ماذا تريد قطر؟

بقلم: عبدالمحسن سلامة

ماذا تريد قطر؟!.. هذا هو سؤال الساعة الآن فى الشارع العربى بعد أن جاء الرد القطرى على مطالب الدول الأربع مصر والسعودية والإمارات والبحرين مخيبا للآمال.

كان من المنتظر أن يكون هناك تقدم فى الموقف القطرى فى إطار الوساطة التى تقوم بها دولة الكويت الشقيقة لكن قطر فى كل لحظة تثبت أنها تغرد خارج السرب العربى وأنها تسير وفق سيناريو خطير يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على المنطقة كلها.

هذا السيناريو ليس وليد اليوم وإنما هو سيناريو قديم تتبناه دولة قطر يقوم على إشعال نيران الفتنة فى العالم العربى من خلال قناة الجزيرة تارة أو من خلال المواقف السياسية أو الاقتصادية المعلنة وغير المعلنة تارة أخري، وفى كل مرة تقف قطر مساندة بكل قوة للفوضى والانشقاق فى كل ربوع العالم العربي.

بداية، لابد من التفرقة بين الشعب القطرى والنظام الحاكم هناك، فالشعب القطرى شعب شقيق له كل التقدير والاحترام والمودة، وهم أخوة أعزاء لهم دائما وأبدا كل الترحيب والتقدير من كل الشعوب العربية على وجه العموم، والشعب المصرى الكريم على وجه الخصوص، فالشعب المصرى يجيد التفرقة بين السياسات الخاطئة والزائلة وأواصر الدم والأخوة الخالدة.

بعيدا عن الشعب القطرى فإن النظام الحاكم فى قطر الآن بقيادة الأمير تميم يسير على نفس نهج النظام السابق هناك بقيادة الوالد الأمير حمد بن خليفة الذى انقلب على والده الشيخ خليفة بن حمد فى انقلاب تاريخى مشهور، ومنذ هذا الانقلاب وقطر تسير فى الاتجاه المعاكس لكل ما هو عربى وربما يفسر ذلك مبرر الانقلاب.

الغريب فى الأمر أن قطر لم تقدم نموذجا يحتذى به من أى نوع سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو حتى اجتماعيا يمكن القياس عليه لتبرير مواقفها كونها تقدم نموذجا تبحث عن ترويجه، فلا هى دولة ديمقراطية، ولا هى دولة مؤسسات، وإنما هى امارة فردية من نوعية الدول «المنقرضة» التى انتهى عصرها وولى إلى الأبد واختفى من المشهد العالمى ولم يعد هذا النظام موجودا إلا فى بعض الدول التى لا تزيد على أصابع اليد الواحدة التى تقوم على الحاكم بأمره بعيدا عن فكرة دولة المؤسسات أيا كانت ديمقراطية أو حتى ديكتاتورية.

إذن المشكلة فى عقلية حاكم قطر سواء الابن الحالى تميم أو الوالد حمد وهى مشكلة تتعلق بفلسفة الحكم هناك، وتتعلق بالإجابة على السؤال المطروح وهو: ماذا تريد قطر أو على وجه الدقة ماذا يريد حاكم قطر؟! ربما تكون هناك أسباب تتعلق «بقزمية» الدولة وعدد سكانها ومساحتها وفى نفس الوقت امكاناتها المالية الضخمة مما جعل الابن «تميم» كما الوالد «حمد» يحاول البحث عن دور أكبر ومساحة أوسع وفضاء أكثر اتساعا للحركة، لكن كل هذا مردود عليه بأنه كان من الممكن تحقيق ذلك فى إطار توظيف الامكانات المادية فى بناء امبراطورية اقتصادية وإنسانية يشار إليها بالبنان بعيدا عن دعم الإرهاب والتطرف وإشعال نيران الفتن والأزمات.

أظن أن إجابة السؤال تتعلق بسيناريو مفروض على قطر تمارسه ومحظور عليها الخروج منه وتلك هى المشكلة.

قطر تستضيف أكبر قاعدة أمريكية فى المنطقة ولها علاقات قوية بإسرائيل وليس هذا وليد اليوم وإنما يمتد لسنوات طويلة منذ حكم الوالد، وهى المحطة الأساسية التى استضافت القوات الأمريكية لضرب العراق وتحطيمه، وكانت البداية لمسلسل الفوضى والدمار فى العالم العربي.

كانت مصر تحذر دائما من خطورة الموقف القطرى وتصرفات الحكام هناك منذ فترة طويلة، لكن المشكلة أن قطر كانت «تتدثر» بالغطاء الخليجي، وكانت دول الخليج تعرف حماقات قطر وسوء سياستها لكن لأن النار كانت بعيدة عن الجلباب الخليجى كانت السياسة الخليجية تقوم على التهدئة وتسوية الأمور، وكانت مصر فى كل مرة بحكم أنها الأكبر والأقوى والأهم تستجيب لتلك الوساطات حتى «طفح الكيل» وزاد، وكانت الوقفة الحاسمة من المرحوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين السابق بداية تغيير استراتيجى حينما قام بتعنيف حاكم قطر وأدى ذلك إلى وقف قناة الجزيرة مباشر مصر التى كانت متخصصة فى إشعال نيران الفتنة والفوضى فى مصر، لكن اليد العابثة لا تريد أن تهدأ، ولم تتعلم قطر من الدرس، وبدأت المعلومات تتناثر عن ورطة النظام القطرى ودعمه الإرهاب فى سوريا وليبيا ومصر والسعودية والبحرين.

