعارض بدافع الغيرة الوطنية وبين من يكيل اتهامات التخوين والعمالة دون دليل رافضا النقاش والحوار، ومدعيا أنه يملك صكوك الوطنية وحده فى محاولة خبيثة لإعادة سيناريوهات الفوضى وضرب استقرار الدولة.

فى قضايا الأرض لابد أن يكون الحديث حديث الوثائق وليس التأييد لمجرد التأييد أو المعارضة للمزايدة وادعاء البطولة الزائفة فكلاهما لا يقل خطورة عن الآخر، ولابد من الإنصات إلى العلماء والمتخصصين وتفنيد الأدلة والوثائق.

لقد وقع تحت بصرى بالصدفة فى مكتبة الأهرام كتاب تحت اسم «دراسات حول قضية خليج العقبة ومضيق تيران» من إعداد الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع وهو عبارة عن ندوة أقامتها الجمعية يوم 29 مايو 1967 وشارك فيها جمع كبير من المشتغلين بالقانون الدولى والمهتمين بالدراسات السياسية وأساتذة الجامعات ورجال القضاء والقوات المسلحة وأعضاء الجمعية وكان من بينهم السيد حسن صبرى الخولى الممثل الشخصى لرئيس الجمهورية، والسيد عبدالخالق حسونة الأمين العام لجامعة الدول العربية، والسيد عصام الدين حسونة وزير العدل، والسيد خالد محيى الدين السكرتير العام للمجلس القومى للسلام، وعدد كبير من الأسماء اللامعة، وعقدت الندوة بهدف مناقشة موقف مصر من قضية خليج العقبة ومضيق تيران، ومناقشة جميع الجوانب القانونية والسياسية والدولية المتعلقة بهذه القضية، وانتهت الندوة إلى مشروعية القرار الذى اتخذه الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر بشأن منع سفن العدو الإسرائيلى من المرور فى مضيق تيران، وكان ذلك قبل عدوان 5 يونيو بعدة أيام قليلة.

فى الصفحة رقم 33 من الكتاب وفى الجزء الأخير من الصفحة ناقشت الندوة الوضع القانونى لمضيق تيران وأكدت طبقا لما جاء فى الكتاب بالنص »أن مضيق تيران لا يعتبر مضيقا دوليا حيث إنه لا يصل بين جزءين من أعالى البحار بل هو يصل بين البحر الأحمر وبين مياه داخلية عربية هى مياه خليج العقبة، وهذا الحكم متفق مع العرف الدولى بشأن المضايق ومع حكم محكمة العدل الدولية فى قضية مضيق كورفو سنة 1949.

 

وأضافت الفقرة التالية فى الصفحة رقم 34 ما يلى بالنص »ولقد كانت الحكومة المصرية تفرض دائما إشرافها ورقابتها على الملاحة فى مضيق تيران حيث إن هذا الأمر يدخل فى سلطتها وفقا للقانون الدولى، وكانت الحكومة المصرية بالتفاهم مع السعودية «تحتل» جزيرتى تيران وصنافير لإحكام الرقابة على مدخل خليج العقبة بواسطة المدفعية الساحلية.

هذا هو ما جاء بالنص فى الكتاب، وليس هذا الكتاب فقط هو المرجع فى هذه القضية وإنما هناك شهادات لبعض الكتاب والمفكرين لا يختلف أحد على نزاهتهم وصدق مقصدهم ومنهم د. جمال جمال والأستاذ محمد حسنين هيكل وبعضهم شديد المعارضة للدولة المصرية الآن مثل د. محمد البرادعى حينما كان رئيسا لهيئة الطاقة النووية، كما أن الأستاذ محمد حسنين هيكل لم يكن يحمل «ودا» للسعودية من قريب أو بعيد.

هؤلاء وغيرهم يمثلون أطيافا مختلفة ومنهم الأحياء ومنهم الأموات الذين رحلوا عن دنيانا قبل أن تثار تلك القضية أصلا، وحينما سجلوا رؤيتهم لأوضاع الجزيرتين جاء ذلك فى إطار سرد تاريخى ووقائع تتعلق بأحداث مختلفة مثلما حدث فى الكتاب الذى أشرت إليه والذى سجل ندوة لتبرير غلق المضايق قبل هزيمة يونيو بأيام قليلة.

الجزيرتان عزيزتان علينا لأنهما تحت السيادة المصرية منذ أكثر من 67 عاما وتقعان ضمن البرامج السياحية للسائحين فى شرم الشيخ، لكن الواقع والوثائق شىء مختلف ولابد أن تتم معالجة تلك القضية بالحوار والفهم والعقلانية بعيدا عن التخوين ومحاولة إشعال الفتنة و«الصيد فى الماء العكر» كما يقولون.

تبقى ضرورة أن تتضمن الاتفاقية ما يحمى الأمن القومى المصرى مستقبلا وأن تتحول تيران وصنافير إلى منطقة حرة اقتصادية بين مصر والسعودية والالتزام بالشراكة فى المشروعات الاقتصادية التى يمكن أن تقام عليها مستقبلا، وأن يكون هناك ضمانات لحرية الحركة والتنقل للمصريين والأجانب فى الأفواج السياحية فيهما دون

Back to Top