السيدة الحديدية.. والإنجاز من رحم الألم
بقلم: عبد المحسن سلامة
رائعة تلك السيدة التى أبهرتني بثباتها وقوتها، وقوة خطابها، وإصرارها على استكمال مسيرة زوجها البطل العقيد أحمد منسي، سيدة مصرية عظيمة تشبه مصر فى قوتها وقدرتها على مواجهة الشدائد والمحن، أبكتني وأبكت الحضور ولم تبك هي، بل ظلت ثابتة، صامدة، تحكى فى شموخ قصة زوجها البطل الشهيد العقيد أحمد منسى قائد الكتيبة 103 صاعقة بالعريش.
كشفت عن الوجه الآخر للبطل الشهيد، الوجه الإنساني، فهو شاعر، كتب العديد من الخواطر الشعرية والقصائد، كلها فى حب الوطن، وهو المقاتل الذى لا يلين وينتظر الشهادة فى كل لحظة، مؤمنا بأن الموت قريب، والشهادة شرف، والدفاع عن الوطن أقصى الأمانى والطموح.
اختار اسم ابنه «حمزة» على اسم عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم ــ وخرج حمزة علينا مرتديا زى القوات المسلحة ومؤديا التحية العسكرية ليغادر الرئيس عبدالفتاح السيسى مقعده على الفور ليحتضنه ويربت على كتفيه ويقبله وسط دموع وتصفيق الحاضرين.
سرحت قليلا، وتذكرت أن هناك الكثير من أوجه الشبه بين تلك السيدة المصرية الأصيلة وبين مصر وشعبها، فها هى مصر تواجه الإرهاب الأسود وتخوض معركة شرسة ضد الإرهابيين كل يوم، لكنها لم ولن تنكسر، بل إنها تقاوم الإرهاب وتمضى إلى المستقبل.
أفقت على صوت زوجة الشهيد حينما قالت: «قال لى إنتى خائفة ليه أننى سوف أكون شهيدا، أنا واثق فى ربنا وأنه هيخلى باله منكم بعدى، وواثق إنى سايب بطلة هتربى الولاد أحسن ما أنا عاوز».
هكذا تحققت نبوءة الشهيد فى زوجته التى وقفت بفخر تحكى قصته وتكمل مسيرته فى حب مصر وهى ترعى أولادها على حب وطنهم والالتفاف حول جيشهم.
لم تكن قصة السيدة منار محمد سليم زوجة الشهيد العقيد أحمد منسى القصة الوحيدة المؤثرة فى الندوة التثقيفية الـ26 للقوات المسلحة بمناسبة الذكرى الـ44 لانتصارات حرب أكتوبر، وإنما كانت هناك قصص أخرى لأبطال كثيرين من طين مصر ودمها ولحمها، كعادة مصر دائما تنجب الأبطال فى كل العصور والعهود مهما تشتد الأزمات وظن البعض أنها مستحكمة غير قابلة للانفراج.
هى نفس قصة حرب أكتوبر المجيدة بأبطالها ورموزها وجنودها.. تلك الحرب المجيدة التى جاءت عقب هزيمة 1967، وظن الكثيرون أنه لن تقوم قائمة لمصر بعدها، لكن خلال 6 سنوات فقط استطاعت مصر أن تعيد بناء جيشها العظيم ليخوض أعظم معركة ويلقن العدو الإسرائيلى درسا لن ينساه، ويعيد للأمة العربية كلها كرامتها وعزتها، وينهى أسطورة الجيش الذى لا يقهر، ويتقدم بثبات نحو السلام مرفوع الرأس.
الجيش المصرى الآن يخوض معركة أشرس من معركة 1973، لأن المعركة ضد عدو مجهول، غير منظم، عدو جاهل وأحمق، يكره الحياة، ويعتنق ثقافة الموت والتدمير والخراب، ورغم كل ذلك فهو يسجل النجاح تلو الآخر، واستطاع أن يتقدم بسرعة هائلة ضد العدو الإرهابى رغم شراسة المعركة وصعوبتها ودخول أطراف دولية وإقليمية فيها بهدف إضعاف مصر، وكسر شوكتها، فى إطار المخطط الشيطانى لتفتيت المنطقة وبعثرتها من أجل إعادة تنظيمها من جديد لتحقيق أغراضهم الخبيثة.
وسط كل هذه الظروف الصعبة والمعقدة، تصر مصر على أن تقدم نموذجا رائعا للإنجاز من رحم الألم، وأن تعلن للعالم كله أن إرادة الحياة لدى المصريين أعظم وأقوى من إرادة الخراب والدمار، وأن المصريين قادرون على صنع المعجزات دائما وفى أصعب الظروف والأوقات.