 

كانت التصريحات التى نقلتها وكالة الأنباء القطرية هى الكاشفة لذلك المخطط الشرير، بالإضافة إلى كل الوثائق التى تملكها أجهزة المخابرات فى الدول الأربع والتى تصب كلها فى خانة دعم قطر للإرهاب وإصرارها على نشر الفوضى والعنف فى كل ربوع العالم العربى بما فيها دول الخليج من خلال التحالف مع إيران لنشر الفتنة الطائفية فى السعودية والبحرين والإمارات.

الرد القطرى على المطالب العربية يسير فى إطار التصعيد وينذر بعواقب وخيمة، وهذا يتسق مع الدور القطرى المشبوه الذى تسير فيه قطر منذ بداية ضرب العراق ومرورا بسيناريوهات «الفوضى الخلاقة» وأخيرا سيناريو الأزمة الحالى. الرد القطرى يشير بفجاجة إلى تعاون قطرى إيرانى تركى ضد المصالح العربية والخليجية وأنها تريد أن تشعل أزمة جديدة بعد فشل سيناريوهات «الفوضى الخلاقة» فى المنطقة من خلال «جر» المنطقة كلها إلى حرب باردة أو ساخنة تدخل فيها أطراف إقليمية ودولية إذا استدعت الظروف ذلك لتحقيق المخططات القديمة فى تدمير المنطقة العربية، واستمرار الأوضاع الحالية السيئة فى ليبيا واليمن وسوريا دون حل فى الأفق.

 

قطر لا تريد التضحية بعلاقاتها مع تركيا وإيران حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بمجلس التعاون الخليجي، فهل هذا هو موقف قطر أم موقف مرسوم لها وتقوم هى بتنفيذه على طريقة والى عكا الشهيرة الذى تم استخدامه لتسهيل دخول قوات الاستعمار ثم انتهى دوره؟! هذا بالضبط ما يفعله حاكم قطر الآن، فهو يقوم بدور مرسوم له فى إطار البحث عن أطماع ودور أكبر بكثير من قدرات وإمكانات قطر لخدمة مخططات مشبوهة تستهدف إشعال المنطقة كلها وإغراقها فى حرب طائفية ومذهبية. من المتوقع الآن بعد الرد القطرى على المطالب العربية أنها سوف تقوم بزيادة أعداد القوات التركية والإيرانية على أراضيها لحماية عرش تميم من جهة وتصوير المشهد بأنه لأجل صد هجوم عسكرى من الدول الأربع عليها. هذا الأمر غير وارد على الإطلاق، وقطر تعلم ذلك لكنها تسير وفق مخطط مرسوم لها بالخارج من أجل جر المنطقة إلى هذا السيناريو الخطير ليكون الوضع ممهدا أمام تدخل القوى الكبرى المتربصة الآن بالمنطقة التى تقف موقف المتفرج من الأحداث، وتطلق تصريحات متضاربة، ولعل أبلغ مثال على ذلك الموقفان الألمانى والفرنسي، وكذا الموقف المتأرجح من الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، وفى الوقت الذى يتخذ فيه الرئيس الأمريكى ترامب موقفا صريحا ومحددا ضد التصرفات القطرية نجد أن هناك مؤسسات أخرى تسير عكس الاتجاه.

وبعد... إذا كانت قطر تسير فى إطار سيناريو الدم والفوضى الذى يحكمها منذ سنوات فما المخرج؟

أتصور أن كشف المؤامرة القطرية، وفضحها علانية هو بداية حل الأزمة، وهو ماحدث فعلاً وهذا أكبر انتصار للسياسة المصرية، وبعد أن كانت قطر تتلون كالحرباء أصبح المشهد واضحا، للعيان ولجميع الشعوب العربية بلا استثناء سواء شعوب الدول الاربع أو باقى الشعوب العربية.

فقدان مصداقية السياسة القطرية، وقنوات الجزيرة وفضح الدور القطرى المشبوه بكل مشتملاته خطوة مهمة، وموفقة يجب الحفاظ عليها من خلال زيادة الالتحام، والتماسك بين الدول الاربع، وحساب كل خطوة بدقة قبل التحرك حتى لو أدى الأمر إلى نقل الملف إلى مجلس الأمن، وتقديم كل الوثائق والمستندات الدالة على دعم قطر الارهاب لتعرية النظام القطري، ومن يقف وراءه, وكشف أصحاب المصلحة فى تدمير المنطقة العربية، وإدخال العالم العربى فى حرب عالمية جديدة بأطراف اقليمية ودولية.

الاجتماع الدورى المقبل لوزراء خارجية الدول الاربع المقرر عقده فى المنامة بالبحرين سوف يكون مؤشراً مهماً على الخطوات التالية التى سوف يتم اتخاذها ضد النظام القطري، وتعريته أمام شعوب العالم العربي، ودول العالم المختلفة.

أعتقد أن القضية تحتاج إلى بعض الوقت، وأنه لامجال للإجراءات السريعة فيها، لأن هناك بدائل كثيرة يمكن اللجوء إليها لتأديب النظام القطري، وإعادة تأهيله وإعادته إلى الحظيرة العربية مع الحفاظ على الشعب القطرى الشقيق.

قطر الآن فى قفص الاتهام أمام الشعوب العربية والعالمية، وهذا يكفى فى حد ذاته بعد أن كانت هى من تروج الأكاذيب والشائعات والاتهامات للدول الأخري.

الأزمة تحتاج إلى النفس الطويل، والأمر المؤكد أن الدول الأربع قادرة على قيادة هذا الملف الشائك بحكمة وهدوء بعد أن نجحت فى كشف المؤامرة والمتآمرين والمتورطين من قطر والمتعاونين معها فى تركيا، وإيران وربما آخرين يمكن أن يزاح الستار عنهم قريبا.

رابط المقال

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/603001.aspx

Back to Top