مكافحة الفساد بوابة الإصلاح الاقتصادى

بقلم : عبدالمحسن سلامة

معركة ضخمة تقودها مصر الآن من أجل استكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادى وإيجاد حلول للمشكلات المتراكمة منذ فترة طويلة التى أدت إلى هذا التدهور الاقتصادى الضخم الذى نعانيه, ويحتاج إلى كل الجهود المخلصة من أجل إعادة عجلة الإنتاج والقضاء على الفساد بكل صوره وأشكاله.

القضاء على الفساد هو المفتاح السحرى لزيادة تدفق الاستثمارات ونجاح منظومة الإصلاح الاقتصادي، لأن الفساد يؤدى إلى هروب المستثمرين وخروج كل الجادين من دائرة الإنتاج, نتيجة فواتيره المزعجة والمدمرة.

يوم الخميس الماضى كان الموعد فى الرقابة الإدارية لحضور ختام البرنامج التدريبى الرابع لتعزيز القدرات القيادية للمتميزين فى القطاعين العام والخاص فى كل المجالات الإنتاجية والخدمية والإعلامية وأعضاء من هيئات التدريس وموظفى الدولة.

لقد كنا نسمع ونشاهد دائما دور الرقابة الإدارية فى مطاردة الفاسدين بكل المواقع، صغيرهم وكبيرهم، ودائما يقوم رجال الرقابة الإدارية بتسجيل نجاحات ضخمة ومؤثرة فى هذا المجال، غير أن التوجه الجديد للرقابة، إلى جانب مكافحة الفساد، هو الدخول فى تأهيل وحماية الكوادر من فيروس الفساد، أو بمعنى أدق اللجوء إلى مبدأ «الوقاية خير من العلاج»، فالوقاية لا تقل أهمية عن العلاج، لأنها أقل تكلفة من تكاليف العلاج المزعجة، ومن هنا تأتى أهمية تلك البرامج التى تبناها الوزير محمد عرفان رئيس هيئة الرقابة الإدارية، فى إطار المفهوم الأشمل فى مكافحة الفساد.

شاهدت خلال حفل التخرج قيادات من القطاع المصرى العام والخاص والاستثماري، ومن الشركات والمؤسسات الخاصة والعامة، وكذلك قيادات من الوزارات المختلفة، وأعضاء فى هيئات التدريس بالجامعات الحكومية والخاصة والأجنبية، وقيادات بشركات عاملة فى مجالات الزراعة والسياحة والملابس الجاهزة والصناعات الهندسية والسيارات ومختلف المجالات الأخرى.

علمت أنهم خضعوا لبرنامج تدريبى مكثف امتد إلى 8 ساعات يوميا لمدة 40 ساعة هى عدد الساعات المقررة للدورة، التى تم خلالها تدريبهم على كيفية الوقاية من الفساد وأساليب مكافحته، بالإضافة إلى محاضرات ومناقشات للتعريف باتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وإدارة الأزمات، والإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والإطار العام لموازنة الدولة، بالإضافة إلى محاضرات فى آليات القيادة وإدارة فريق العمل والانضباط الذاتى والولاء الوظيفى والتخطيط الإستراتيجى.

من جانبه، كشف الوزير محمد عرفان عن أن هذه الدورة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وإنما هى الدورة الرابعة وسوف تتبعها دورات أخرى وذلك فى إطار حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على تبنى إستراتيجية شاملة لمكافحة الفساد والوقاية منه، من منطلق الإصرار على نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى وإعادة بناء الدولة بعد نجاح ثورة 30 يونيو مهما تكن التحديات والظروف

تحدى مواجهة الفساد هو التحدى الأكبر الآن بعد تغلغله ووصوله إلى درجات خطيرة ومؤثرة على الاقتصاد المصرى، فالفساد لم يصل إلى «الركب» فقط بل ربما يكون قد وصل إلى «الأعناق» وتلك هى الخطورة، ومن هنا تأتى أهمية دور الرقابة الإدارية وما تقوم به من «خبطات» ناجحة ومؤثرة فى مكافحة الفساد.

صحيح أن الوضع المصرى فى مكافحة الفساد يتحسن بسرعة طبقا للتقارير الدولية فى هذا المجال لكنَّ أمامنا طريقا طويلا حتى يتم وضع الخطط والقواعد التى تجعل من مكافحة الفساد عادة يومية للعاملين فى جميع المجالات.

وللفساد أوجه متعددة، فهو غير مقصور على «الرشوة» أو السرقة المباشرة، ولكن هناك أساليب متعددة للفساد لا تقل خطورة عن الوجه المباشر للسرقة أو الرشوة وأخطرها فى تصورى الفشل والإهمال والتسيب والفهلوة، وهى الأمراض المنتشرة الآن فى كل مواقع العمل بلا استثناء، فالمدرس لا يعمل فى المدرسة المعين بها لكنه يعمل بكل جد واهتمام فى الدروس الخصوصية، والطبيب يذهب بسرعة البرق لتوقيع الحضور والانصراف فى المستشفى المعين به ليتفرغ بعد ذلك لعيادته الخاصة وللمستشفيات التى يعمل بها، والحال نفسها تنطبق على مجالات كثيرة ومتنوعة حتى لا يعتقد أحد أننا نتحدث على وجه الخصوص عن المدرسين والأطباء، فما يحدث فى المدارس والمستشفيات هو صورة طبق الأصل لكل مواقع العمل الخدمى والإنتاجى بلا استثناء، ويظل الاستثناء فرديا ناتجا عن الضمير الشخصى للفرد نفسه ودون ذلك فالكل يضع يده فى جيب الآخر ولا يريد أن يعمل وينتج ويرفض أن يكد ويتعب.

