السيسى فى مهمة خاصة بين شيامن وهانوى

بقلم : عبدالمحسن سلامة

السيسى هو أول رئيس عربى يحضر تجمع «بريكس» فى شيامن، وهو أول رئيس مصرى يزور هانوي، وما بين شيامن وهانوى الكثير من المفردات المشتركة والتجارب الناجحة.

فى شيامن كانت مرحلة جديدة من مراحل تتويج العلاقات المصرية ـ الصينية التى وصلت الآن إلى مستوى غير مسبوق من التقارب والحميمية التى ظهرت بوادرها فى المباحثات الثنائية بين الرئيسين المصرى والصينى التى عقدت على هامش اجتماعات قمة «بريكس»، حيث رحب الرئيس الصينى شى جين بينج بالرئيس عبد الفتاح السيسى ترحيبا حارا فى زيارته الرابعة للصين، مؤكدا حرص الصين على تعزيز علاقات الشراكة الإستراتيجية مع مصر، وأشاد الرئيس الصينى بالنتائج الإيجابية والملموسة للجهود التى بذلتها مصر خلال الفترة الماضية لاستعادة الاستقرار ودفع عجلة التنمية، مؤكدا دعم بلاده تلك الجهود وحرصها على تطوير العلاقات مع مصر فى مختلف المجالات، على اعتبار أن مصر بالنسبة للصين من أهم الدول العربية والإفريقية والإسلامية.

تأكيد العلاقات الحميمية المصرية ـ الصينية كان محور اللقاء الثنائي، وقد تمت ترجمة ذلك إلى توقيع العديد من الاتفاقيات بين الجانبين، من بينها اتفاقية للتعاون الأمنى بين وزارة الداخلية المصرية ووزارة الأمن العام الصينية، وأخرى للتعاون الفنى والاقتصادي، عبارة عن منحة صينية قدرها 300 مليون يوان صيني، لتنفيذ مشروع القمر الصناعى «مصر سات 2»، وثالثة بين وزارة الاستثمار والتعاون الدولى ووزارة التجارة الصينية، لتنفيذ مشروع القطار الكهربائى بين بعض المدن الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة.

وفى أثناء قمة «بريكس» التقيت بعض رجال الأعمال المصريين الذين شاركوا فى منتدى رجال الأعمال المصرى ـ الصينى الذى انعقد على هامش القمة، وأشاروا إلى أن مشاركتهم هذه المرة مختلفة تماما، حيث تسير العلاقات المصرية ـ الصينية بخطوات سريعة، وأنهم يلمسون تميز العلاقات الثنائية، وأن الصين تفتح ذراعيها الآن لكل ما هو مصرى، وعلى الجانب المقابل؛ فإن الحكومة المصرية تضع خطة للاستفادة من التجربة الصينية فى جميع المجالات بشكل جديد ومختلف قائم على توطين التكنولوجيا والتصنيع بعيدا عن فوضى الاستيراد

اللافت للانتباه فى الصين هو شبكة البنية التحتية الرهيبة التى أقامتها الحكومة الصينية فى الطرق والكبارى والمطارات، مما أسهم فى توزيع الاستثمارات وتنويعها، وهو ما تقوم به مصر الآن من إنشاء شبكة طرق عملاقة، ومطارات جديدة، والتوسع فى إقامة العديد من المدن الجديدة، بالإضافة إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

الجانب الصينى ينظر إلى هذه الخطوات بإعجاب شديد، لأنها تمثل البداية الضرورية واللازمة للتوسع فى الاستثمارات، وجذب المستثمرين الأجانب، فلا مشروعات دون بنية تحتية مؤهلة لإقامتها.

فى الصين كل شىء محسوب بدقة، وكل فرد يقوم بدوره المنوط به على أكمل وجه، وهم يسيرون كالساعة المنضبطة، والدولة هناك أكثر تقدما من الأفراد، على الرغم من أن الفرد هو الذى صنع التقدم، لكن دور الدولة هو تنظيم تلك الجهود وتوظيفها، وهذا الدور هو الذى صنع الفارق، فلا شىء هناك مستوردا إلا القليل، حتى اللغة؛ فهم لا يتقنون إلا الصينية، أما باقى اللغات فهذا هو الاستثناء، رغم الاهتمام الذى ظهر أخيرا بدراسة اللغات الأخرى، ومنها الإنجليزية والعربية.

