اللغز الحائر الذى طرحه الرئيس! بقلم عبدالمحسن سلامة
«لو اتحركنا تزعلوا، ولما تزعلوا تتحركوا، فلما تتحركوا تلخبطوا، فلما تلخبطوا تهدوا البلد.. ولو ماتحركناش هنفضل عاجزين ونحس بالعجز والفشل، فتتحركوا وتهدوا البلد.. يعنى المطلوب إننا فى جميع الأحوال مانتحركش».
كعادته فى كل الفعاليات كان الرئيس عبدالفتاح السيسى دائم الحركة والتنقل فى المنتدى العالمى للشباب الذى عقد بشرم الشيخ، فكان يتحرك من جلسة إلى أخرى ويتابع المناقشات ويدون الملاحظات، ويتدخل إذا اقتضت الضرورة ذلك، ويوم الثلاثاء بدأت الجلسة فى القاعة الرئيسية، وكانت بعنوان «تحديات وقضايا تواجه شباب العالم وسبل المواجهة لصناعة المستقبل»، وفى أثناء المناقشات دخل الرئيس إلى الجلسة، وجلس يتابعها ويدون ملاحظاته كعادته، وإذا بالمذيعة التى تدير اللقاء توجه السؤال إلى الرئيس عن رؤيته لأهم التحديات ورؤيته للمستقبل، وجاء رد الرئيس عفويا وتلقائيا ليتحدث عن البطالة والأمية والإرهاب كتحديات تواجه الشباب، وعن كيفية الإنقاذ والخروج من المأزق، كان الرئيس واضحا بأنه لابديل عن العمل والإنجاز مهما تكن التحديات ومهما يحاول البعض وقف دوران عجلة الإنقاذ، لأن هناك من لايريد الخير لمصر وشعبها، ولا للمنطقة كلها، وهناك من لايريد أن تتحرك مصر لمواجهة المشكلات وحلها.
حينذاك أشار الرئيس إلى أن هناك البعض لايعجبه شيء، سواء كانت هناك حركة لحل المشكلات أو عدم الحركة، لأن المقصود هو هدم البلد فى كل الأحوال.
أظن أن الرئيس كشف بعفويته عن أكبر لغز يواجه مستقبل الشعب المصري، ويجيب عن السؤال الذى لايريد البعض أن يفكر فيه وهو «هل يتم التحرك لحل المشكلات المتراكمة، والتخلص منها أم يظل الوضع على ما هو عليه وربما أسوأ؟».
هذا هو السؤال الذى لابد أن يضعه كل مواطن مخلص أمامه هذه الأيام للخروج من المأزق الذى وقعت فيه مصر، نتيجة قيام ثورتين فى مدة لا تزيد على سنتين، مما أدى إلى إصابة الوضع الاقتصادى بالشلل التام، وانهيار المرافق والخدمات، وعودة مصر بسرعة مذهلة إلى الوراء، فكانت الطوابير أمام محطات الوقود، وكانت الكهرباء تقطع بالساعات كل يوم، وكانت الفوضى ضاربة فى كل شيء، وكان الزحام أمام أفران الخبز يمتد لمسافات طويلة، ويتحول إلى مشاجرات بالعصى والأسلحة البيضاء لدرجة سقوط ضحايا أطلقوا عليهم آنذاك «شهداء الخبز».
مشاهد مؤلمة عاشتها مصر ولم نكن نتخيل ولو لوهلة أننا يمكن أن نعيش تلك المشاهد المأساوية التى كنا نسمع عنها ونتابعها فى مناطق الحروب والكوارث والنزاعات المسلحة.
فجأة وجدنا أنفسنا وسط تلك المشاهد المأساوية تحدث على الواقع ونعيشها حقيقة واقعة، واستمر المشهد المأساوى حتى قامت ثورة 30 يونيو لتصحيح الأوضاع الخاطئة، وانتشال مصر من حالة الفوضى والضياع والمصير المفزع الذى كان ينتظرها.
للأسف البعض يحاول أن يتناسى كل ذلك ويريد إعادة السيناريوهات المشئومة، وإعادة الفوضى تحت ذريعة الأزمات الاقتصادية والأسعار وغيرها من الشعارات التى لاتهدف الا إلى الهدم والتخريب، رغم الاعتراف بوجود تلك الأزمات لكن الفرق أن هناك من يريد استغلالها للهدم، وهناك من يحاول الإنقاذ وإيجاد الحلول حتى لو كانت مؤلمة بعض الشئ.
المعروف أن الهدم والتخريب من أسهل ما يكون، أما البناء فهو التحدى الصعب والمؤلم دائما، ولابديل إلا البناء فى الحالة المصرية فهو التحدى الأهم الذى يواجه شباب مصر وشعبها هذه الأيام، ولذلك كان الرئيس عفويا وهو «يفضفض» على حريته مع الشباب وينقل لهم مشاعره وخوفه على بلده مما يحاك ضدها.
التحدى الثانى الذى أشار اليه الرئيس هو ثالوث الخطر «البطالة والجهل والإرهاب» والذى يؤدى إلى تدمير الدول والشعوب، وربط الرئيس بين ارتفاع معدلات النمو السكانى وارتفاع معدلات البطالة، لأن زيادة معدلات النمو السكانى تأكل الأخضر واليابس فى التنمية، لأن مصر تحتاج إلى مواطن متعلم وراق، وليس إلى عدد سكان ضخم غير مؤهلين وغير قادرين على مواجهة تحديات العصر.