كان يوم الأربعاء الماضى الموعد مع الإنجاز المدهش، فى قلب الصحراء وبعد رحلة ساعتين تقريبا، وبعد أن فقدنا الأمل فى الوصول لأننا دخلنا قلب الصحراء وعلى بعد 40كم من القاهرة، وصلنا إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
بعد أقل من 18 شهرا فقط ظهر المولود الجديد الذى ولد عملاقا لينقل مصر إلى القرن المقبل.
من غير المعقول أن تظل مصر محصورة فى 7% من مساحتها، وتظل النسبة الباقية غير مأهولة لتتحول المناطق القديمة منها إلى مناطق عشوائية مستقبلا نتيجة الازدحام والتكدس وتنهار الرقعة الزراعية بسبب التعديات المستمرة عليها والامتداد العمرانى غير المنظم.
كان التحدى هو ضرورة الخروج إلى الآفاق الرحبة لمصر لمضاعفة المساحة التى يعيش عليها المصريون الآن، وكانت البداية فكرة المدن الجديدة الناجحة التى استوعبت 7 ملايين نسمة فى فترة قياسية بما يساوى 20% من سكان الحضر رغم حداثة الفكرة، وهو ما يؤكد نجاح الفكرة وضرورة التوسع فيها.
جاء قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر لكى تنقذ القاهرة من التكدس والازدحام وتعيد إليها البهاء والرونق, ولتظل الجزء النابض فى الجسد المصري، وفى الوقت نفسه تسهم فى استيعاب متطلبات التوسع العمرانى وتلبى الاحتياجات المتزايدة على الطلب للسكن فى المدن الجديدة.
مدينة القاهرة أقيمت على مساحة 95 ألف فدان، فكان قرار إقامة العاصمة الإدارية الجديدة على مساحة 175 ألف فدان بما يساوى تقريبا ضعف مساحة العاصمة الحالية، وذلك لإقامة عاصمة حديثة بمواصفات عالمية، والالتزام بالقواعد البيئية والمساحات الخضراء، وحتى يمكن تخطيطها تخطيطا عصريا يواكب المستجدات ويواجه متطلبات القرن المقبل من طرق وبنية تحتية ومساحات خضراء، ومساكن حديثة، وأماكن رياضية وترفيهية وتعليمية وثقافية متوقعة.
كانت البداية المتوقعة فى حدود 10 آلاف فدان، لكن الطلب المتزايد أدى إلى زيادة المساحة إلى أكثر من 40 ألف فدان بما يوازى تقريبا نصف مساحة القاهرة الحالية.
زيادة الطلب وبالتالى زيادة المساحة تعنى ببساطة نجاح الفكرة بدليل مضاعفة المساحة المقرر البدء بها إلى أربعة أضعاف، وذلك حتى يمكن تلبية الطلبات المتزايدة فى الإسكان والتعليم والخدمات وكل القطاعات الأخري.
تلك الزيادات تعنى بالضرورة التوسع فى أعمال البنية الأساسية من طرق وكبارى وصرف صحى ومياه شرب وكهرباء وغيرها لتلبية احتياجات التوسع العمرانى التى فاقت المتوقع فى أقل من 18 شهرا.
اعتقد أن زيادة الطلب ومضاعفة المساحات أبلغ رد على المتشككين فى جدوى إقامة العاصمة الإدارية حاليا، لأنه ببساطة يعنى أن هناك حاجة ملحة لها، وطلبا متزايدا عليها بما يعنى جدواها وضرورتها.
فى أثناء شرح د.مصطفى مدبولى وزير الإسكان عرض خريطة لشكل مصر المتوقع فى القرن المقبل إن شاء الله بعد أن تتم مضاعفة المعمور فيها ليصل إلى 12%، وهى رؤية مهمة لابد من السير فيها بكل جدية لتنتهى العشوائيات إلى الأبد، ويظهر جيل جديد من المدن الحديثة التى تحتاجها مصر المستقبل.
لفت انتباهى فكرة «النهر الأخضر» الذى يشق قلب العاصمة الإدارية الجديدة كما نهر النيل العظيم الذى يشق قلب القاهرة، والفرق أنه تم ابتكار تلك الفكرة الرائعة على غرار فكرة نهر النيل، لكنه نهر من الأشجار والمساحات الخضراء يسير فى قلب المدينة من أولها حتى نهايتها وعلى جانبيه تقام المنشآت السكنية والترفيهية والتعليمية والخدمية.
