عيدية الرئيس والعدالة الاجتماعية
بقلم: عبدالمحسن سلامة
استبق الرئيس عبدالفتاح السيسى العيد بعدة أيام، وأطلق حزمة من الإجراءات والقرارات لتخفيف الأعباء عن المواطنين, تصل تكلفتها إلى ما يزيد على 75 مليار جنيه دفعة واحدة فى مجالات مختلفة, أبرزها زيادة الدعم النقدى للفرد فى بطاقة التموين من 21 جنيها إلى 50 جنيها بنسبة زيادة تصل إلى 140%، وهى زيادة معتبرة ومفيدة جدا لكل أصحاب بطاقات التموين، هذا بالإضافة إلى زيادة المعاشات التأمينية بنسبة 15% وبحد أدنى 150 جنيها، وكذلك زيادة قيمة الدعم النقدى لمستحقى برنامجى تكافل وكرامة بقيمة 100 جنيه شهريا، إلى جانب إقرار علاوة دورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية بقيمة 7%, وعلاوة غلاء استثنائية قدرها 7% أخري، وبالنسبة لغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية، فقد قرر الرئيس منحهم علاوة قدرها 10%، وعلاوة غلاء استثنائية قدرها 10% أخري.
هذه الإجراءات والقرارات جاءت لتأكيد مشاركة الرئيس المواطنين معاناتهم من الغلاء والأسعار، والأهم أنها جاءت نتيجة تحسن الأوضاع الاقتصادية نسبيا, نتيجة نجاح خطط الإصلاح الاقتصادي، حيث أوضحت المؤشرات الاقتصادية خلال الأشهر الماضية أن هناك نتائج مبشرة ستجعل مصر فى وضع أفضل اقتصاديا خلال المرحلة المقبلة.
لقد ثار جدل كبير من قبل حول ضرورات الإصلاح ومحاذيره، غير أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قطع الشك باليقين حينما بدأ مشوار الإصلاح الاقتصادى الصعب والمؤلم، لأن الإصلاح هو الدواء المر الذى لابد منه للاقتصاد المصرى بعد أن تضخمت أوجاعه على مدى عقود طويلة، وكانت البداية حينما بدأت كوبونات الدعم الذى تحول إلى جبل ثلج دمر قدرات الاقتصاد المصري.
وللأسف حاول الرئيس أنور السادات الإصلاح، لكنه تردد وتراجع، ولم يتمكن من إنجاز الإصلاح الذى كان يريده، لتستمر الفاتورة فى التزايد والتصاعد، وسار على نفس الوتيرة الرئيس الأسبق مبارك حتى قامت ثورة 25 يناير التى ضربت الاقتصاد المصرى «الهش» فى مقتل، فالاقتصاد كان يعتمد على السياحة والتجارة والعقارات وتحويلات المصريين بالخارج، وكلها تقع تحت مسمى الاقتصاد الريعي، وهو الاقتصاد الذى يقوم على الخدمات والتجارة ولا يصمد أمام العواصف والهبات التى يمكن أن تحدث، ويقع بسهولة فى دائرة الانهيار، بعكس الاقتصاد الإنتاجى الذى يقوم على أدوات إنتاجية حقيقية فى الصناعة والزراعة وغيرهما من المجالات الإنتاجية.
جاءت الثورة لتلتهم كل الاحتياطى النقدى الذى كان يبلغ نحو 38 مليار دولار، بالإضافة إلى وديعة الخليج نحو 10 مليارات دولار، ليصل الإجمالى إلى أكثر من 48 مليار دولار.
ضربت الفوضى الاقتصاد المصرى فى مقتل وجرفت الاحتياطى وزادت الفجوة بين الإيرادات والمصروفات إلى مستويات غير مسبوقة، وعاشت مصر فترة «بائسة» من تاريخها تنتظر المعونات من هنا وهناك، وكانت قلوبنا تكاد تقف فى حالة تأخر ناقلات البترول أو الغاز، لأن معنى ذلك ببساطة أن الكهرباء سوف تنقطع، وعرفت مصر طيلة أربع سنوات بعد ثورة 25 يناير مايسمى بتخفيف الأحمال فى الكهرباء، وكانت كل منطقة تعرف أنها سوف تعيش فى الظلام لعدد معين من الساعات قد تطول أو تقصر حسب الظروف.
