الخيارات الممكنة بين مصر والصين
بقلم: عبدالمحسن سلامة
اليوم تبدأ قمة البريكس فى مدينة شيامين بجنوب شرق الصين وهى المجموعة التى تضم كلا من: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وقد حرص الرئيس الصينى على توجيه الدعوة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى لحضور القمة تأكيدا لأهمية الدور المصرى بقيادة الرئيس السيسى وتقديرا لمكانة مصر، وما تقوم به من خطوات جادة فى مجال الإصلاح الاقتصادي، تجعلها مرشحة وبقوة أن تكون قوة اقتصادية واعدة خلال الفترة المقبلة.
العلاقات المصرية ــ الصينية تسير فى طريقها الصحيح حيث وصلت إلى مستويات لم تصل إليها من قبل على مدى ستين عاما من عمر العلاقات المصرية ـ الصينية، وتأتى دعوة مصر لحضور القمة اعترافا من دول المجموعة بأهمية الإصلاحات التى يشهدها الاقتصاد المصرى حاليا فى مختلف المجالات.
الصين تجربة فريدة ومتميزة لابد من الوقوف أمامها طويلا والاستفادة من تجربتها التى تؤكد أنه لا يوجد مستحيل، فإذا كان هناك مستحيل، فالمستحيل فعلا هو ما حدث فى الصين، الدولة التى كانت مريضة ومتخلفة إلى أقصى درجة، وكانت نسبة الأمية بها تصل إلى 08%، إلا أنها الآن هى ثانى أكبر اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة بعد أن تخطت وسبقت اليابان ودولا أخرى عديدة.
يبلغ عدد سكان الصين مليارا و373 مليون نسمة تقريبا طبقا لإحصاء العام الماضي، أى نحو 57٫81% من اجمالى عدد سكان العالم، لكنها تبنت سياسة سكانية صارمة أدت إلى تخفيض نسبة النمو السكانى لتصل إلي34.0 % لتحتل المرتبة 461 فى نسبة النمو السكانى فى العالم بعد أن تبنت سياسة الطفل الواحد لأكثر من ثلاثة عقود حتى ألغت الحكومة الصينية هذه السياسة وسمحت للعائلات بإنجاب طفل ثان اعتبارا من يناير فى العام الماضي، ويوجد بالصين ما يقرب من 65 مجموعة عرقية ينتمون إلى العديد من الديانات السماوية وغير السماوية بالإضافة إلى نسبة كبيرة من اللا دينيين
كل هذه المستحيلات استطاعت الصين أن تقفز عليها، وتطوعها وتتغلب عليها لتتحول إلى عملاق اقتصادى ضخم يكاد يهيمن على العالم إذا سار بنفس معدلات النمو الحالية التى تتخطى الـ 3،7% سنويا والتى تعتبر من أعلى معدلات النمو العالمية.
كانت الصين تعانى الجهل والتخلف، والفقر الشديد حيث بلغ عدد الفقراء هناك الذين يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا نحو 436مليون نسمة عام 1891، لكن الأعداد انخفضت بعد ذلك بنسبة كبيرة لتصل إلى أقل من 54 مليون نسمة حاليا تتعهد الحكومة الصينية بأن تستأصل شأفة الفقر إلى غير رجعة لتصل إلى نقطة الصفر عام 0202 خاصة فى المناطق الريفية.
معجزة حقيقية شهدتها الصين مؤخرا بدأت فى عام 8791 حينما أعلن الزعيم الصينى السابق «دينج شياو بينج» انفتاح الصين على العالم، وليبدأ مسيرة اصلاح اقتصادى صعبة ومعقدة لكنها نجحت فى إنقاذ العملاق الصينى وتحويله إلى أكبر دولة تجارية، وأكبر مصدر فى العالم، وثانى أكبر مستورد.
كان التركيز الصينى على تطوير البنية التحتية وقامت الحكومة الصينية بإنفاق أكثر من تريليون دولار فى مجالات إنشاء الطرق وادخال المياه والكهرباء والتليفونات وغيرها من مجالات البنية الأساسية إلى أكثر من 89% من مناطق الصين جعل تلك المناطق جاذبة أمام المستثمرين وساعد على إنشاء عدد ضخم من المشروعات وتوفير الوظائف وفرص العمل.
إلى جانب ذلك قامت الحكومة الصينية بإنشاء العديد من الشركات الحكومية فى جميع المجالات تمتلك أكثر من نصف الاقتصاد الصينى وبالذات فى مجالات الصناعات الثقيلة، والصناعات التى يعزف عنها القطاع الخاص، وبهدف إنقاذ السوق من الخبطات المفاجئة.
الأهم من ذلك هو التصدى الحاسم للحكومة الصينية للفساد، وهو ما يعرف بالطريقة الصينية لمكافحة الفساد والتى تصل فيها الأحكام إلى عقوبة الإعدام فى حالة ثبوت ارتكاب جريمة الفساد.
ساند ذلك بنية تشريعية قوية، لحماية حقوق العمل والموظفين، وفى الوقت نفسه، تشجيع الاستثمارات وتسهيل التصدير.
