مهمة خاصة من قبرص إلى لبنان ثم سيناء .. بقلم عبدالمحسن سلامة
مصر تتحرك إلى الأمام فى مختلف المجالات بعد فترة من التعثر والانكماش، تتحرك اقتصاديا وبخطى سريعة فى محاولة للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى عاشتها عقب ثورة 25 يناير، ولقد جاءت الشهادات الدولية من الهيئات الاقتصادية العالمية لتؤكد الإنجاز, وتشيد بما تحقق فى رحلة تعافى الاقتصاد المصرى من أمراضه.. صحيح أن الطريق مازال طويلا لكن المهم هو البداية والانطلاق.
فى الاتجاه نفسه تسجل مصر نجاحات عديدة على المستوى الخارجي, وتعود إلى دورها القيادى فى المنطقة, لأنها الآن هى الدولة الأقوى والأكثر استقرارا فى الشرق الأوسط، وكانت النتيجة هى عودة مصر أكثر قوة وأكثر ثقة فى دورها وتأثيرها على الأحداث، وفى الوقت الذى كان يقوم فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة تاريخية إلى قبرص هى الأولى من نوعها، ويتم عقد الاجتماع الثلاثى الرابع بين قادة مصر واليونان وقبرص، وفى يوم العودة نفسه يكون الاجتماع المخطط له مع رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريري، حيث قامت مصر بدور حاسم فى الوساطة بين الأطراف اللبنانية، ويعود الحريرى من مصر إلى لبنان لتستقر الأمور فيها، ويتراجع عن استقالته.
هذه هى مصر الآن التى يزعج نجاحها تجار الدم، فكان الحادث الإرهابى الغاشم فى قرية الروضة بشمال سيناء الذى راح ضحيته للأسف الشديد المئات من القتلى والمصابين.
الأمر المؤكد أن هناك علاقة مؤكدة بين نجاح مصر فى مختلف المجالات الآن، وبين من يحاولون كسرها، وتنفيذ المخططات الشيطانية ضدها، فكانت محاولاتهم الآثمة فى قرية الروضة بشمال سيناء، واستهداف المصلين أمس الأول الجمعة فى جريمة ضد الإنسانية لمحاولة بث الإحباط فى النفوس، وإضعاف الهمم والتشويش على ما يتحقق من نجاحات على مختلف الأصعدة.
فى الأسبوع الماضى كانت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى قبرص وهى أول زيارة رسمية لرئيس مصرى إلى قبرص، وعلى الرغم من العلاقات المتميزة بين الرئيسين عبدالناصر وماكاريوس فإنه لم يقم رئيس مصرى بزيارة قبرص رسميا إلا الرئيس عبدالفتاح السيسي، أجواء الزيارة عكست حجم الاهتمام بها على جميع الأصعدة، وقبرص بالنسبة لمصر جار إستراتيجي، ولها حدود بحرية مشتركة، وتم توقيع اتفاقية لترسيم الحدود فيما بينهما نتج عنها اكتشافات غاز وبترول مبشرة.
ومن بين تلك الاكتشافات حقل ظهر الذى يدخل إلى دائرة الإنتاج خلال الشهور المقبلة، ورغم الانتقاد بقية المنشور فى الصفحة الأولي ات التى وجهها البعض لاتفاقية ترسيم الحدود آنذاك، إلا أن الأيام أثبتت أهمية هذه الاتفاقية فهى
التى أعطت لمصر الحق فى استغلال مواردها وثرواتها التى كانت معطلة، وطبقا لتقديرات الخبراء فان المنطقة الحدودية بين قبرص واليونان ومصر واعدة فى مجال الغاز والبترول، ومن المتوقع أن تزيد اكتشافات الغاز والبترول فيها خلال الفترة المقبلة مما يعود بالخير الوفير على شعوب الدول الثلاث.
قبرص قريبة جدا من مصر وتستغرق الرحلة إليها بالطيران حوالى 75 دقيقة فقط، وكأنك ذاهب إلى أسوان مثلا، وبالتالى ما بين مصر وقبرص علاقة قرب مكانى وجغرافي، وعلى الجانب الآخر فإن قبرص عضو مهم فى الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن تكون بوابة لمصر فى الاتحاد الأوروبي، وفى المقابل يمكن أن تكون مصر هى بوابة المنطقة العربية وإفريقيا للاتحاد الأوروبي.
