درة مصر المهجورة تعود إليها الحياة! بقلم عبدالمحسن سلامة

كنت فى لقاء منذ أيام مع مصدر رفيع المستوي، وحينما تطرقنا إلى الحديث عن أوضاع سيناء أكد لى أن الأمور هناك تحت السيطرة، وأن وعد الرئيس باجتثاث الإرهاب من هناك جار تنفيذه بكل دقة وحسم، لكن إلى جوار ذلك لابد أن تكون هناك خطة طويلة الأمد لكى تكون سيناء هى درة تاج مصر ومستقبلها الاقتصادى والعمراني، مشيرا إلى أن الرئيس يسير فى المسارين بالتوازي، ومن هنا كانت سعادتى حينما تابعت ما قام به الرئيس يوم الخميس الماضى مع د. مصطفى مدبولى القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء وزير الإسكان والمرافق بمناقشة إستراتيجية تنمية سيناء من أجل الإسراع بالانتهاء منها فى أقرب وقت ممكن وبدء التنفيذ.

للأسف الشديد عانت سيناء الإهمال والتجاهل لفترات تاريخية طويلة حتى جاء الاحتلال الإسرائيلى لها لينبهنا إلى أهميتها وحيويتها، وبعد تحريرها بدأت خطوات محدودة لتنميتها، والاستفادة من عبقرية مكانها، وسحر شواطئها كما كانت تفعل إسرائيل وقت احتلالها لها، لكن ظلت هذه الخطوات محدودة وضعيفة، حيث تبلغ المساحة الكلية لشبه جزيرة سيناء نحو 61 ألف كيلو متر مربع، أى ما يقارب 6% من إجمالى مساحة مصر البالغة مليون كيلو متر مربع.

 

كان من الطبيعى أن يبلغ عدد سكان سيناء 6 ملايين نسمة لتتناسب نسبة المساحة مع عدد سكان مصر الإجمالى الذى يزيد الآن على المائة مليون نسمة، إلا أن عدد السكان الآن لا يتجاوز 650 ألف نسمة على أكثر تقدير، حيث يبلغ عدد سكان شمال سيناء طبقا لتقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء نحو 455 ألفا و517 نسمة، فى حين يبلغ عدد سكان محافظة جنوب سيناء 173 ألفا و260 نسمة، أى أن مجموع سكان المحافظتين نحو 628 ألف نسمة، أى أقل من 4/3 مليون نسمة فى الوقت الذى كان يجب ألا يقل عدد السكان عن 6 ملايين نسمة.

تحد خطير لابد من مواجهته، فلا يمكن أن يتم ترك سيناء نهبا للفراغ، ولن يكون هناك جذب للسكان إلا بإقامة المشروعات الصناعية والاستثمارية المختلفة لجذب الأيدى العاملة وتوطينها داخل مناطق عملها مما يسهم فى تعديل الخريطة السكانية وملء الفراغ القاتل هناك.

هذا الفراغ السكانى يجعل سيناء مطمعا للآخرين وملاذا آمنا للإرهابيين، فمن جانب هناك محاولات مستميتة من إسرائيل لجعل سيناء الوطن البديل للفلسطينيين منذ عصر الرئيس الأسبق مبارك، والذى تصدى له بقوة ورفضه بشكل مطلق، ثم تجدد الطلب فى عصر الإخوان ولم يكن هناك موقف حاسم ضده مما جعله يعود إلى الواجهة من جديد، حتى قامت ثورة 30 يونيو وكان الموقف الواضح والصريح من الرئيس عبدالفتاح السيسى بعدم التفريط فى ذرة رمل واحدة من أراضى مصر فى سيناء أو غيرها.

على الجانب الآخر فإن الفراغ السكانى أيضا جعل سيناء وكرا للإرهابيين وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر، وهى المعركة الفاصلة التى تقودها القوات المسلحة والشرطة الآن لتطهير سيناء منهم ومن كل أشكال الجريمة، ومن أجل ذلك تقوم بمسح برى شامل لكل شبر من سيناء مما يتطلب جهدا هائلا وتمويلا ضخما لكى تستطيع استكمال مهمتها فى تلك المناطق الشاسعة والمعقدة جغرافيا وسكانيا.

مهما يكن الثمن لابد أن تنتهى مقولة أن سيناء أرض بلا شعب، ولن يكون ذلك إلا بتنمية سيناء وقدرتها على استيعاب ملايين من سكان مصر، فالتعمير وحده هو القادر على صد أطماع الآخرين وتطهيرها من دنس الإرهابيين والقتلة والمجرمين من جميع الأشكال والألوان.