تجربة صينية رائعة تستحق الوقوف أمامها والاستفادة منها، فالواقع كان شديد الصعوبة والتعقيد، ورغم ذلك استطاعت الصين أن تقفر على هذا الواقع المستحيل، وجعلت منه أمرا ممكنا، وتحولت إلى عملاق اقتصادى ضخم يهدد مكانة أمريكا الاقتصادية الآن بعد أن ازاحت الكثير من القوى من أمامها لتتقدمهم فى المجالات المختلفة،
أكثر المتفائلين لم يكن يحلم بما وصلت إليه الصين الآن، لكنها بالإرادة ووضوح الرؤية وتحديد الهدف جعلت من المستحيل ممكنا، ومن الأحلام حقيقة واقعة.
مصر الآن تسير فى طريق الإصلاح بخطى ثابتة، وهى خطوات مؤلمة وصعبة، لكنها كانت ضرورية لإنقاذ الاقتصاد المصرى من الانهيار والإفلاس.
وأعتقد أن أبرز النقاط المبشرة فى تجربة الإصلاح الاقتصادى المصرى مايلي:
أولا: البداية كانت من الإصلاح المالى وتعويم الجنيه رغم كل الاثار السلبية، فقد كان قرارا ضروريا وحيويا لينتهى دعم العملة، ودعم كبار المستوردين على حساب الاقتصاد الوطني، ويبقى فقط ضرورة أن تعالج الحكومة ببرامج واضحة الآثار السلبية لهذا القرار بعيدا عن «التجاهل والطناش».
ثانيا: التركيز فى مشروعات البنية التحتية وإنشاء شبكة الطرق العملاقة التى تعتبر أكبر الانجازات الحالية لأنها سوف تفتح الباب أمام التوسع فى المناطق الجاذبة للاستثمار فى جميع انحاء الجمهورية وهو مايحدث حاليا فى العاصمة الإدارية الجديدة، وجبل الحلال، والعلمين الجديدة، والواحات وغيرها من المناطق الجديدة التى بدأت تنتشر وتتوسع، وتستقبل الاستثمارات المحلية والأجنبية فى المجالات الصناعية والزراعية المختلفة.
ثالثا: الاصرار على مكافحة الفساد كأسلوب حياة الآن لا فرق فى ذلك بين مسئول كبير أو موظف صغير، حيث تقوم الرقابة الإدارية والأجهزة الرقابية الأخري، بخبطات قوية ومؤثرة ضد أركان الفساد، مهما كانت قوة المفسدين أو مواقعهم التى يتمترسون خلفها.
رابعا: إصدار بنية تشريعية تسهم فى جذب الاستثمار مثلما حدث فى قانون الاستثمار الأخير، وإصدار لائحته التنفيذية مما يفتح الأبواب على مصاريعها للاستثمار الأجنبى والمحلي، ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد المصرى تدفقات استثمارية كبيرة خلال المرحلة المقبلة تسهم فى ارتفاع معدلات النمو والحد من البطالة.
نحتاج إلى الاستفادة من التجربة الصينية فى التصنيع حتى يتحول الاقتصاد المصرى من الاقتصاد الريعى إلى الاقتصاد الإنتاجي، ولابد من السعى وبكل قوة إلى تبنى استراتيجية لتوطين الصناعة فى مصر لكل أنواع الصناعات برؤية واضحة واستراتيجية تستهدف أن تتحول مصر إلى صين العرب وافريقيا خلال المرحلة المقبلة.
هذا البعد ليس واضحاً حتى الآن أمام الحكومة ووزارة الصناعة ، ولابد ان تكون هناك أجندة واضحة فى هذا الإطار تعتمد على فتح المصانع المغلقة، وغرس المصانع الجديدة وإقامة المناطق الصناعية فى كل المدن والمناطق الجديدة.
ليس عيباً ان تدخل الحكومة طرفاً فى هذا المجال وخاصة فى مجالات الصناعات الثقيلة وتلك الصناعات غير الجاذبة للقطاع الخاص، كما فعلت وتفعل الصين حتى الآن، ولابد من إعادة افتتاح مصانع السيارات الحكومية المعطلة، ومصانع الحديد والصلب، وإنشاء مصانع أخرى جديدة فى مختلف المجالات حتى يتعافى القطاع الخاص المصرى ويصبح قادراً على الصمود والمنافسة.
نفس الحال ينطبق على الزراعة، ووضع خطة محكمة للتوسع فى مناطق الاستصلاح الزراعي، والحفاظ على الرقعة الزراعية الحالية من الضياع، وتطوير شبكة الرى وتحويله من رى بالغمر إلى رى حديث بالتنقيط أو الرش لتعظيم الاستفادة من حصة مصر المائية في» مضاعفة الرقعة الزراعية.
الطريق طويل والمشوار صعب لكن ليس مستحيلاً والصين خير دليل، وخاصة أن العلاقات المصرية ــ الصينية فى أفضل أحوالها الآن، والمهم أن نستفيد نحن من التجربة ونأخذ منها ما نريد حسب ظروفنا.
أتمنى أن تتسع مجموعة البريكس لتنضم إليها مصر لتصبح الدولة السادسة إلى جوار الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب افريقيا وأعتقد أن مصر فى طريقها لذلك بعد أن تحركت عجلة الإصلاح إلى الامام .
الرابط
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/611672.aspx