المعايير العشرة فى الانتخابات الرئاسية .. بقلم عبدالمحسن سلامة
يوم السبت المقبل ينطلق ماراثون الانتخابات الرئاسية؛ كما أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، ومن المقرر أن تكون أولى خطواته تلقى طلبات الترشح لمدة 10 أيام، حيث حدد الدستور آلية الترشح لرئاسة الجمهورية بأنه «يشترط لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يزكى المترشح عشرون عضوا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى خمس عشرة محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها، وفى جميع الأحوال لا يجوز تأييد أكثر من مترشح، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون».
حتى الآن هناك أسماء مرشحة فقط، ولا نعرف على وجه اليقين من سيقوم بالترشح ومن يظل فى دائرة التكهنات فقط، وأعتقد أنه خلال هذا الأسبوع سوف يتضح الموقف بشكل كامل، ويتم إعلان المواقف بشكل أكثر تحديدا بالنسبة لمن سوف يقوم بالترشح فعلا خلال الأسبوع المقبل.
ولحين إعلان المواقف أو إعلان أسماء المرشحين فى شكلها النهائي؛ أعتقد أن هناك قضايا رئيسية تشغل بال الناخبين فى أثناء الحديث عن الانتخابات الرئاسية التى هى الآن همّ ثقيل وعبء تنوء بحمله الجبال فى ظروف داخلية وإقليمية صعبة ومعقدة منذ اجتياح ثورات الربيع العربى التى تحولت إلى خريف قاس ومدمر للمنطقة، وبالتالى فإن القدرة على مواجهة التحديات هى العنصر الحاسم فى الاختيار، وفى رأيى أن هناك محددات عشرة تدخل ضمنها تفاصيل كثيرة يجب أن تحكم اختيار الناخب للرئيس المقبل لمصر قبل أن يدلى بصوته ويرضى ضميره.. ولعل أبرزها ما يلي:
أولا: القدرة على تأمين المواطنين وأملاكهم وحياتهم وأولادهم معيار مهم وخطير فى اختيار الرئيس المقبل، ولابد من استكمال المشهد وإعادة الانضباط إلى الشوارع بعيدا عن الفوضى والعشوائية، لأن انضباط الشارع هو عنوان انضباط الدولة، والفرق بين الدول المتخلفة والمتقدمة هو الانضباط فى الشوارع بدءًا من احترام قواعد المرور مرورا باحترام الأرصفة والطرقات وانتهاءً بتطبيق القانون على الجميع كبيرا كان أو صغيرا.
ثانيا: الجيش الوطنى القوي.. فبناء جيش وطنى قوى من أهم المحددات فى اختيار الرئيس المقبل، فلا يمكن أن يتحقق الأمن الداخلى إلا بجيش وطنى قوى يحافظ على حدود الدولة، ويؤمن احتياجاتها داخليا وخارجيا، ولقد كان الجيش المصرى دائما وأبدا فى طليعة الجيوش العربية والإقليمية بفضل جنود مصر البواسل الذين أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا. حيث قال «إذا فتح الله عليكم مصر فاستوصوا بأهلها خيرًا فإن فيها خير جند الله».
ولأن الجيش المصرى جيش وطنى عظيم؛ فهو دائما منحاز إلى إرادة شعبه، حارسا أمينا على مقدرات الشعب داخليا وخارجيا، ومن الضرورى تقديم كل أوجه الدعم والرعاية للقوات المسلحة لكى تظل محافظة على تفوقها العربى والإقليمي، ويكفى مصر فخرا أن جيشها الآن من أقوى وأفضل 10 جيوش على مستوى العالم، وأيا كان حجم التكلفة فلابد أن يؤمن الرئيس المقبل بقواته المسلحة وضرورة تفوقها وجاهزيتها لكل الظروف والاحتمالات.