التصور الجديد الذى تتبناه الرقابة الإدارية يجب التوسع فيه داخل كل مؤسسات الدولة، بحيث تقوم كل وزارة أو هيئة بعمل برنامج داخلى لمكافحة الفساد فيها وأساليب الوقاية منه، وأتمنى لو قامت الحكومة برئاسة المهندس شريف إسماعيل بتبنى مشروع قرار يلزم كل الهيئات والمؤسسات والوزارات التابعة للدولة بتنفيذ ذلك البرنامج لكل القيادات وداخل كل القطاعات، لأن الفساد يقتل روح العمل والإنتاج، ويؤدى إلى خلل هيكلى خطير فى تلك الجهات.

الرئيس عبدالفتاح السيسى يرسل الكثير من الرسائل فى كل المناسبات، مؤكدا أنه لن يقبل بالفاسدين أو الفاشلين، ويطبق ذلك على أرض الواقع وآخر ما قام به ضد أباطرة الأراضى فى طول مصر وعرضها، مصرًّا على أن يأخذ حق الدولة، ورافضا كل أشكال النهب والفساد.

معركة الإصلاح الاقتصادى معركة ضخمة، وخطيرة تحتاج إلى جهود ضخمة لنجاحها، وتقليل الآثار الجانبية لها، والبداية تأتى من تحويل الاقتصاد المصرى من الاقتصاد «الريعى» إلى الاقتصاد الإنتاجى، وتشجيع الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية لضخ أموالهم فى تلك المجالات، وإنشاء المصانع والمزارع التى تستوعب ملايين الأيدى العاملة، وتوفير كل وسائل المساندة للمستثمرين، وحمايتهم من بعض الفاسدين فى أجهزة الدولة المختلفة الذين يريدون «الدفع مقدما» قبل الشروع فى حل أى مشكلة، فيضطر المستثمر إلى الهروب قبل أن يبدأ.

نرى الآن دولا عديدة يمكن إنهاء المشروعات الاستثمارية بها فى وقت قصير للغاية، من خلال وسائل التقدم التكنولوجى الحديث والإنترنت، فى وقت لا تزال فيه البيروقراطية تضرب بقوة فى الحالة المصرية، وتعرقل إنجاز الخطوات اللازمة لإنهاء الإجراءات المطلوبة للمشروعات.

أين الشباك الواحد؟! ولماذا حتى الآن لم يتم تفعيله؟! ولماذا المعاناة الطويلة من الإجراءات؟

نحن لا نريدها فوضى ولا بد من الالتزام بالجدية والشفافية، ولكن لا بد أيضا من إيجاد حلول عملية لمعاناة الإجراءات الطويلة والعقيمة.

إذا كنا نتحدث عن الفساد، والبيروقراطية، فإن الحضن الدافئ لتلك الآفات هو المحليات، والآن هناك وزير كفء وجاد يتولى حقيبة التنمية المحلية، وهو د. هشام الشريف، وأعتقد أن القضاء على الفساد فى المحليات سوف يكون بداية النهاية للقضاء على الفساد فى مصر كلها.

الحقيقة أن الوضع فى المحليات سيئ للغاية، والمشكلة ان المحليات ترتبط بشكل مباشر بالمواطن فى طول مصر وعرضها، فالمحافظات نموذج مصغر للدولة المصرية، من صحة وتعليم ورى وتموين وتضامن اجتماعي، وغيرها من المجالات.

المحليات تحتاج إلى ثورة حقيقية لنسف البيروقراطية بها والقضاء على الفساد الذى «يعشش» فى أركانها، والبداية من الوحدات المحلية والأحياء التى تحتاج إلى إعادة ترتيب من جديد، بحيث يستطيع المواطن التعامل معها بانسيابية، بعيدا عن الوضع السيئ الحالي، «فالداخل هناك مفقود، والخارج مولود»، كما يقولون، ولا شىء يتحرك على الإطلاق، وإن تحرك فهو تحرك السلحفاة، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هى انتشار التعديات والإشغالات، وأكوام القمامة والمخالفات من كل نوع فى جميع الوحدات المحلية والأحياء بلا استثناء

صحيح أن هناك بعض النماذج المشرقة، لكنها تظل نماذج فردية نتيجة جهد شخصى من رئيس الوحدة أو الحى أو المحافظ، وتظل الأزمة قائمة بشكل عام.

لا بد أن نعترف أن هناك جزءا من الأزمة يتعلق بالمواد والامكانات وعدم توفيرها، وأعتقد أنه لابد من معالجة ذلك الخلل بتعديل تشريعى يعطى صلاحيات للمحافظين بالقدرة على فرض الرسوم فى إطار محدد وفى حالات محددة كبداية حتى نصل فى مرحلة من المراحل إلى أن تصبح كل محافظة كيانا اقتصاديا له ميزانيته وموارده المحلية، ويستطيع أن يسهم فى الموازنة المركزية بعد أن كان عبئا عليها.

هذا الأمر يتطلب بعض الوقت، لكن فى كل الأحوال لا بد من البداية دون تأخير.

ما قامت به هيئة الرقابة الإدارية فى الفترة الماضية يفتح باب الأمل واسعا فى القضاء على الفساد مستقبلا من خلال برنامج المكافحة والوقاية، والمهم أن تستفيد كل الهيئات والوزارات والمحافظات من تلك البرامج، وتقوم بتنفيذها لكى نصل فى النهاية إلى دوران عجلة العمل والإنتاج بأقصى سرعة، لمعالجة آثار السنوات العجاف التى ضربت مصر أخيرا، لتستعيد مصر مكانها ومكانتها، رغم أنف الكارهين والمتآمرين والفاسدين فى الداخل والخارج.

الرابط

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/604130.aspx

Back to Top