لحظة خروج العملاق من تحت الأرض .. ونهاية الإرهاب من سيناء .. بقلم عبدالمحسن سلامة

فجأة وفى أثناء كلمة اللواء أحمد فودة مساعد رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، فى بداية احتفالات مصر بافتتاح 4 أنفاق دفعة واحدة أسفل قناة السويس لتنتهى عزلة سيناء إلى الأبد حدث نوع من الهمهمات والأحاديث الجانبية مع شعور بالقلق بدأ يتسرب إلى الجالسين فى المنصة.

كان إلى جوارى اللواء عادل ترك رئيس الهيئة العامة للطرق والكباري، وسألته ماذا يجري؟ وهل هناك شيء ما يحدث؟ رد ضاحكا: لا شيء.. فقط سوف يخرج الحفار العملاق أمامنا الآن.. هنا حبست أنفاسي، وحاولت تمالك نفسي، وإخفاء قلقى وسألته: كيف يمكن أن يحدث هذا؟ وهل المنصة سوف تتحمل ذلك؟!.

منصة العرض كان أمامها حوض مائي، والمخطط أن يخرج الحفار العملاق من تحت الأرض ليعلن نهاية حفر آخر الأنفاق الأربعة، والحوض المائى تم تصميمه ليخرج فيه الحفار ضمن شروط فنية وهندسية معقدة تستلزم وجوده فى بعض الحالات، مع وجود حالات أخرى يمكن أن يكون الحوض جافا طبقا لاشتراطات معينة، وطبقا لظروف كل حالة.

مفاجأة خروج الحفار العملاق لم تتم إذاعتها على الحضور، ولم يكن قد تم التنبيه لها قبل الاحتفال، لكن ثبات وثقة اللواء أحمد فودة واستكماله الشرح أعطى الثقة والاطمئنان للحاضرين، وبعد أن انتهى من كلمته وشرحه، خرج المذيع الموهوب شريف فؤاد ليدعو الرئيس عبدالفتاح السيسى والسادة الحضور لمعايشة اللحظة التاريخية، وخروج ماكينة الحفر العملاقة إلى الحوض المائى بعد أن أكملت مهمتها فى حفر أحد الأنفاق المقرر افتتاحها اليوم.

قام الرئيس عبدالفتاح السيسى ومعه الحضور لمشاهدة لحظة خروج الحفار العملاق من تحت الأرض.. لم يكن أمامنا سوى حائط خرسانى وأمامه حوض مائي، وكل الحاضرين وقفوا على السور أمام الحوض، ثم بدأت الإرهاصات بانهيار جزئى للحائط الخرساني، وظهور تصدعات وتشققات فيه، وبدأت الانهيارات والتصدعات تزيد شيئا فشيئا، حتى بدأت أجزاء من الحفار تظهر، واستمر هذا الوضع لمدة تقترب من 15 دقيقة حتى انهار الحائط تماما، وظهرت واجهة الحفار العملاق ليستقبله الحاضرون بالهتاف والتصفيق، ثم بعد ذلك شاهدنا بابا يفتح ويخرج منه مهندس مصرى يحمل علم مصر بين يديه ليحيى الرئيس والحاضرين، ويبادله الحضور التحية بأحسن منها وسط روعة المشهد والإنجاز.

الحفار ليس ماكينة حفر عادية، فهو عبارة عن مبنى متكامل تحت الأرض ويحمل فى بطنه العديد من المهندسين والعمال والفنيين، ولأول مرة استطاعت مصر شراء هذه الماكينات العملاقة ليبدأ عصر تمصير صناعة الأنفاق فى مصر، حيث تم التعاقد على شراء 4 ماكينات عملاقة فى نوفمبر 2015 من كبرى الشركات الألمانية المتخصصة كاملة بالمعدات والأجهزة المساعدة لتكون هذه الماكينات مملوكة بالكامل للقوات المسلحة المصرية لترشيد تكلفة التنفيذ، وامتلاك القدرة على تنفيذ أى مشروعات أخرى فى أى وقت وفى أى مكان، كما تم التعاقد مع الشركات والمكاتب العالمية المتخصصة لتقديم الاستشارات الفنية والهندسية اللازمة.

