مفاجأة السيسى فى ذكرى نصر أكتوبر
بقلم: عبدالمحسن سلامة
الأمر المؤكد أن احتفالات مصر هذا العام بالذكرى 44 لنصر أكتوبر لم تكن احتفالات عادية، ورغم أهمية نصر أكتوبر كملحمة تاريخية فى حد ذاتها، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى أصر على أن يفجر مفاجأة ضخمة هذا العام لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بحرب أكتوبر المجيدة.
كل الدلائل ومنذ اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت تشير بوضوح إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يقوم بجهد ضخم وخطير فى الملف الفلسطيني، واتضح هذا حينما خرج الرئيس عن النص فى الكلمة التى ألقاها أمام الجمعية العامة ليوجه حديثه إلى الإدارة الأمريكية ورئيسها ترامب، والشعب الفلسطينى وقياداته، والشعب الإسرائيلى وقادته.
كانت مصر تعمل فى صمت وبلا ضجيج لإنهاء النزاع والصراع الفلسطينى الفلسطينى الذى شوَّه القضية، وأهال عليها ترابا كثيفا، فلا يمكن لشعب يبحث عن الحرية والاستقلال أن يغوص فى وحل الصراع الداخلي، والانقسام بين إدارتين، ورئيسين، وسلطتين، فهذا هو قمة العبث، ولا يمكن لأى عاقل أن يبحث فى الأفق عن حل طالما استمر هذا الحال البائس للشعب الفلسطينى المنقسم بين الضفـة وغزة وبين إدارتين تتصــارعان على السلطــة.
صور السيسى و ابو مازن انتشرت فى قطاع غزة اعلانا ببدء مرحلة جديدة من المصالحة الفلسطينية و تقديرا لدور الرئيس السيسى فى اتمام المصالحة
استغلت إسرائيل هذا الوضع غير المسبوق فى القضية الفلسطينية وبدأت تروج لمقولة إنها تبحث عن شريك، وبالفعل كان ذلك «قول حق يراد به باطل» ، فإسرائيل لا تريد السلام ولا تعمل من أجله، لكنها وجدت ذريعة قوية للتملص من كل التزامات السلام أمام المجتمع الدولى بحجة أنها لا تجد شريكا بعد أن احتدم الصراع بين الفصائل الفلسطينية واشتد، وأصبح كل منهم ينكر الآخر ويرفض الاعتراف به، ويرفض كل اتفاقاته ومعاهداته.
لم يكن من المتخيل أن ترى مصر تلك الصورة القاتمة للقضية الفلسطينية، وتكتفى بموقف المتفرج، خاصة أن هناك أطرافا عديدة دخلت على الخط تذكى نيران الصراع والانقسام بين الشعب الفلسطينى.
فى غياب مصر القوية قد يكون هذا مقبولا، لكن مع عودة مصر القوية الآن، مصر نصر أكتوبر، مصر 30 يونيو، وانحسار السنوات العجاف، كان لابد أن يعود الملف إلى مصر، وأن تقوم مصر بدورها التاريخى فى هذا الإطار، فكانت الجهود الرهيبة التى قامت بها المخابرات المصرية والخارجية المصرية لعودة الملف إلى مساره الطبيعي، وإنهاء حالة الانقسام والتشرذم على الساحة الفلسطينية.
كانت الرسائل واضحة من الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن هناك شيئا ما يتم إنجازه، ولم يعد سوى الإعلان عنه فى توقيته السليم.
لحسن الحظ أن الموعد تصادف مع قدوم شهر أكتوبر ومصر تحتفل بالذكرى 44 لنصر أكتوبر المجيد، تلك الذكرى التى تحمل الكثير والكثير للشعب المصرى خاصة، وللأمة العربية كلها بشكل عام.
فى أكتوبر 1973 استطاع الجيش المصرى أن يعيد الكرامة والعزة لمصر وللأمة العربية بعد كسر شوكة العدو الإسرائيلى، وحقق انتصارا كاسحا على الجيش الإسرائيلى بشهادة كل خبراء العسكرية فى العالم، بل إن قدرة الجيش المصرى كانت صادمة للكثيرين من الخبراء العسكريين لأنها فاقت توقعاتهم على الأرض بكثير، وذلك بفضل الجندى المصرى البطل الذى أصر على استعادة كرامته وعزته بعد هزيمة 1967.
القضية الفلسطينية كانت ولاتزال وراء حروب المنطقة كلها، فالبداية كانت بحرب 1948، حينما قامت دولة إسرائيل بعد تلك الحرب والتى كانت سببا رئيسيا فى زلزال الثورات التى اجتاحت العالم العربى بعد ذلك بدءًا بثورة يوليو 1952 ومرورا بكل الثورات العربية التى تلت ثورة يوليو والتى يمكن تسميتها بالحقبة الأولى من الثورات العربية فى التاريخ الحديث.
