ماذا يريد الشباب ؟..وماذا نريد منهم ؟ بقلم: عبدالمحسن سلامة

اليوم ينطلق منتدى شباب العالم الذى يقام فى شرم الشيخ «مدينة السلام»، ويشارك فيه أكثر من ثلاثة آلاف شاب من مختلف أنحاء العالم، من أجل الحوار الجاد والمباشر فيما بينهم، أو مع صناع القرار والمسئولين، ومناقشة أهم القضايا التى تشغل بالهم وتتعلق بمستقبلهم.

إشادة الرئيس الفرنسى ماكرون بفكرة المؤتمر خلال المؤتمر الصحفى الذى جمعه بالرئيس السيسى خلال القمة الفرنسية ـ المصرية بباريس دليل أكيد على أهمية المؤتمر وتأثيره العالمى حتى قبل أن يبدأ.

يعتبر مؤتمر شرم الشيخ هو المؤتمر الخامس للشباب منذ أن أطلقه الرئيس السيسى، حيث انعقدت أولى فعاليات مؤتمر الشباب فى شرم الشيخ فى أكتوبر 2016، أى منذ عام تقريبا، ونجح المؤتمر نجاحا واسعا آنذاك لتبدأ الفعاليات الأخرى بعد ذلك على مدى زمنى قريب، حيث انعقد المؤتمر الثانى فى أسوان فى يناير 2017، ثم الإسماعيلية فى إبريل 2017، وأخيرا فى الإسكندرية فى يوليو 2017 والذى عقد بمكتبة الإسكندرية.

فى مؤتمر الإسكندرية لفت انتباهى مشهدان مؤثران ولهما مغزى عميق، الأول يتعلق بالطالبة مريم الأولى على الثانوية العامة التى جلست بجوار الرئيس فى الصف الأول، وحرص الرئيس على مصافحتها بمجرد دخوله القاعة، ترحيبا بمشاركتها فى المؤتمر، لكى يرسل رسالة إلى كل الشباب باحترام قيمة العلم والنجاح والتفوق.

المشهد الثانى يتعلق بالشاب ياسين الزغبى ذلك الشاب الذى تغلب على إعاقته، وظهر وهو يجوب المحافظات على دراجته ليجمع شكاوى المصريين والشباب وعرضها على الرئيس لكى تتم مناقشتها خلال المؤتمر مما جعل الرئيس يستقبله بحرارة، وانتزع تصفيق كل الحاضرين، ولن أنسى ما قاله الشاب: «فعلت هذا لأنه كان لازم يُسمع صوتنا، مفيش مستحيل، ولازم نوصل صوتنا ورسالتنا».. رسالة بليغة إلى كل شاب بالقدرة على تحدى الصعاب وقهر المستحيل.

أما المشهد الثالث فكان من مؤتمر الإسماعيلية ويتعلق بالشاب أحمد رأفت وهو شاب معاق استطاع قهر إعاقته وقد استوقف الرئيس بعد نهاية إحدى جلسات المؤتمر وطلب منه أن يلحقه بالقوات المسلحة قائلا له «أنا نفسى أدخل الجيش وأساعد الجنود، لأنى كل يوم بشوف جندى بيموت، ونفسى تقبلوا مساعدتى من غير مجهود بدني، عايز أحس بالانتماء لوطني»، وبكى أحمد رأفت فى نهاية حديثه الموجه للرئيس قائلا: «عمرنا ماهانتخلى عن الرئيس» وأدى التحية العسكرية.

ولأننى أعرف أحمد رأفت وأعرف صدق مشاعره فقد تأثرت بشدة لما قاله، وقابلته بعد ذلك فهو ابن الزميلة العزيزة المرحومة عزة سامى نائبة رئيس تحرير الأهرام ورئيسة قسم التحقيقات الخارجية قبل أن يختطفها الموت، ورغم محورية دورها فى حياته، فقد تماسك أحمد وقفز فوق أحزانه، كما قفز فوق إعاقته، أما المفاجأة الكبرى فكانت استجابة الرئيس ليلحق أحمد بالقوات المسلحة، وأتت الاستجابة كهدية من السماء لهذا الشاب البطل لتنزل عليه بردا وسلاما وتعويضا عن كل التحديات التى واجهها، الأهم أنها رسالة لكل الشباب المكافح بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

المؤتمر الخامس للشباب فى شرم الشيخ الذى ينطلق اليوم يأتى وسط تحديات ضخمة وخطيرة فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط والعالم، ومن المتوقع أن يناقش العديد من تلك التحديات ووضع تصورات لمواجهتها، ودور الشباب فى مواجهة تلك التحديات.