وفى إطار خطة تمصير صناعة الأنفاق تم تجميع ماكينات الحفر العملاقة بايدى المهندسين والفنيين، والعمال المصريين بدءا من نوفمبر 2015 وحتى مايو 2016، وتم بدء أعمال الحفر باستخدام ماكينات الحفر فى يونيو 2016 بأنفاق شمال الإسماعيلية، ثم الماكينة الثانية فى نفس المنطقة فى أغسطس 2016، ثم دخول الماكينة الثالثة والرابعة بانفاق جنوب بورسعيد فى نوفمبر وديسمبر 2016 على التوالي، وتتكون كل مجموعة أنفاق من نفقين للسيارات يضم كل منهما حارتين مروريتين فى كل اتجاه، ويبلغ طول النفق الواحد فى الإسماعيلية 5820 مترا، منها 4830 مترا باستخدام ماكينات الحفر، و990 مترا حفرا مكشوفا، بينما يبلغ طول النفق الواحد بجنوب بورسعيد 3920 مترا منها 2851 مترا باستخدام ماكينات الحفر، و1069 مترا باستخدام الحفر المكشوف.

تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى ليوضح حجم الإنجاز الضخم الذى حدث فى هذا المشروع العملاق وفخره بالشركات المصرية وقدرتها على الإنجاز فأشار إلى أن هناك 4 شركات مصرية قامت بهذه الإنجاز الضخم بنسبة 100% وبمهندسين وخبراء وفنيين مصريين، مشيرا إلى أن وقت التنفيذ كان قياسيا بكل معنى الكلمة، وفى الوقت الذى تم إنشاء نفق الشهيد أحمد حمدى فى فترة طويلة تم إنجاز مجموعة الأنفاق الأربعة فى وقت قياسى لم يتجاوز العام ونصف العام فى حين كان مقررا أن تتم هذه الأعمال فى 12 سنة على الأقل, والأهم من ذلك كله بداية عصر تمصير صناعة الأنفاق, حيث من المقرر أن يتم استخدام ماكينات الحفر التى أصبحت مصرية لحفر الخطوط الجديدة من مترو الأنفاق للتوسع بأقصى قدر ممكن فى شبكة مترو الأنفاق لتخفيف التكدس والازدحام والتسهيل على المواطنين فى تحركاتهم وانتقالاتهم بعد أن أصبح المترو من أفضل وسائل النقل الآن فى مصر.

بعد خروج الحفار وانتهاء العرض انتقل الرئيس إلى موقع آخر ليشهد إنجازا جديدا لنكون ضمن مجموعة رافقت الرئيس للمرور فى أحد الأنفاق التى تم الانتهاء من حفرها وجاهزة الآن للبدء فى أعمال الرصف والتجهيز تمهيدا للسير فيها والاستخدام.

كان اللواء محسن عبدالنبى مدير إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة يقوم بحركة مكوكية كعادته فى الترتيب والأعداد والتنظيم، حيث يصر على أن يسير كل شيء بدقة متناهية وانضباط تام كعادة القوات المسلحة، وقد اصطحبنا حتى مكان الأتوبيس المخصص لنا، وشرح أبعاد وطول النفق, والمسافة التى سوف نقطعها فيه, ثم بعد ذلك عبرنا إلى الضفة الأخرى لحضور افتتاح كوبرى الشهيد أحمد منسي.

سألت الوزير هشام عرفات وزير النقل عن الضمانات الفنية فى هذه الأنفاق واحتمالات التسريب كما حدث فى نفق الشهيد أحمد حمدي، ومدى تأثير هذه الانفاق على احتمالات زيادة الأعماق فى القناة؟!

بكل ثقة أجاب الوزير: الوضع الآن مختلف تماما، فالتكنولوجيا الآن متقدمة للغاية عما كانت عليه وقت حفر نفق الشهيد أحمد حمدي، وهى المشكلة الموجودة فى أنفاق كثيرة فى لندن وباريس، نظرا للفارق فى التكنولوجيا المستخدمة الآن، والتكنولوجيا التى تم استخدامها فى حفر نفق الشهيد أحمد حمدي، وحفر الأنفاق الجديدة.

