أيام وليال في بغداد بعد هزيمة داعش .. بقلم عبدالمحسن سلامة

صادف وجودي فى بغداد إعلان ذكري النصر علي «داعش» وهزيمته فى معركتها الأخيرة، وسيطرة قوات الجيش العراقي علي آخر معاقلهم وبسط نفوذه علي الشريط الحدودي بين العراق وسوريا.

ذهبت إلي هناك لحضور اجتماعات اتحاد الصحفيين العرب، والحق أنني كنت ذاهبا إلي بغداد مترددا بسبب الأحداث هناك، وتعقيداتها الداخلية والخارجية، فالعراق واقع بين سندان الداخل ومطرقة الخارج، وتلك هي قمة المأساة.

أزمات الداخل كثيرة ومتعددة نتيجة الخلافات العرقية والمذهبية، حيث نجحت قوات الغزو الأمريكي فى إشعال فتيل الطائفية هناك، وبدأت دعوات الانفصال تدب فى الجسد العراقي الواحد فور قدوم الغزو عام 2003 الذي أشعل نيران الفتنة بين أبناء الشعب العراقي الواحد حتي انتهت بإعلان إقليم كردستان الرغبة فى الانفصال، وترجم ذلك إلي استفتاء شعبي نتج عنه تأكيد الانفصال، ثم تدخلت الحكومة المركزية، ومنعت الطيران، واتخذت العديد من الإجراءات العقابية ضد سلطات الانفصال، ومنها دخول قوات الجيش العراقي كركوك، معقل النفط والطاقة ،لتهدأ نيران الانفصال إلي حين.

علي الجانب الآخر هناك أزمة مكتومة بين السنة والشيعة تظهر وتختفي من حين إلي آخر، حيث أسهمت الحكومات المتعاقبة منذ الغزو الأمريكي فى إشعال نيران الطائفية، وقد نجحت فى ذلك إلي حد كبير، وباتت التفجيرات والاغتيالات لغة يومية فى العراق حتي جاء رئيس الوزراء الحالي د.حيدر العبادي واستطاع إعادة الهدوء والاستقرار بدرجة كبيرة، وأخمد نيران الطائفية بعد أن انتهج لغة محايدة فى خطابه السياسي، وفي الطريق نفسه سارت سياسته وقراراته، ونجح إلي درجة معقولة فى تهدئة مخاوف السنة، وإعادة العراق إلي محيطه العربي بعيدا عن الاستقطاب الإيراني الحاد، وإن كان النفوذ الإيراني لايزال مصدر قلق شديد حتي الآن هناك، والمشكلة الأساسية التى تواجهه تكمن فى التشكيلات المسلحة التي تم تشكيلها وتعتمد كلها علي علاقاتها بإيران، من حيث توفير التمويل والتدريب والتسليح.

 

منذ نحو 37عاما بدأت أزمات العراق حينما اندلعت الحرب العراقية ـ الإيرانية فى سبتمبر1980، واستمرت حتي أغسطس 1988 مما جعلها من أطول الحروب التقليدية فى القرن العشرين، وأدت إلي مقتل ما يقرب من المليون شخص من الجانبين، وبلغت خسائرها المالية أكثر من 1.19 تريليون دولار أمريكي.

 

استخدم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين هذه الحرب لابتزاز دول الخليج فى مواجهة النفوذ الإيراني، إلا أنه بعد أن وضعت تلك الحرب أوزارها لم يهدأ صدام حسين ويتجه إلى إعمار بلاده وتعويض خسائرها، لكنه صوب نيرانه إلى الحلفاء الذين كانوا معه فى حربه ضد إيران، وكانت البداية والنهاية هي دولة الكويت حينما قام بغزوها فى أغسطس 1990 تحت مزاعم أن الكويت تقوم بالتنقيب غير المرخص عن النفط فى الجانب العراقي من حقل الرميلة المشترك بين الدولتين.

قام صدام بفعلته المجنونة وقامت الدنيا ولم تقعد طوال فترة الاحتلال العراقي للكويت التي استمرت حوالي 7 شهور حتي انتهت بالتدخل الدولي وتحرير الكويت فى فبراير.1991

كانت خطة القضاء علي العراق جاهزة ومعدة سلفا، وبدأ التحرش الأمريكي بالعراق تحت ادعاءات ومسميات عديدة أبرزها وجود الأسلحة النووية العراقية، ورغم سماح العراق لوكالة الطاقة النووية بالتفتيش، وفتح المفاعلات العراقية أمامها، والسماح لها بالتحرك والتفتيش بحرية مطلقة، إلا أن خطة التخلص من العراق كانت جاهزة، وصدرت الأوامر بغزو العراق فى مارس عام 2003، وتسببت هذه الحرب فى أكبر خسائر بشرية فى المدنيين فى تاريخ العراق، واستمر الاحتلال الأمريكي للعراق رسميا حتي تم إنزال العلم الأمريكي فى بغدادفي 18 ديسمبر فى عام 2011 بعد اشتعال ثورات الربيع العربي والمثير أن غدا الاثنين تحل ذكري رحيل القوات الأمريكية عن العراق.

ربما تكون مصادفة أن يشهد شهر ديسمبر منذ 6 سنوات رحيل القوات الأمريكية، وفي الشهر نفسه هذا العام يشهد شهر ديسمبر أيضا سقوط آخر معاقل داعش وتحرير كامل أراضي العراق منه.

الأمر المؤكد أن هناك علاقة وثيقة بين الغزو الأمريكي للعراق وظهور النزعات القبلية والعشائرية والمذهبية، وكذا ظهور داعش الذي ظهر تحت حماية من الغطاء الطائفي والمذهبي والديني علي غرار كتائب المجاهدين فى أفغانستان والتي تحولت إلى قنابل متفجرة هناك وفي باقى بلدان العالم الإسلامي.

ساهمت قوات الغزو الأمريكى فى تأجيج المشاعر الطائفية والمذهبية والدينية باعتبار أن ذلك يدخل ضمن سياسة «فرق تسد» من أجل أن تستطيع القوات الأمريكية الغازية بسط سيطرتها ونفوذها علي العراق بواسطة العراقيين أنفسهم، وفوق أشلاء جثثهم التي تمزقت بالاقتتال الداخلى والتفجيرات والأعمال الإرهابية.

استمر هذا الوضع المأساوي فى العراق حتي جاءت حكومة د.حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الحالي الذي انتهج سياسة متوازنة، وتمسك بالعراق الموحد لكل العراقيين، وبدأ فى دمج قوات الحشد الشعبي والميليشيات الأخري فى القوات المسلحة العراقية لتكون تحت سيطرة الدولة بعد أن كانت خارج السيطرة وتكاد تكون دويلات مستقلة داخل الدولة.

سياسة العبادي الداخلية أعادت هيبة الدولة، كما أنه حاول إعادة وجه العراق العربي بعيدا عن هيمنة واستقطاب إيران، وقام بالعديد من الزيارات

Back to Top