ترامب يشعل المنطقة.. والإرهابيون يدمرونها.. بقلم عبدالمحسن سلامة
جاء إعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس مشهدا ختاميا للحالة العبثية التى تعيشها المنطقة العربية منذ سبع سنوات بعد أن اندلعت شرارة الربيع العربى التى تحولت إلى صيف ملتهب يحرق المنطقة كلها ويصيبها فى مقتل.
مخطط مرسوم بكل دقة، يتم تنفيذه بمهارة فائقة فى كل مراحله، والبداية من نشر الفوضى فى الدول العربية، وزلزلة كيانها، وإشعال الحروب فيها، وفيما بينها، وتمكين الإرهابيين ومساعدتهم على زعزعة الأمن والاستقرار فى كل ربوع الدول العربية بلا استثناء، خاصة دول المواجهة، لتبدأ بعد ذلك مرحلة التفتيت والتقسيم، وينتهى الأمر بابتلاع الأراضى العربية وضياع القضية الفلسطينية إلى الأبد، وتسليم القدس إلى إسرائيل.
البداية كانت من الفلسطينيين أنفسهم حينما انقسموا على أنفسهم، وأصبح هناك فريق فى غزة، وآخر فى الضفة، وسعى كل فريق لمصالح ضيقة لا معنى لها على الإطلاق، فى ظل الاحتلال الذى يسيطر على الأرض، ويهين العرض، ويستبيح المقدسات، وينتهك الحرمات.. ورغم كل ذلك وقف كل طرف عند أطراف أصابعه فى قطيعة استمرت عشر سنوات كاملة، رافضا تقديم أى تنازلات للطرف الآخر حتى تدخلت مصر، وبذلت المخابرات المصرية جهدا رهيبا فى إذابة الجليد بينهما، وتوقيع اتفاق المصالحة، ورغم ذلك فهناك تلكؤ فى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين.
على الجانب الآخر، نرى اليمن وما يحدث فيه والحرب الأهلية التى تخيم على كل ربوعه، بعد تدخل إيران وإشعال الفتنة فى اليمن الذى كان سعيدا، ودعم الحوثيين للانقلاب على الشرعية، وفى بداية الأمر تحالف صالح معهم، ظنا منه أنهم سيوفرون له الحماية والسلطة، ونسى أنه قد كتب نهايته بالتحالف معهم، فهذه هى النهاية الطبيعية لكل من يتآمر على وطنه وأهله، وهكذا غرق اليمن فى بحر من الدماء وتحول إلى بؤرة صديدية جديدة فى الجسد العربي.
اليمن أصبح نزيفا فى الجسد العربى كله بشكل عام، والجسد السعودى والخليجى بشكل خاص، ولابد من إعادة الأمن والاستقرار إليه، وتمكين الجيش الشرعى وحكومة عبدربه منصور هادى من السيطرة على مقاليد اليمن، وطرد الحوثيين بعد أن عاثوا فسادا فى اليمن، وجعلوه أسيرا لجماعتهم.
ما يحدث فى اليمن يحدث فى ليبيا وسوريا، فالصراع على أشده والجماعات الإرهابية تعيث فسادا، ومخططات التقسيم التى تغذيها المخابرات الأجنبية ودول عربية وإسلامية تسير بسرعة الصاروخ.
فى هذا الجو الخانق خرج ترامب وألقى بقنبلة فى وجه العرب، وهو أقل الرؤساء شعبية فى التاريخ الأمريكى، ويواجه مشكلات داخلية لا حصر لها تهدد استمراره رئيسا للولايات المتحدة، فحاول أن يجد طوق نجاة للهروب من أزماته الداخلية، وذلك بمغازلة اللوبى اليهودى المعروف بنفوذه القوى داخل الأوساط السياسية الأمريكية، ولأنه يعلم حالة الضعف العربى والأزمات المشتعلة فى المنطقة، فكان اختيار التوقيت، وأصر على استكمال خطته رغم كل التحذيرات التى سمعها من الأطراف العربية والإسلامية والأوروبية.