مخطط تنمية سيناء بدأ بانشاء أربعة أنفاق دفعة واحدة أسفل قناة السويس، والتى قام الرئيس بتفقد أحدها خلال الأسابيع الماضية، وشهد الانتهاء من أعمال الحفر وخروج ماكينة الحفر منه أمام كل الحاضرين، ويوم الخميس الماضى خرجت ماكينة حفر ثانى أنفاق بورسعيد بمنطقة الكيلو 17 إيذانا بانتهاء الحفر أسفل القناة، وبدء العمل فى مداخل ومخارج النفقين تمهيدا لافتتاحهما لعبور السيارات بين ضفتى القناة فى يونيو المقبل.

 

حقق المصريون معجزة هندسية بإنشاء الانفاق أسفل قناة السويس متغلبين على كل الصعوبات التى واجهتهم فى اثناء العمل، والأهم هو فترة التنفيذ القياسية التى فاقت كل التوقعات، بما فيها توقعات الشركات الكبرى العالمية التى تعمل فى هذا المجال.

الرئيس السيسى يتابع خطة تعمير سيناء مع الدكتور مصطفى مدبولى القائم باعمال رئيس الوزراء

ما حدث من إنجازات فى حفر الأنفاق أسفل القناة هو البداية الطبيعية لمخطط تنمية سيناء الذى تقوم الحكومة الآن بإعداده، ويقوم الرئيس بمتابعة خطوات الانتهاء منه والذى يشمل التوسع فى الأنشطة الزراعية والصناعية والتعدينية فى سيناء، بالإضافة إلى إنشاء العديد من المدن والتجمعات السكانية الجديدة، والانتهاء من القرى الجارى إنشاؤها الآن، وكذلك وضع مخطط عام لمشروعات الطرق والمرافق الأساسية التى سوف تخدم جميع هذه المشروعات، وتسهم فى الارتقاء بالظروف المعيشية للأهالي.

هناك فرصة عظيمة فى سيناء لإقامة المشروعات الزراعية و الصناعية والتعدينية، ولابد أن تفكر الحكومة جيدا فى طرح المزيد من حوافز الاستثمار فى سيناء، وربط تلك الحوافز بالقدرة على استيعاب أكبر قدر ممكن من العمالة، وتوطين تلك العمالة، وتوفير مستلزمات الحياة لهم من صحة وتعليم وخدمات.

هناك أعمال حكومية واستثمارية تم تنفيذها خلال السنوات الماضية لتعمير سيناء، لكن الأمر يتطلب رؤية أشمل وأعم، وهو ما يقوم به الرئيس عبدالفتاح السيسى الآن فى إعداد المخطط الجديد لتنمية سيناء وإطلاقه فى أقرب فرصة ممكنة.

هناك أفكار كثيرة يمكن طرحها فى هذا الإطار أبرزها ما يلي:

أولا: إعادة إحياء مشروعات قرى الخريجين والاستفادة من الخبرة القديمة فى هذا المجال، وتفادى الأخطاء السابقة، وذلك بإقامة شركات أو جمعيات للشباب تشرف على تلك الكيانات، وتقوم بحل مشكلاتها الإنتاجية والتسويقية والسكنية.

هذه المشروعات يمكن أن تستوعب أعدادا كبيرة من الشباب الراغب فى العمل والباحث عن السكن والاستقرار.

ثانيا: منح المشروعات الصناعية امتيازات ضريبية وحوافز إضافية بشرط أن تكون تلك المشروعات كثيفة العمالة، وتقوم بتوفير السكن للعمال، وتوفير متطلبات الحياة لهم من تعليم وصحة.

ثالثا: تشجيع الاستثمار فى المجال السياحى وربط الحوافز والتيسيرات فى هذا المجال بتوفير إسكان للشباب الراغب فى الاستقرار هناك.

كل هذه الأفكار وغيرها تهدف إلى تشجيع جذب السكان إلى سيناء لكى تستحوذ على نسبتها العادلة من عدد السكان، لتصل إلى ستة ملايين نسمة على الأقل طبقا لخطة زمنية محددة وواضحة حتى وإن طالت بعض الوقت.

المؤكد أن الحكومة تبذل جهودا جبارة، وأن هناك استثمارات ضخمة يتم ضخها الآن فى تنفيذ البنية الأساسية، وأهمها الكبارى والأنفاق والطرق لأنها عماد التنمية، فلا يمكن أن يكتب النجاح لأى تطور اقتصادى إيجابى إلا بالبنية التحتية القوية والمتكاملة، وهو ما تسير فيه مصر الآن بقوة منذ بداية ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسي.

المشوار طويل، والمهم أن نبدأ وهو ما يحدث الآن على أرض الواقع، لكى تنتهى عزلة سيناء إلى الأبد وتصبح الرئة التى يتنفس منها كل المصريين.

Back to Top