أخطر قضية تواجه مصر والعالم الآن هى قضية الإرهاب ولذلك فهى من القضايا الأساسية على مائدة المؤتمر حيث ستتم مناقشة قضية الإرهاب ودور الشباب فى مواجهته.

الإرهاب يروج له الكبار ويقع فيه الشباب، بمعنى أن هناك رءوس فتنة تنشر سموم الإرهاب وتقوم بالتنظير له وتمويله ونشره سواء من شيوخ الفتنة أو من يقومون بالتمويل من الجماعات والدول وأجهزة الاستخبارات، وللأسف يقع بعض الشباب فريسة لهؤلاء ويدفعون أرواحهم لتخريب دولهم وتشويه دينهم.

الشباب هم الحلقة الأهم فى مواجهة الإرهاب، ولابد من تطعيمه وتحصينه ضد ذلك الفيروس الخطير بتوفير كل وسائل الرعاية والاهتمام منذ مراحل الطفولة الأولى فى المنزل أو الحضانة ومرورا بالمدارس والجامعات، وحتى بعد التخرج من خلال توفير كل آليات المواجهة والدعم اللازمة لذلك.

 

الشباب يريد التعليم الجيد والخدمات المتطورة، وفرص عمل حقيقية تجنبه البطالة والعوز، وتجعله شاعرا بقيمته وآدميته، وأن يكون هناك تكافؤ وعدالة فى تلك الفرص، كما يرغب فى المشاركة فى بناء دولته عبر وسائل المشاركة الطبيعية كى نصل إلى الدولة الديمقراطية المدنية العصرية الحديثة التى تليق بمصر وشعبها وشبابها.

على الجانب الآخر لابد أن يعمل الشباب بجدية بعيدا عن السلبية والتكاسل، وأن يبنى نفسه ثقافيا وحضاريا، وأن يتحلى بالمثابرة والإصرار مثل كل النماذج الناجحة فى مصر والعالم كله بعيدا عن الاستسهال أو انتظار الفرصة حتى تأتى إليه وهو نائم أو جالس على المقهي.

فى زيارتى الأخيرة لأمريكا أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة فوجئت بأن الشاب الذى يقود السيارة التى أركبها من أصل مصري، ويدرس فى كلية الطب، وتحدثت معه وعرفت أن اسمه شادي، ولد فى المعادي، وانتقل مع أسرته إلى نيويورك، ويعمل على السيارة كى يستطيع استكمال دراسته، وقبل السيارة كان يعمل فى مطعم، وفى كل الأحوال هو راض تماما بما يعمل، ومن المتفوقين فى الدراسة، وأبلغنى أن هذا ليس حاله فقط، وإنما حال كل أقرانه سواء من المصريين أو الأمريكيين أو من الجنسيات الأخري، فالعمل أولا وقبل كل شيء، والعمل لا يقلل من قيمة الإنسان لكنه يزيده فخرا.

كان يتحدث معى بكل فخر وإصرار على استكمال عمله واستكمال مسيرته التعليمية، وأنه يرغب فى العودة إلى مصر مع أسرته بعد أن يتخرج من الجامعة، متمنيا أن يكون مثل مجدى يعقوب وزويل أو غيرهما من أبناء مصر المتفوقين.

نريد من الشباب المصرى أن يضحوا داخل وطنهم كما يفعلون خارجه، وهم يستطيعون ذلك وقادرون عليه، فلا تقدم بلا عمل، ولن تقوم دولة حقيقية إلا بالإنتاج والعمل، وعلى الجانب المقابل لابد أن تقوم الدولة بتهيئة المناخ لتوفير فرص العمل، وتحقيق التكافؤ والعدالة أمام الجميع فى تلك الفرص.

من المتوقع أن تشهد فعاليات مؤتمر شرم الشيخ العديد من جلسات العمل والندوات حول كيفية توظيف طاقات الشباب من أجل التنمية، والتعرف على رؤى الشباب لتحقيق التنمية المستدامة فى مصر والعالم، واستعراض التجارب الدولية فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعرض التجارب الشبابية المبتكرة فى مجال ريادة الأعمال، بالإضافة إلى مناقشة تأثير التكنولوجيا الحديثة على واقع الشباب، وكذلك استعراض التجارب الدولية البارزة فى مجال تأهيل وتدريب الشباب، ودور الدول والمجتمعات فى صناعة قادة المستقبل.

محاور عديدة وقضايا متعددة سوف يناقشها منتدى شباب العالم فى شرم الشيخ بكل صراحة وموضوعية، لكى تكون نبراسا لشباب مصر والمنطقة، ورسالة من الشباب المصرى إلى شباب العالم من أجل الاتحاد فى مواجهة العنف والتطرف والإرهاب لخير البشرية كلها.

Back to Top