فى عام 1995 تبنى الكونجرس قانونا يحث الحكومة الفيدرالية على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة للدولة الإسرائيلية، وقد مرر الكونجرس هذا القانون بالأغلبية من الحزبين الجمهورى والديمقراطى، ومنذ ذلك التاريخ لجأ الرؤساء الأمريكيون السابقون إلى تأجيل تنفيذ ذلك، ورفضوا نقل السفارة الأمريكية، وذلك بسبب معرفتهم أن القدس لها وضعية خاصة لدى الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وأنها لابد أن تكون ضمن قضايا الحل النهائى بين الجانبين، خاصة أن أمريكا تلعب دور الراعى والشريك فى مفاوضات السلام، والراعى لابد أن يتصف بالحيادية وعدم الانحياز، لأنه لو فعل ذلك فقد مصداقيته، ولا يمكن أن يكون شريكا فى السلام بعد أن أصبح منحازا من أول وهلة للجانب الإسرائيلى على حساب الجانب الفلسطينى.
صحيح أن الواقع يؤكد انحياز أمريكا دائما إلى إسرائيل، وأنها تعتبر إسرائيل طفلها المدلل وتقدم لها كل ما تحتاجه من مساعدات وإعانات وتسليح بلا مقابل، وتحافظ على قوتها الإستراتيجية بما يضمن تفوق إسرائيل عسكريا على جيرانها العرب، لكن رؤساء أمريكا السابقين أرادوا الحفاظ على «شعرة معاوية» مع العرب والفلسطينيين بتأجيل نقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، غير أن ترامب قلب كل المفاهيم كعادته، وقفز فوق كل النتائج، وتحدى الإرادة العربية والعالمية بإعلانه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
هو يعلم حقيقة العجز العربى الحالى، والحالة المتردية التى تعانيها المنطقة العربية بسبب مسلسل الفوضى الذى يجتاح العديد من دولها، وغرق الكثير من هذه الدول فى بحور الحروب الأهلية، وقيام الإرهابيين بأفعالهم الإجرامية الخسيسة، مما يؤدى إلى إضعاف الدول وإنهاكها فى حروب جانبية تزيد متاعبها الاقتصادية.
الإرهابيون يقتلون ويدمرون ويعيثون فسادا فى العديد من دول المنطقة، تحركهم أصابع المخابرات الأجنبية وتمولهم دول وحكومات ارتضت أن تقوم بدور والى عكا بشكل عصرى جديد يتناسب مع طبيعة المرحلة.
الموقف المصرى واضح وصريح طوال الوقت فى مساندة القضية الفلسطينية، فمصر دخلت حرب 1948 من أجل القضية الفلسطينية، ودخلت حرب 1967 من أجل القضية الفلسطينية، وخاضت حرب 1973 من أجل كرامتها الوطنية وأراضيها المحتلة، وأيضا دفاعا عن القضية الفلسطينية، فهى لم ولن تفرط أبدا فى الحق الفلسطينى، ولن تساوم على وحدة وسلامة الأراضى الفلسطينية، وكان آخر جهودها ما بذلته من أجل توحيد الفصائل الفلسطينية، حتى كلل هذا الجهد بالنجاح، ولا تزال تدفع فى هذا الاتجاه، رغم كل المعوقات التى يحاول البعض إثارتها من أجل عرقلة تنفيذ المصالحة كما تم الاتفاق بشأنها.
ولأن الجيش المصرى هو الجيش الوحيد الباقى والقوى والمتماسك من القوى العربية؛ فهناك من يحاولون إضعافه بدعم الإرهابيين والمتطرفين ومساعدتهم على تنفيذ أعمالهم الإرهابية الحقيرة بسيناء، وآخرها ما حدث فى مسجد الروضة فى سيناء، ولعل ما جاء على لسان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان حينما قال: إن دواعش الرقة سوف يذهبون إلى سيناء.. يكشف خيوط المؤامرة ويفضح المتآمرين على مصر وشعبها وجيشها.
من هنا تأتى أهمية التفاف الشعب المصرى حول جيشه وشرطته فى تلك المرحلة لكشف كل خيوط التآمر، حتى تتعافى مصر وتصبح قادرة على وقف المؤامرة الكبرى التى تجتاح العالم العربى وتستهدف تقسيمه وتفتيته إلى دويلات.