هى فلسفة مبتكرة فى إقامة المدن الجديدة أكدها الرئيس عبدالفتاح السيسى مشيرا إلى أنه يهدف إلى إيجاد جيل جديد من المدن تتوافر فيه كل المميزات والخدمات الموجودة فى العاصمة الجديدة لتتحول إلى نموذج يحتذى به فى كل المدن الجديدة الأخرى والتى تبلغ 13 مدينة جديدة كلها ستتوافر بها الأفكار و الخدمات نفسها الموجودة فى العاصمة الجديدة.
الرئيس كان حريصا على توضيح فلسفة الحكم الجديدة فى مصر وهى الفلسفة التى تقوم على وجود العديد من الأولويات بالتوازي، فالعاصمة الإدارية الجديدة ليست على حساب المشروعات الأخري، وإنما كل المشروعات الضرورية لها الأولوية، وتأخذ حقها من الاهتمام والرعاية لتتحول مصر خلال الفترة المقبلة إلى دولة تنبض بالحياة وبالجهد والعمل والتخطيط من أجل إقامة الدولة العصرية الحديثة التى تحترم نفسها ويحترمها العالم كله.
لم يكتف الرئيس بالشرح والعروض داخل فندق الماسة الجديد بالعاصمة الإدارية والشاهد الحى على ولادة العاصمة الجديدة، وإنما أصر على اصطحاب مجموعة من الحضور ـ وكان لى الشرف أن أكون معهم ـ للمشاهدة على الطبيعة والتعرف على مشروعات العاصمة الجديدة عن قرب، فكان الموقع الأول هو كوبرى محمد بن زايد أكبر وأضخم كبارى العاصمة الجديدة، ثم انطلق إلى الحى السكنى الأول الذى تم الانتهاء منه.
25 ألف وحدة سكنية تم الانتهاء من معظمها بالكامل وحتى التشطيب الداخلى تم الانتهاء منه، وأصر الرئيس على الصعود إلى إحدى الشقق ليتفقد عملية التشطيب الداخلية للوحدات. اللافت للانتباه وجود جراج أسفل كل عمارة سكنية ومساحات خضراء حول وخلف كل العمارات، وتشطيب متميز للواجهات وداخل الشقق بما يتناسب مع أحداث مواصفات المدن فى العالم.
امتدت الجولة إلى أكبر كنيسة تقام فى العاصمة الجديدة، وإلى مقر مجلس الوزراء، ورغم أن العمل جار فى مقر مجلس الوزراء فإن الرئيس أصر على الصعود إلى المبنى غير المكتمل ليتفقد بنفسه مراحل التنفيذ وخطوات العمل.
لم تنته الجولة إلا مع انسحاب خيوط النهار ودخول المساء لتعلن مصر من جديد قدرتها على الإنجاز والتحدى وبداية انطلاق عصر جديد من التطور والبناء فى كل المجالات.
..........
الخسارة بشرف
رغم خسارة د.مشيرة خطاب فى جولة الإعادة فى انتخابات اليونسكو، فإنها خسرت بشرف واستطاعت أن تدخل جولات الإعادة المتكررة وحصلت على 25 صوتا مقابل 31 صوتا للمرشحة الفرنسية.
المعركة كانت شرسة ولعب المال السياسى الدور الأكبر فيها، ودفعت فيها قطر أموالا طائلة كعادتها دائما, وكما حدث تماما فى فضيحة المونديال الشهيرة التى لاتزال تطاردها، وأعتقد أن الأيام القليلة المقبلة سوف تكشف عن الوجه القبيح لقطر والدول الداعمة لها فى انتخابات اليونسكو.
.....
تأمين المطارات
تحية تقدير إلى المهندس شريف فتحى وزير الطيران الذى قام بدور رائع فى تغيير منظومة التأمين فى المطارات ووصولها إلى أعلى المعدلات العالمية بشهادة الوفود الروسية ووفود المنظمات والهيئات المعنية بشئون الطيران وسلامة المطارات.
هو يعمل بفلسفة وطنية خالصة ليس لها علاقة بطلبات هذه الدول أو تلك وإنما يريد أن يصل إلى أعلى المعدلات فى تأمين المطارات المصرية، وأعتقد أن الزائر الآن لأى مطار فى مصر يجد تغييرا هائلا فى منظومة التأمين لا تقل عن أهم المطارات العالمية.
رابط المقال:
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/617954.aspx