ماذا بعد مريم وياسين؟
بقلم: عبدالمحسن سلامة
أن يجلس الرئيس عبدالفتاح السيسي بين مريم الأولى علي الثانوية العامة وياسين متحدى الإعاقة فى افتتاح مؤتمر الشباب بالإسكندرية في الأسبوع الماضي فهذا لابد أن يكون له مغزاه ودلالاته المستمرة.
لا يمكن أن يتعلق هذا الأمر بافتتاح المؤتمر وأن يمر مرور الكرام فالرئيس حينما فعل ذلك فهو يريد إرسال رسالة قوية لكل المجتمع بأن هذا منهجه، وتلك طريقته، وأن عصر الفهلوة قد انتهى، وأنه لابد أن تكون هناك آليات جديدة في التعامل مع مختلف القضايا بمنطق الإصرار والتحدى، والرغبة فى النجاح مهما تكن الصعاب.
عشنا فترات طويلة اختلط فيها الحابل بالنابل، كما يقولون وبعد أن كان التعليم والعمل هما وسيلتا الحراك الاجتماعي والترقى فى المجتمع، تحول الأمر وتغير إلى الفهلوة وتوريث الوظائف حتى كادت أن تختفى الكفاءات، وأصاب الإحباط الشباب، وضرب اليأس حلمهم في مقتل.
الشباب لا يريد أن يكون رئيسا أو وزيرا، رغم أن هذا حقهم المشروع ـ لكنهم يريدون حقهم فى العمل والنجاح والإحساس بالذات في وطنهم، وأن يجد كل شاب أو فتاة فرصته الحقيقية بعيدا عن الواسطة والتوريث.
ياسين شاب معجزة بكل معني الكلمة أعطى لكل المصريين طاقة إيجابية قوية حينما شاهدناه داخل المؤتمر يجوب المحافظات في الفيلم التسجيلى ثم كانت المفاجأة دخوله إلى القاعة، واحتضان الرئيس له وجلوسه إلى جواره.
لم يستسلم ياسين لبتر ساقه، وتلك هى الروح التى لابد أن تنتشر بين كل أفراد المجتمع، وأصر على مواجهة إعاقته بالعمل والنشاط، ليخطف قلوب المصريين والعالم فى مؤتمر الشباب بعد أن نجح فى أن يجوب العديد من المحافظات رغم إعاقته ليشارك المواطنين همومهم وأحلامهم وتمنياتهم.
قمة الإيثار والتحدى فى آن واحد فهذا البطل أرسل عدة رسائل قوية، فهو لم يطلب شيئا لنفسه رغم أنه يستحق ـ لكنه ذهب يساعد الآخرين، ويبث فيهم طاقة من الأمل، وينقل همومهم ومشكلاتهم إلى المسئولين.
أما مريم فتلك قصة أخرى فهى الزهرة البريئة المجتهدة ابنة الأسرة البسيطة، ورغم كل ظروفها الصعبة فقد نجحت فى أن تكون الأولى على الثانوية العامة، وأن تضىء مصباحا قويا لكل الشباب والفتيات معلنة أنه لا للأعذار حتى لو كان هناك ما يبررها.
للأسف الأجيال الجديدة قد تربت على الدروس الخصوصية، والاستسهال، ولم يكتفوا بذلك بل تفننوا فى أساليب الغش وتسريب الامتحانات، لأن البعض منهم يريد النجاح بلا مجهود وتلك هى الكارثة.
مريم قلبت الطاولة، ونجحت فى التفوق والتغلب على كل الصعاب لتعيدنا إلى أمجاد التعليم لأجيال عديدة حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضى.
كان التعليم هو وسيلة الحراك الاجتماعى الأساسية، وكان الأوائل دائما يجدون كل الترحاب فى أماكن العمل وفى الجامعات وكل المؤسسات، حتى انقلبت الآية وتحول التعليم إلى مجرد شهادة، وتدهورت أوضاع التعليم بشدة وساء حال الخريجين، وانهارت المدرسة إلى أدنى مستوى.
الآن يريد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يعيد الأمور إلى مسارها الطبيعى، فكانت دعوته لمريم لتجلس إلى يمينه وياسين يجلس إلى يساره، فهذه هى مصر الجديدة التى لابد أن تنهض بسرعة لتستعيد مكانها ومكانتها ولن يكون ذلك إلا بالعلم والعمل وعودة الانضباط والتعليم إلى داخل المدارس.
مصر تحتاج إلى ثورة تعليمية هائلة من أجل إتاحة التعليم للجميع، وجودة عالية ودون تمييز وفى إطار نظام مؤسسى كفء وعادل يساعد فى بناء شخصية الطالب وبناء مصر المستقبل.
هذا النظام لابد أن يكون محكوما بضوابط تنهى مخاوف أولياء الأمور من تحكم المدرسين فى درجات الطلاب بما يعنى أن يضمن النظام الجديد عدم تدخل العنصر البشرى.
من هنا تدخل الرئيس بعد أن عرض د. طارق شوقى رؤية الحكومة لتطوير التعليم مطالبا بضرورة ضمان العدالة والشفافية، وأن يظل نظام التنسيق كما هو حتى يتم توفير البديل الآمن والمطمئن لكل الطلاب وأولياء الأمور.