أيضا كانت القضية الفلسطينية وراء حرب 1967 بغض النظر عن وجود أسباب أخري، لكن السبب الرئيسى يظل هو القضية الفلسطينية والصراع العربى الإسرائيلى الذى نشأ فى أعقاب حرب 1948 وقيام دولة إسرائيل.
بعد هزيمة 1967 ازدادت الأمور تعقيدا وتأزما خاصة بعد أن ابتلعت إسرائيل فلسطين كلها، واحتلت أجزاء من مصر وسوريا ولبنان، ولأن مصر هى دائما حائط الصد العربى سابقت مصر الزمن، وحشدت كل إمكانياتها وقواتها لأجل استرداد الأرض المصرية والعربية، وكانت حرب أكتوبر 1973 المجيدة التى استطاعت فيها مصر تلقين إسرائيل درسا لن يُنسى فى تاريخ العسكرية العالمية.
قام الجيش المصرى ــ فيما يشبه المعجزة ــ بعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف، وتحرير أجزاء واسعة من سيناء، وتكبد الجيش الإسرائيلى خسائر أدمت قلوب الإسرائيليين وقادتهم، حتى توقفت الحرب ووضعت أوزارها بعد أن أصبح لمصر درع وسيف كما قال الزعيم الراحل أنور السادات فى خطاب النصر الشهير.
هكذا دخلت مصر 3 حروب بسبب القضية الفلسطينية، ولم تكل أو تمل حتى بدأت مصر طريق السلام، وفيه لم تتخل مصر أو تفرط فى حقوق الفلسطينيين والعرب، بل طالبهم السادات بالدخول على خط المفاوضات، ولو استمعوا له منذ ذلك الحين لكان للمنطقة شأن آخر، لكن بدلا من أن يستمعوا إليه، ويساندوه، ويشدوا أزره لتقوية موقفه التفاوضى، حاولوا النيل من مصر، وبدأوا لغة تحريض عنيفة ضد رئيسها ومقاطعة ضد الشعب المصرى، وفقدت مصر زعيما من أنجب أبنائها وأفضل زعمائها بسبب التحريض والشحن ضده من تلك الأبواق النشاز.
أثبتت الأحداث صدق رؤية الرئيس الراحل أنور السادات، ونبل أهدافه، وعظيم وطنيته فلم يفرط فى ذرة رمل واحدة من تراب مصر، ولم ينس القضية الفلسطينية فى اتفاقيات السلام.
بعد شد وجذب دخل الفلسطينيون على خط السلام، فكانت اتفاقيات أوسلو، وبداية تنفيذ خطة السلام على الأرض الفلسطينية، إلا أنه ومنذ أكثر من عشر سنوات دب فيروس الانقسام القاتل فى السلطة الفلسطينية، وبالتحديد منذ منتصف يونيو 2007 حينما وقع اقتتال داخلى فى السلطة الفلسطينية، وسيطرت حماس على قطاع غزة، وطردت عناصر فتح والسلطة الفلسطينية خارجه وخلال تلك السنوات فشلت كل أنواع الوساطات فى لمَّ شمل السلطة الفلسطينية مرة أخرى.
كانت هناك محاولات عديدة من داخل المنطقة وخارجها ومن بينها محاولات مصرية إلا أن هذه المحاولات كانت تفشل فى كل مرة بسبب الفلسطينيين أنفسهم أو بسبب تغذية الانقسام من أطراف خارجية خاصة قطر وإيران وإسرائيل.
إسرائيل طبعا هى المستفيد الأول من حالة الانقسام والتى رفعت شعار أنها لم تعد تجد لها شريكا فى السلام.
أما إيران فهى دائما تريد توسعة دائرة نفوذها وإيجاد موطىء قدم لها فى تلك المناطق، ووجدت ضالتها فى حماس لتقوم بهذا الدور.
أما قطر فهى دائما تلعب دور والى عكا الشهير فى المنطقة لتنفيذ الأجندة المرسومة لها بكل دقة، وحاولت كثيرا أن تخدع الآخرين على اعتبار أنها تقوم بدور الوساطة بين الضفة وغزة، لكنها فى الحقيقة كانت تقوم بتغذية الصراع وتأجيجه بين الفصائل الفلسطينية معتمدة فى ذلك على سياسة «الإغراق المالى» وما يستتببعه من فرض شروطها ورؤيتها النابعة مما يُملى عليها من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.
بعد ثورة 30 يونيو وإنقاذ مصر من سيناريو الفوضي، ومنذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى وهو يعمل جاهدا على ايجاد حل للأزمة الفلسطينية، ورغم كل المصاعب الداخلية والأوضاع الاقتصادية، فإن مصر تضع القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها باعتبارها ضمن الأمن القومى المصرى، وفى أكثر من مناسبة أكد ضرورة معالجة شاملة ونهائية لأقدم الجروح الغائرة فى المنطقة العربية، وهى القضية الفلسطينية، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك من أجل الانتقال بالمنطقة كلها إلى مرحلة الاستقرار والتنمية، واستعادة مصداقية الأمم المتحدة والنظام العالمى.