يرتبط بالزيادة السكانية غير المنضبطة أنتشار الأمية والجهل والفقر والمرض، فالأسرة غير القادرة لايمكن لها أن تنفق على عدد كبير من الأبناء، وتكون النتيجة المزيد من المعاناة، والمزيد من الأوجاع المجتمعية، بعكس الأسرة الصغيرة التى تكون قادرة على مواجهة مشكلاتها، وتستطيع تعليم أبنائها وعلاجهم وتلبية متطلباتهم بشكل طبيعي، والأهم من كل ذلك رعاية أطفالهم الرعاية اللازمة لهم على جميع الأصعدة.
المجتمع الضعيف هو الذى يصبح تربة خصبة للإرهاب والتطرف، ولذلك فمن المهم مواجهة مشكلة الزيادة السكانية من أجل توفير فرص العمل وخفض معدلات البطالة، والقضاء على الفقر وتحسين جودة التعليم والصحة والسكن لكل أفراد المجتمع.
المشهد الثانى الذى توقفت أمامه فى منتدى الشباب كان من جلسة «اختلاف الحضارات والثقافات.. صدام أم تكامل»، كانت الجلسة كلها تدور حول كيفية استغلال الاختلاف فى الحضارة والتنمية، وخلال الجسة أوضح المشاركون أن الحضارات المختلفة استفادت من بعضها البعض، وأن كل الحضارات بدأت من حيث انتهت الحضارة الأخرى، واستفادت منها رغم ما يعرف بصراع الحضارات، وبعد أن انتهت الجلسة وفور فتح باب النقاش، وقف أحد الشباب المشاركين طالبا الكلمة، وحاولت المذيعة توضيح الموقف له، وأن الأمر يقتضى الالتزام بنظام الجلسة إلا أنه رفض وظل على حالته حتى تدخل الرئيس وطلب منه الحضور، وتوضيح مايريد، والمفاجأة أن الشاب كان لديه بعض الأبحاث التى يريد عرضها أمام الرئيس وأعطاها للرئيس، ووعده الرئيس ببحثها.
الرئيس يعطى دائما المثل والقدوة فى الاحتواء والاستيعاب للآخرين، ولكن على الجانب المقابل هناك مشكلة لدى البعض وهى أن هؤلاء يتخيلون أشياء قد تكون صحيحة، وقد تكون عكس ذلك مثل حالة هذا الشاب الذى وصف نفسه أنه زويل الثانى، وقد يكون فى ذلك، ولكن أيضا من الوارد جدا أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق.
أتصور أن الدرس المهم هو ضرورة أن ينظر كل شخص لنفسه بموضوعية دون مغالاة أو إجحاف، وعلى الجانب الآخر لابد أن تكون هناك قنوات جيدة للتواصل والاهتمام بالعلماء الشبان الموهوبين خاصة فى أكاديمية البحث العلمي، ووزارة الشباب التى يجب أن تخصص قطاعا لذلك، أو وزارة التعليم العالي، وكذلك وزارة الصحة، وأن يكون هناك تنسيق بين هذه الجهات للاستفادة من كل الأفكار المطروحة وبحث جديتها وإمكان تنفيذها على أرض الواقع.
المشهد الثالث كان من البهو الخاص بقاعات المؤتمرات الذى عقد فيه المؤتمر فقد فاجأ الرئيس الشباب بالسير فى البهو، ووقف ليتحدث معهم، ولم يرفض طلبا للتصوير معه.
تحرك الرئيس بحريته وسط الشباب، وشاركهم الحوار وسمح لهم بدخول القاعات بالتليفونات المحمولة فى سابقة هى الأولى من نوعها فى لقاءات الرئيس، والأهم من كل ذلك، أن هذا الأمر حدث فى شرم الشيخ، وفى سيناء فى المكان الذى يحاول البعض تصويره على أنه غير آمن، فكانت الرسالة العملية التى سوف يكون لها مردود هائل فى الخارج، أن مصر وكل شبر فيها هى بلد الأمن والأمان، وسوف تظل كذلك رغم أنف كل الحاقدين والإرهابيين.
المكسب الأساسى من وجهة نظرى لما حدث فى شرم الشيخ هو رسالة مصر للعالم أنها بلد الأمن والأمان فى المنطقة كلها، وأنها قادرة على حماية أمنها، والمنتدى العالمى للشباب خير شاهد على ذلك بعيدا عن الكلام النظرى أو حملات العلاقات العامة والإعلانات، فقد شهدت الوفود من كل الدنيا حجم الأمن والأمان بعد أن عاشوا لمدة أسبوع كامل، وتحركوا بحريتهم، وانتقلوا وسط الأماكن السياحية، وأماكن عقد اللقاءات والندوات.
الأمر المؤكد أن الوضع السياحى فى مصر كلها عامة وفى شرم الشيخ خاصة سوف يكون بعد المؤتمر أفضل كثيرا عن ذى قبل، وسوف تستعيد السياحة عافيتها فى أسرع وقت ممكن بعد أن شاهد العالم على الطبيعة قدرة الدولة المصرية على الحفاظ على أمنها وسلامة ضيوفها، وتوفير كل وسائل الأمان والراحة لهم.
أعتقدأن المنتدى العالمى للشباب نجح فى تحقيق أهدافه كاملة، بدءا من خلق فرص الحوار الحقيقى بين الشباب من مختلف أنحاء العالم، ومرورا بإعلان شرم الشيخ الذى أطلقه الرئيس فى ختام المنتدى وتضمن العديد من القرارات والتوصيات التى أسفرت عنها المناقشات، وأهمها استجابة الرئيس للشباب وعقد المنتدى سنويا، وانتهاء برسالة السلام التى بعث بها المؤتمر لكل دول العالم أن مصر هى بلد الأمن والأمان والسلام.