أما شبكة الإنترنت فهى محلية أيضا، حيث لم يسمح بشبكة المعلومات الدولية إلا خلال أيام المؤتمر فقط عن طريق كارت خاص مدته 6 أيام، وفور انتهاء أعمال المؤتمر فقد صلاحيته، وعادت شبكة الإنترنت المحلية تتسيد الموقف كما كانت.

فى الصين الشعب «يعمل» ولا «يتبرم»، ويقوم بكل الأعمال بكل دقة، فالسيدة هناك مثلا سائقة تاكسى وأتوبيس، وتعمل فى «الفلاحة» والنظافة والحراسة والأمن. كما أنها تعمل فى كل الأعمال الراقية والمتقدمة، كما الرجل تماما الذى يقوم بكل الأعمال بكل دقة وتفان، فالشعار الدائم هناك هو «العمل أولا وأخيرا»، بغض النظر عن نوعية العمل وطبيعته، فالمهم هو العمل والإجادة.

 

هذا الشعار جعل المستحيل ممكنا، وجعل من الصين دولة عصرية متقدمة تسعى حثيثا لأن تتبوأ المركز الأول فى اقتصادات العالم خلال المرحلة المقبلة، لتزيح أمريكا التى احتلت الصدارة عقودا طويلة، بعدما استطاعت أن تحتل المركز الثانى الآن، وأزاحت دولا كثيرة عملاقة كاليابان وألمانيا وروسيا.

مهمة الرئيس فى «شيامن» هذه المرة كانت مهمة خاصة، لأنه أول رئيس عربى يشارك فى قمة «بريكس»، ولأن «بريكس» الآن يمثل تجمعا اقتصاديا واعدا سوف يكون له دور مؤثر وقوى فى منظومة الاقتصاد العالمى. كما أن مصر الآن مؤهلة للانضمام لهذا التجمع المهم اقتصاديا بحكم أنها من الاقتصادات الناشئة الواعدة التى نجحت فى أن تسير بخطوات واثقة فى برنامج الإصلاح الاقتصادى، وصوبت العديد من السياسات الاقتصادية خلال المرحلة الماضية، خاصة ما يتعلق بشبكة الحماية الاجتماعية، وتطوير قوانين الاستثمار، لتتمكن الشركات من إصدار التراخيص لأول مرة خلال 7 أيام على أكثر تقدير.

مصر تسعى إلى زيادة الاستثمارات الصينية فى مصر ونقل التكنولوجيا الصينية، والاستفادة من الخبرة الصينية المتميزة فى مختلف المجالات، وكذلك الحصول على نصيب عادل من الاستثمارات الصينية المتوقعة فى إفريقيا التى تصل إلى 60 مليار دولار خلال الفترة المقبلة.

مصر لديها الكثير من الفرص الواعدة، خاصة فى منطقة محور قناة السويس، والمدن الجديدة الجارى إنشاؤها.

لم يكد المؤتمر ينهى أعماله مساء الثلاثاء حتى استيقظ الرئيس مبكرا صباح الأربعاء ليتوجه إلى هانوى العاصمة الفيتنامية التى تبعد نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة عن شيامن، والتى وصل إليها الرئيس مبكرا ليبدأ أول زيارة من رئيس مصرى إلى فيتنام، ويعقد القمة الثانية مع نظيره الفيتنامى تران داى كوانج، بعد القمة الأولى التى عقدت بينهما على هامش مشاركتهما فى احتفالات روسيا بالذكرى السبعين للانتصار على ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

فيتنام هى الأخرى نموذج للنجاح المستحيل، حيث خرجت منهكة القوى بعد الحرب الفيتنامية الشهيرة التى تحررت بها من الاحتلال الأمريكى والتى أكلت الأخضر واليابس، بعد أن أخذت بعدا كونيا، حيث كانت فيها الدول الشيوعية ودول عدم الانحياز تقف إلى جانب جبهة التحرير الفيتنامية، فى حين كانت أمريكا والغرب والقوى الرأسمالية تخوض الحرب هناك، وانتهت بهزيمة أمريكا فى المستنقع الفيتنامى وخروجها منكسرة.