كان من المستحيل أن يستمر هذا الوضع «البائس» فكان الإصلاح الاقتصادى ضرورة ملحة بعيدا عن حديث المعونات والإعانات والتسول الذى لايليق بمصر وشعبها ومكانتها وقامتها، وهى التى كانت ذات يوم تمثل «خزائن الأرض»، وهى التى أقامت الحضارة الفرعونية العظيمة التى لاتضاهيها حضارة أخرى فى العالم، وهى التى امتدت فتوحاتها فى عهد محمد على إلى حدود إثيوبيا وغزت أوروبا، فلايمكن بحال من الأحوال أن يستمر شعب هذا تاريخه وتلك حضارته على هذه الطريقة المهينة فى الحياة اليومية ينتظر المعونة من هنا أو هناك.
اجتازت مصر أصعب مرحلتين الأولى أنها تجاوزت التآمر والفتن وأفلتت من مصير التخريب والحرب الأهلية والتقسيم بعد نجاح ثورة 30 يونيو، ثم جاءت المرحلة الثانية وتحملت صدمة الإصلاح الاقتصادي، لتضع مصر نفسها على طريق التقدم وتحقيق حلم إقامة الدولة العصرية المدنية الديمقراطية الحديثة الذى لن يكون له وجود فى ظل اقتصاد مريض وهش.
ومازال المشوار طويلا، ولابد من استكماله بكل إصرار، لأن التراجع عنه يعنى ضياع ماتحقق، وأعتقد أنه من المهم مراعاة الملاحظات التالية:
أولا: تفعيل قرارات الرئيس عبد الفتاح السيسى التى اتخذها لحماية الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل من الآثار الاقتصادية للإصلاح الاقتصادي، وحل شكاوى المواطنين مع البطاقات التموينية وبطاقات الخبز مع وضع الضوابط الصارمة لعدم التلاعب من جانب التجار، خاصة فيما يتعلق ببطاقات الخبز وصرف النقاط التى لاتزال بابا ملكيا للفساد يحتاج إلى إعادة مراجعة وضبط بحيث يصل الخبز ونقاطه إلى المستحقين فعلا، بعيدا عن الكارت الذهبى والمخالفات التى يرتكبها أصحاب المخابز ومع ذلك تقف وزارة التموين عاجزة عن حل هذه المشكلات.
حماية الطبقات المتوسطة ضرورة لأنها عماد المجتمع، ولابد من الحفاظ عليها ومساندتها فى تلك المرحلة الاقتصادية الصعبة حتى تظل مستمرة ولاتقع فى بئر الفقر العميقة.
ثانيا: ضرورة الاتجاه وبسرعة نحو العدالة الضريبية فهى الباب الملكى لإنقاذ الاقتصاد المصري، ومن غير المقبول أو المعقول أن يظل هذا النزيف مستمرا، فالأغنياء لايدفعون ضرائب تقريبا، وأكثر من نصف المجتمع الضريبى متهرب من الضرائب فيما يعرف بالاقتصاد الهامشى أو اقتصاد «بير السلم»، والأرقام التى تخرج من مصلحة الضرائب والمسئولين فى وزارة المالية صادمة وتشير إلى الخلل الموجود حيث تشير الأرقام إلى أن حجم التهرب الضريبى فى مصر يصل إلى 400 مليار جنيه سنويا أى مايوازى نحو 22 مليار دولار بسعر السوق حاليا.
هذا رقم مرعب وضخم يسهم فى حل مشكلة عجز الموازنة ويعوضنا عن القروض أولا ويؤدى ثانيا إلى طفرة فى تحسين الخدمات والمرافق الحكومية ومد شبكات المياه والطرق والصرف الصحي، والنهوض بالعملية التعليمية، وزيادة مخصصات الصحة والتعليم، وتوفير شبكة حماية أفضل لمحدودى الدخل والفقراء، ومد مظلة التأمينات والرعاية الاجتماعية لقطاع كبير من المحرومين من هذه الخدمات.