الأنفاق الحالية حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على استخدام أفضل وأحدث المعدات الفنية والتكنولوجية، وبالتالى فإن فرص التسريب تكاد تكون معدومة تماما، كما تم حفر الأنفاق على أعماق تسمح بزيادة أعماق القناة دون تأثير، وكلها حسابات تم وضعها بدقة قبل البدء فى هذه المشروعات العملاقة.

ما يحدث على أرض سيناء له علاقة وثيقة بالحرب على الإرهاب واجتثاث جذوره من هناك ومن كل شبر فى أرض مصر، وكما أكد الرئيس «هنعمرها يعنى هنعمرها».. وهو التعبير العفوى والواضح الذى أطلقه الرئيس فى الاحتفال مؤكدا أنه لاداعى للقلق على الإطلاق.

معركة مصيرية تجرى على أرض سيناء الآن من أجل التعمير ونشر الرخاء، وفى نفس الوقت اجتثاث الإرهاب من جذوره ورسالة واضحة بأن الإرهاب لن يعطل التعمير والإنجاز.

على الجانب الآخر فقد أكد لى مصدر أمنى رفيع المستوى أن الحرب على الإرهاب فى مراحلها الأخيرة، وأن القضاء على الإرهاب بات مسألة وقت قصير، وأن ما يحدث الآن فى سيناء أو الأماكن الأخرى هو عبارة عن عمليات للذئاب المنفردة، والجماعات المنفصلة المغيبة العقول، والتى فقدت عقلها وهويتها، وتقوم بأعمال إرهابية دون وعى أو ادراك لخطورة ما تفعله، مشيرا إلى أن عدد الإرهابيين فى سيناء ليس كما يتصوره البعض، وأنهم لا يتجاوزون عدة مئات، وليسوا أكثر من ذلك، وأشاد فى نفس الوقت بروح التعاون من جانب أبناء سيناء ومساندتهم لقواتهم المسلحة والشرطة فى حربها ضد الإرهاب.

وأكد المصدر الأمنى أن ما يجرى من خطوات جبارة فى تعمير سيناء سوف يقلب الموازين تماما فى هذه البقعة الغالية من أرض مصر، حيث سيتم دحر الإرهاب والإرهابيين إلى غير رجعة غير أن الأمر يستلزم تضافر كل الجهود للتعاون مع رجال الشرطة والجيش للتصدى ضد العناصر الإجرامية والإرهابية وكشف الغطاء عنهم، وفضح ممارستهم، والإبلاغ عن أى تحركات مشبوهة داخل وخارج سيناء، مشيرا إلى التضييق الحاد على الإرهابيين هناك وتجفيف منابع التمويل لهم من الخارج والداخل جعلهم يفقدون صوابهم ويحاولون ارتكاب جرائمهم الخسيسة، وهناك إصرار تام من رجال القوات المسلحة والشرطة على مطاردة تلك العناصر الضالة، والقضاء عليهم، وتقديم من يتم ضبطه إلى الجهات القضائية لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم.

التعاون التام بين القوات المسلحة والشرطة هو صمام الأمان، ومن خلال هذا التعاون تدور ملحمة كبرى على أرض سيناء وعلى أرض مصر كلها لاجتثاث جذور الإرهاب من كل شبر من أرض مصر كلها.

يساعد فى هذا ما يتم من مشروعات تنمية عملاقة على أرض سيناء وفى مدن القناة، وكان آخرها ما تم افتتاحه من أنفاق وكبارى تسهم فى نهاية عصر العزلة عن سيناء، وتقوم بتسهيل حركة التنقلات البشرية والتجارية بين سيناء وباقى محافظات مصر.

ملحمة كبرى تدور على أرض سيناء يتكامل فيها التعمير بالحرب على الإرهاب، والأهم من كل هذا هو تأكيد ثقة المصريين فى أنفسهم وفى قواتهم المسلحة وشرطتهم الوطنية لتظل سيناء أرض الفيروز ولؤلؤة مصر الغالية والعزيزة على قلب وعقل كل مصرى شريف.

 

 

Back to Top