 

تعرض الشعب الفيتنامى لحرب وحشية حتى خرج منتصرا، ثم بدأ يتجه نحو التنمية والاستقرار، وفى غضون سنوات لا تتجاوز أربعة عقود استطاعت فيتنام تقديم قصة نجاح رائعة، كما وصفها الرئيس السيسى فى كلمته أمام منتدى الأعمال المصرى ـ الفيتنامى، حيث أشار إلى أن «تجربة فيتنام التنموية» تمثل قصة نجاح، ونموذجا اقتصاديا متميزا، يقوم على تعظيم دور المعرفة والإبداع التكنولوجى، معتمدة فى ذلك على خطط دقيقة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فكان التحول الاقتصادى المنضبط والعدالة الاجتماعية، هما السمتين البارزتين للنمو المضطرد الذى حققته فيتنام.

مصر واجهت خلال الفترة الماضية ظروفا مشابهة لما واجهته فيتنام، حيث تعرضت لأزمات اقتصادية عاتية، وانهارت السياحة والاستثمارات، وضربت الفوضى كل مناحى الحياة، وهى الآن فى طريقها للتعافى من محنتها من خلال خطة إصلاح اقتصادى مواكبة لخطة حماية اجتماعية تهدف إلى الاستفادة من التجارب العالمية فى هذا الشأن، بما يؤدى فى النهاية إلى تصحيح المسار الاقتصادى، وإقامة كيان اقتصادى قوى قادر على مواجهة كل الظروف والتحديات.

ما بين مصر وفيتنام العديد من الظروف المشابهة، ومصر الآن من أعلى الدول فى عائدات الاستثمار، وهى فرصة لزيادة حجم الاستثمارات الفيتنامية فى مصر، فى ظل التقارب المصرى ـ الفيتنامى أخيرا الذى تم تتويجه بأول زيارة من رئيس مصرى إليها.

هى رحلة شاقة ومرهقة من الصين إلى فيتنام، لكنها كانت ضرورية للاستفادة من خبرات الدول المشاركة فى قمة «بريكس»، وكذلك الاستفادة من التجربة الفيتنامية، بالإضافة إلى تسويق الاقتصاد المصرى الواعد الذى من المتوقع أن يشهد طفرة هائلة خلال الفترة القليلة المقبلة.

 

 

 

بوتين وعودة رحلات الطيران

على هامش اجتماعات قمة «بريكس»، التقى الرئيس عبدالفتاح السيسى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وناقش معه العلاقات الثنائية، ودعاه للاحتفال المتوقع إقامته قريبا لتدشين إنشاء محطة الضبعة النووية، بعد أن وافقت الحكومة المصرية، برئاسة المهندس شريف إسماعيل، خلال الأسبوع الماضى، على العقد الرئيسى للمحطة.

على الجانب المقابل، أعلن وزير النقل الروسى أن شركات الطيران الروسية قد تستأنف رحلاتها الجوية إلى مصر فى غضون شهر، عقب توقيع المرسوم الخاص بهذا الشأن، وذلك بعد أن أشاد الرئيس الروسى بما اتخذته مصر من إجراءات، خلال اللقاء الثنائى مع الرئيس عبد الفتاح السيسى فى قمة «بريكس».

المصريون ينتظرون ترجمة سريعة لذلك، وعودة رحلات الطيران إلى معدلاتها السابقة، ليكون ذلك ترجمة حقيقية لعمق العلاقات المصرية ـ الروسية التى تسير بخطى سريعة نحو مستوى العلاقات الإستراتيجية بين الدولتين.. فمتى يصدر القرار؟!.

الرابط

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/612695.aspx

Back to Top