استطاع السيسى تفجير مفاجأة ضخمة ومدوية بالإعلان عن نجاح المصالحة الفلسطينية بعد أعوام عديدة من الانقسام والصراع والاقتتال.
تكفى شهادة وزير الخارجية الفرنسى جون إيف لودريان بعد انتهاء محادثاته مع وزير الخارجية سامح شكرى أمس الأول فى باريس حينما هنأ مصر بالنجاح فى تحقيق المصالحة الفلسطينية مؤكدا أنه لم يكن لأى دولة أن تحقق ذلك إلا مصر باعتبارها صاحبة الجهد الأساسى فى هذا المجال.
ليست شهادة وزير الخارجية الفرنسى وحده، وانما كل دول العالم تعلم ذلك وتؤكده سرا وعلنا، باستثناء محور الشر الذى يضم إيران وقطر وتركيا وهى الدول التى تقف ضد المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية لأنهم يريدون المتاجرة بآلام الشعب الفلسطينى وأوجاعه، فخرج بوق الشر المسمى بالجزيرة يندد بالمصالحة، بعد أن تم الاستغناء عن الدور القطرى فى ملف المصالحة والعودة إلى الرعاية المصرية كما كانت دائما وستظل، لأن مصر ليست لها أطماع، وخاضت 3 حروب من أجل القضية الفلسطينية، وضحت بالغالى والنفيس لأجل الشعب الفلسطينى.
لا يمكن إغفال دور المخابرات العامة المصرية ورئيسها الوزير خالد فوزى فى إنجاز هذا الملف، فهم دائما الصقور المصرية التى تعمل فى صمت، وتسجل نجاحات رائعة على جميع الأصعدة والقضايا.
لقد بذل صقور المخابرات المصرية جهدا غير مسبوق في إنجاز ملف المصالحة وقاموا بالعديد من الرحلات المكوكية دون ضجيج أو صخب حتي تكلل جهدهم بالنجاح بعد أن فقدنا الأمل في تحقيق هذا الحلم.
المصالحة الفلسطينية هى الخطوة الأولى والأهم فى ملف السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والطريق لايزال طويلا وصعبا لإتمام صفقة القرن، والأمر المؤكد أن مصر التى ضحت بالدم والمال على امتداد 69 عاما منذ حرب 1948 لن تبخل أو تتوقف حتى يتحقق الحلم بإقامة الدولة الفلسطينية.
فقط يبقى الأمر فى يد الفلسطينيين وحدهم وقدرتهم على الحفاظ على ما تحقق من نجاح، وعدم الوقوع مرة أخرى فى فخ الانقسام والتشرذم، أو الانسياق وراء أبواق الشر التى تغذى الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطينى من أجل المتاجرة بهم.
6.5% من مساحة مصر
لا أحد يستطيع أن ينكر حجم الجهد الذى يبذله د.مصطفى مدبولى وزير الإسكان من أجل الدفع بمسيرة العمران فى مصر والحد من العشوائيات. هو يعمل فى ملفات عديدة وبصمت وهدوء فهو يتابع إنشاء المدن الجديدة وفى الوقت نفسه يعمل جاهدا على تنفيذ خطة الرئيس للتخلص من العشوائيات فى المدن القديمة.
فى افتتاح معرض الاستثمار العقارى فاجأنى الوزير بقوله إننا مازلنا نقطن فى مساحة 6.5% من مساحة مصر، وإن الباقى عبارة عن مساحات غير مستغلة، مشيرا إلى أن الرئيس حريص على زيادة تلك المساحة بنسبة كبيرة خلال الفترة المقبلة وذلك لتهيئة المناخ أمام التوسع الصناعى والزراعى والعمرانى، وفى نفس الوقت للقضاء على العشوائيات فى المناطق القديمة من خلال عدم إقامة عشوائيات جديدة ومعالجة الموجود منها الآن. وأكد أن التعمير جزء من معركة مصر ومستقبلها ويرتبط بشدة بمستقبل الإصلاح الاقتصادي، فالعمران والعقارات روافع أساسية من روافع الاقتصاد المصرى الآن حتى يسترد عافيته فى القريب العاجل.
العفو عند المقدرة
دائما يعلمنا شيخ الأزهر الكثير من الدروس في التسامح والعفو عند المقدرة، وشيخ الأزهر هو الرمز المحترم الذى نكن له كل التقدير والاحترام، ونرفض أية إساءة إليه أو إلى الأزهر الشريف منارة العلم والتسامح.
حينما قابلت فضيلة الإمام فى المشيخة تعلمت منه الكثير والكثير، وآلمنى أن أسمع منه نبرة عتاب لبعض الأقلام التي تحاول المساس به وبالأزهر الشريف.
الأمر المؤكد أننا نحتاج إلى مراجعة من جانبنا كصحفيين وإعلاميين للحفاظ على الرموز من الإساءات وفي ذات الوقت أتمني من فضيلته العفو عند المقدرة بالنسبة للزملاء الذين صدرت بحقهم أحكام لمصلحة فضيلته.