مصر لها موقع فريد جغرافيا يرتبط بثلاث قارات إفريقيا وأوروبا وآسيا، فمصر تقع فى قلب إفريقيا وعلى خط التماس مع آسيا من جهة سيناء وأوروبا من جهة البحر المتوسط، وبالتالى فهذا الموقع الفريد يجعلها بوابة لقارتى آسيا وأوروبا إلى افريقيا والعكس، ومن هنا تأتى أهمية العلاقات المصرية القبرصية خلال المرحلة المقبلة.
لقد شهدت المرحلة الماضية تنامى العلاقات المصرية ـ اليونانية ـ القبرصية فى ظل تحالف ثلاثى قوى ومؤثر، وبالتحديد فقد بدأ هذا التحالف يولد بعد نجاح ثورة 30 يونيو وتأييد قبرص واليونان لها حيث كان الرئيس القبرصى أول رئيس دولة يزور مصر بعد ثورة 30 يونيو ويعلن تأييده لمصر، وزار مصر بعدها 6 مرات متتالية فى إطار التعاون الاستراتيجى بين مصر وقبرص، ثم تم توسعة التحالف بانضمام اليونان، ليجتمع زعماء الدول الثلاث أربع مرات منذ العام 2014، وسوف يشهد العام المقبل فعاليات عديدة فى هذا المجال، حيث يشهد بداية العام المقبل أول لقاء موسع للجاليات القبرصية واليونانية فى الإسكندرية، كما أن عام 2018 سوف يكون عام العلاقات المصرية اليونانية لدفع العلاقات فى مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، وسوف تقام أول مزرعة يونانية للزيتون فى مصر، كما ستشهد العلاقات الاقتصادية نموا سريعا خاصة فى مجال الطاقة واكتشافات البترول والغاز.
مصر لها باع طويل فى اكتشافات الغاز والبترول، وتمتلك الكثير من المعامل والمصانع التى تعمل فى هذا المجال، خاصة فى مجالات التكرير، وتسييل الغاز، وكلها مجالات تحتاج إليها قبرص واليونان، ومن هنا تأتى أهمية التعاون المشترك، والاستفادة من الخبرات المصرية فى هذا المجال الحيوى المبشر بالخير للدول الثلاث بعد تأكيدات الخبراء والمتخصصين أن المنطقة زاخرة بالاكتشافات البترولية والغاز بعد أن تم رصد احتياطات كبيرة من الهيدروكربونيات فى المنطقة.
اتمنى أن تنتهى لجان ترسيم الحدود اليونانية المصرية من أعمالها قريبا كما حدث فى الحدود المصرية القبرصية ليعود الخير على شعوب البلاد الثلاثة، وأعتقد أن اللجان تعمل بكل همة الآن لكى تنتهى من أعمالها قريبا.
العلاقات بين الدول والشعوب تقوم على فكرة مهمة وهى »كم تكسب معي، وكم أكسب معك«، هذا هو مبدأ العلاقات الدولية الذى تطبقه مصر الآن بعد وقعت لفترة طويلة فى فخ الاستقطاب والتشرذم، والتحول من الاتجاه شرقا إلى الاتجاه غربا وفى كلتا الحالتين لم تكن النتائج جيدة، أما الآن فمصر عادت مرة أخرى إلى التوازن فى العلاقات الدولية وإلى تطبيق فكرة «كم تكسب معي، وكم أكسب معك»، وهى الفكرة الناجحة فى العلاقات الدولية وتقوم مصر بتطبيقها الآن، فانطلقت شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فالمهم أن يكون هناك عائد لمصلحة مصر وشعبها.