الرئيس يريد ونحن معه ــ أن يكون هناك نظام تعليمى يفرز ملايين مريم وياسين، فلن تتقدم مصر إلا بتقدم نظامها التعليمى، فما يحدث من فوضى وانفلات فى الشارع الآن ما هو إلا نتاج نظام تعليمى فاشل أشاع الفهلوة، وثقافة الغش، ورسخ مفهوم عدم العمل، لأن المدرس وهو «القدوة» لا يعمل داخل الفصل، وكل همه هو كيفية تجميع أكبر قدر من التلاميذ لكى يقوم بالتدريس لهم خارج المدرسة.
تحولت المدرسة إلى فوضى، فتحول الشارع إلى فوضى فالشارع هو مرآة المدرسة، وإذا انضبطت المدرسة وعادت إلى مسيرتها الأولى فسوف تنتقل العدوى إلى الشارع بالضرورة.
لا بديل عن تطوير التعليم وقبل التطوير لابد أن يعود الانضباط إلى المدارس، وتعود الدراسة إلى الفصول بكل قوة مثلما كانت من قبل.
عودة الدراسة إلى الفصول تعنى أشياء كثيرة، من بينها ترسيخ ثقافة العمل بين التلاميذ، فهاهم يرون مدرسهم وهو يجتهد فى عمله ويبذل أقصى جهده فيه، بعكس الصورة الحالية التى تسهم فى ترسيخ مفهوم «اللا عمل» و«الابتزاز» فى عقول التلاميذ منذ نشأتهم الأولى.
الحكومة كانت حاضرة وبقوة فى مؤتمر الشباب، وأعتقد أن طرح رؤية 0302، وإصرار الرئيس على الاستمرار فى تلك الرؤية يعنى عودة دولة المؤسسات فى مصر، وأن القصة لم تعد تتعلق بوجود وزير أو مسئول معين، وإنما هناك رؤية واستراتيجية ملزمة للحكومة أيا كان اسم المسئول أو الوزير.
الدول التى سبقتنا إلى التقدم فعلت ذلك ونجحت فيه، فكل مسئول يكمل جهد سلفه ويقوم بتطويره واستكماله وليس هدمه والعودة إلى نقطة الصفر.
رؤية 2030 لا تعنى القفز إلى المستقبل وإهمال الحاضر فهذا قصور فى فهم من يعتقد ذلك أو يروج له، لأن الحاضر هو الذى يقودنا إلى المستقبل، وإنما الأمر كله يتعلق باستراتيجية تتضمن تواصل العمل والإنجاز بعيدا عن الأشخاص، رغم أهمية دور الشخص وعدم التقليل منه.
كانت د. هالة السعيد وزيرة التخطيط واضحة ومباشرة حينما أكدت أن رؤية 2030 لا ترتبط بوزير أو وزارة ولا حكومة، ولكنها رؤية دولة وشعب، وأنها طريق طويل بمحطات مختلفة، مؤكدة أن كل الدول المتقدمة كان لديها رؤية لتصل إلى ما هى عليه الآن، مثل جنوب إفريقيا التى نجحت فى هذا المجال، وبولندا، وسنغافورة والأخيرة أصبحت الآن «جنة آسيا» بعد أن كانت أسوأها.
لقد نجح مؤتمر الشباب فى دورته الأخيرة فى تحقيق العديد من الاهداف لعل أبرزها:
أولا: اقتراب الرئيس بشدة من كل أطياف المجتمع، فقد أثبت الرئيس مرارا وتكرارا أنه رئيس الجميع، وقريب من الجميع، وأن التمييز لأصحاب الكفاءات والمواهب فقط.
ثانيا: تحول المؤتمر إلى جلسة حساب ومكاشفة للحكومة لتقدم كشف حسابها ورؤيتها المستقبلية، بما يضمن حيوية الحكومة المستمرة، وإعادة تقييمها بشكل دورى، ليكون التغيير قائما على معايير محددة وواضحة تتعلق بمدى القدرة على تحقيق الأهداف لكل مسئول.
ثالثا: تحولت جلسة «اسأل الرئيس» إلى جلسة مصارحة دون خطوط حمراء تنقل نبض الشارع الحقيقى بما فيه ليجيب الرئيس ببساطة ووضوح، ونجح الرئيس فى الإجابة على أصعب الأسئلة بروح المداعبة وفى الوقت نفسه بعرض الحقائق دون تزييف.
رابعا: كانت جلسة الختام ناجحة بكل المقاييس حينما قام الرئيس بتكريم النماذج المشرفة فى مختلف المجالات بدءا من نور الشربينى البطلة الرياضية، ومرورا بـ آية مسعود الطالبة التى تغلبت على إعاقتها ونزل إليها الرئيس ليكرمها، وانتهاء بالعالم الشاب عبدالله سعيد حسن، ومصممة الديكور شيماء أبوالخير، وبيتر المخترع الصغير، والصيدلانية د. رشا الشرقاوى.
تكريم هؤلاء إلى جوار تكريم ياسين الزغبي، ومريم فتح الباب كرس مفهوم الدولة الجديد فى الانحياز إلى العلم والعمل، وأتمنى أن يصبح هذا التقليد مستمرا فى المؤتمرات المقبلة حتى تتحول مصر إلى خلية للعمل والإنتاج والابتكارات والنجاحات المختلفة.
أخيرا أتفق مع ماقاله الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ختام المؤتمر «بات الأمل فى تحقيق الحلم أقوى وأقرب مما نتصور من أجل تحقيق الحياة التى نستحقها وتليق بنا فى المستقبل مهما تكن التحديات».
الرابط
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/606206.aspx