اعتراف الحكومة بالمشكلة، سواء من جانب نائب وزير المالية عمرو المنير للسياسات الضريبية أو من جانب عماد سامى رئيس مصلحة الضرائب، وهما يتفقان تقريبا على كل نقاط الأزمة سواء حجم التهرب الضريبى الذى يصل إلى أكثر من 400 مليار جنيه سنويا، وأن الموظفين فى الدولة أو من يتقاضون أجورا ثابتة هم أكثر الفئات الملتزمة ضريبيا فى حين يتهرب الفنانون والنخبة ولاعبو الكرة والأطباء والمهندسون وكبار الإعلاميين من سداد الضرائب حيث تم تحصيل 500 مليون جنيه فقط من هذه الفئات، فى حين تؤكد الدراسات الضريبية أن الضرائب المستحقة عليهم لا تقل عن 10 مليارات جنيه سنويا.
الأرقام الحكومية تؤكد أن القيمة الحقيقية للضرائب المستحقة على كل الفئات تقدر بحوالى 800 مليار جنيه فى حين أنه لا يتم تحصيل سوى 380 مليار جنيه تقريبا مما يعنى أنه يتم تحصيل أقل من 50% من الضرائب المستحقة للدولة.
الحديث عن الإصلاح الضريبى يرتبط بالعدالة الاجتماعية ويقلل من فكرة رفع الأسعار والتحميل الزائد على الطبقة المتوسطة التى تآكلت بسبب الضغط المستمر عليها.
حان الوقت لكى تخلق الحكومة منظومة ضريبية منضبطة وفاعلة وعادلة ينضم تحت لوائها الاقتصاد الشارد عن الاقتصاد الرسمى، والذى يمثل حوالى 50% من إجمالى الاقتصاد القومى، حيث بلغ الناتج القومى فى العام المالى 2015/ 2016 حوالى تريليون و200 مليار جنيه، أى أن هناك قطاعا ضخما يعمل بعيداً عن أعين الحكومة، وبعيداً عن رقابة الدولة، وإشرافها، وبعيداً عن دفع الضرائب والرسوم المستحقة، ومن أكثر هذه القطاعات كل أنواع التجارة تقريبا، وخاصة تجارة الأراضى والعقارات، والأعلاف والأسمدة ومصانع بير السلم بأشكالها المختلفة.
العدالة الضريبية هى الباب الملكى للعدالة الاجتماعية والعالم كله به عدالة ضريبية صارمة، سواء فى الدول الرأسمالية أم الاشتراكية، ومن غير الطبيعى أن يظل الوضع الحالى على ماهو عليه فى وقت نشكو فيه من قلة الإيرادات، وعجز الموازنة، ونسير قدماً فى خطط الإصلاح الاقتصادي.
لابد من وضع نظام صارم لإخضاع كل الفئات الشاردة للعدالة الضريبية، وفى تلك الحالة سوف يكون من السهل تدبير الموارد اللازمة للإصلاح الاقتصادي، وتخفيف العبء عن كاهل الطبقة المتوسطة أثناء استكمال باقى مراحل برنامج الإصلاح الاقتصادي.
أخيراً تبقى ملاحظة على تصرف الحكومة التى جعلت من هذا الأسبوع كله إجازة تقريباً لتمتد الإجازة عمليا من الجمعة إلى الأحد باستثناء الأربعاء الذى لن يذهب فيه أحد إلى العمل تقريبا.
هل هذا يتفق مع توجهات الرئيس بالعمل ليل نهار؟ وهل هناك دولة فى العالم تأخذ إجازة تمتد إلى عشرة أيام، تقريبا؟! وهل فكرت الحكومة أن ذلك يشكل ضغطاً هائلاً على أصحاب الأعمال فى القطاع الخاص، ويؤدى إلى توقف حركة العمل فى المشروعات القومية التى تتم الآن؟! وهل الاحتفالات لابد أن تكون إجازات؟!
أتمنى أن يكون هناك مفهوم جديد يتماشى مع فكر الإصلاح الذى تعيشه مصر الآن، فالدولة فى حاجة إلى الإنتاج والعمل وليس إلى «الكسل والتنبلة».
الرابط
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/600910.aspx