لقد وصلت العلاقات المصرية ـ اليونانية ـ القبرصية إلى ذروتها من حيث التعاون والاتفاقيات والتفاهم بين قادة الدول الثلاث، وسوف تتم ترجمة كل ذلك إلى واقع ملموس من خلال التعاون فى المجالات المختلفة خلال الفترة المقبلة، ليقام أول تحالف ثلاثى ناجح بين الدول الثلاث، مما دعا دول أخرى إلى السير فى الاتجاه نفسه، كما تحاول إسرائيل والأردن الآن.
عموما مصر تتحرك وفق مصالحها الوطنية دائما، وتتعامل مع جميع الدول من هذا المنطلق، ولن يضيرنا إذا كان نجاح التحالف الثلاثى قد دفع بعض الدول الأخرى للسير فى نفس الطريق.
الأمر الايجابى الآخر فيما يخص التحالف الثلاثى أن هناك الآن دولا أخرى أوروبية ربما تنضم إلى ذلك التحالف قريبا، وأكثر هذه الدول اقتناعا بهذه الفكرة هى إيطاليا، ويبقى وقت وطريقة الإعلان عن توسعة التحالف ليضم إيطاليا وربما دولا أخرى.
الملاحظ فى اللقاء الذى جمع بين الرئيسين السيسى والقبرصى نيكوس هو حميمة اللقاء وتبادل أرفع الأوسمة، ودائما، حينما كان يتحدث الرئيس القبرصى عن الرئيس السيسى كان شديد الحرص على أن يسبق اسمه بالصديق العزيز مما أضفى حميمية غير مسبوقة على لقاءات الرئيسين، وانعكس ذلك على توقيع 3 اتفاقيات للتعاون لتضاف إلى 35 اتفاقية سابقة لتغطى تلك الاتفاقيات كل المجالات، وانعكس ذلك على اجتماع منتدى الأعمال المصرى القبرصى الذى حضره الزعيمان، لتسهيل حركة التعاون الاقتصادى والتبادل التجارى فى مختلف المجالات، خاصة مجالات البترول والغاز، والأدوية، والمنسوجات وجميع القطاعات الاقتصادية الأخري.
أيضا حرص الرئيس السيسى على زيارة البرلمان القبرصى وإلقاء كلمة لاقت تصفيق جميع النواب الحاضرين والذى أعلن فيها دعم مصر لجهود توحيد الجزيرة القبرصية، ومساندة قبرص فى تلك القضية العادلة لمصلحة الشعب القبرصي.
فى اليوم التالى جاء اجتماع القمة الثلاثية بين قادة الدول الثلاث مصر واليونان وقبرص لتؤكد جدية الدول الثلاث فى استمرار التحالف الثلاثى والذى شهد افتتاح أول مركز للابتكارات ببرج العرب كإحدى ثمار التعاون الثلاثي، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية للتعاون فى المجال السياحى مما يعد نموذجا للتعاون الإقليمى الجاد والمثمر.
نجاح مصر فى التصدى بقوة للهجرة غير الشرعية خلال الفترة الماضية ـ حيث لم يتم ضبط حالة تسلل واحدة عبر الشواطئ المصرية منذ سبتمبر 2016 ـ أعطى الثقة لمصر فى قدرتها على ضبط حدودها ومجالها البحري، وأسهم فى زيادة القناعة الأوروبية بأهمية الدور المصرى فى دعم الأمن والاستقرار فى منطقة شرق البحر المتوسط، مما يفتح الباب واسعا أمام زيادة التعاون المصري ـــ الأوروبى، وتوسعة التحالف فى القريب العاجل.
عاد الرئيس السيسى يوم الثلاثاء إلى أرض الوطن ليلتقى مساء رئيس الوزراء اللبنانى المستقيل سعد الحريرى ويجرى مباحثات موسعة معه، وقبلها كانت جولة وزير الخارجية المصرى سامح شكرى فى دول الخليج التى ساعدت فى نزع فتيل التوتر، وأسهمت بشكل كبير فى إعادة الهدوء إلى الساحة اللبنانية مرة أخري، مما مهد الطريق أمام عودة سعد الحريرى إلى وطنه لبنان والعدول عن استقالته.
هكذا مصر تعود بقوة الآن على كل الأصعدة برغم كل محاولات التآمر عليها والتى كان آخرها حادث مسجد الروضة بشمال سيناء.