ثالثا: الإصلاح الاقتصادي.. ظل الإصلاح الاقتصادى متأرجحا لفترة طويلة بين السير فيه أو التراجع عنه، مما أدى إلى تزايد وتراكم الأزمات بشكل قاتل، وكان لابد من المواجهة، فلم يعد مستساغا الاستسلام للمثل الشعبى السيئ «عيشنى النهاردة وموتنى بكرة»، فقد جاء «بكرة» ولابد من مواجهته، ولم تعد تلك السياسة صالحة، لأن فيها الهلاك والدمار والخراب، ومن هنا كانت أهمية قرارات الإصلاح الاقتصادي، ولابد من استكمال مسيرة الإصلاح فى إطار خطوات كلية تستهدف تحويل الاقتصاد المصرى من الاقتصاد شبه الريعى إلى الاقتصاد الإنتاجي، وإيجاد منظومة ضريبية عادلة بعيدا عن النظام الضريبى المشوه المتوارث منذ زمن طويل الذى يؤدى إلى فقدان ما يقرب من 480 مليار جنيه سنويا تكفى لتمويل الإصلاح الاقتصادى والاستغناء عن القروض الداخلية والخارجية، وإلى جوار ذلك لابد من استكمال منظومة الحماية الاجتماعية لتخفيف العبء عن المواطنين البسطاء من محدودى الدخل والطبقة المتوسطة، ولعل برنامج «تكافل وكرامة» وغيره من برامج حماية الفقراء من أبرز النماذج فى هذا الصدد، وتحتاج إلى تنقية واستكمال لكى تشمل الشرائح المستهدفة.
رابعا: البنية التحتية.. لا تقدم ولا إصلاح اقتصادى دون بنية تحتية قوية وحديثة، هكذا علمتنا تجارب الشعوب، فالصين وماليزيا وإندونيسيا والهند، وغيرها من الدول التى كانت أسوأ حالا من مصر بدأت بإقامة بنية تحتية قوية فى الطرق والكبارى والصرف الصحى والمياه والكهرباء والغاز، وغيرها من أعمال البنية التحتية اللازمة للتوسع فى مشروعات الإسكان والمشروعات الصناعية والزراعية وجذب الاستثمار المحلى والأجنبى، وخلال الفترة الماضية شهدت مصر ثورة هائلة فى البنية التحتية شملت الطرق والكبارى والأنفاق، ومشروعات المياه والكهرباء والصرف الصحي، ولابد من استكمال تلك المنظومة لمضاعفة مساحة مصر المأهولة، فلا يمكن لدولة بحجم مصر (أكثر من 100 مليون نسمة) أن تظل محصورة فى 7% من أراضيها وتترك 93% نهبا للفراغ، ومن هنا كانت أهمية الخطوات الجبارة التى تم اتخاذها فى هذا الإطار، حيث من المتوقع أن تتم مضاعفة المساحة المعمورة إلى 14% بحلول عام 2030 طبقا لرؤية مصر 2030 التى تم وضعها لأول مرة لتكون استراتيجية دائمة لمصر بعيدا عن تغييرات الوزراء والحكومات.
صيانة البنية التحتية والحفاظ عليها لا يقلان أهمية عن عملية إنشائها حتى نضمن استمراريتها بنفس كفاءتها وقوتها.
أظن أن الرئيس المقبل يحتاج إلى استكمال تلك المنظومة، لأنها هى القاطرة التى سوف تقود الاقتصاد المصرى كله.
خامسا: الإسكان والمياه.. استطاعت مصر أن تقطع مسافة كبيرة فى مجال توفير الإسكان وتنويعه لكل الشرائح، سواء كانت شريحة غير قادرة مثل الأسمرات وغيط العنب، أو الإسكان االاجتماعى للأقل دخلا ودار مصر للشرائح المتوسطة، وهكذا كان التنويع فى إقامة المساكن ضرورة لإشباع حاجة الشرائح المختلفة من المواطنين، والأهم هو توفير مسكن صحى لائق للحياة الكريمة فى كل المستويات، وإذا كان حلم إنجاز المليون شقة قد تحقق بالزيادة، فإن الطريق لا يزال طويلا للتخلص من سرطان العشوائيات، وعدم إقامة عشوائيات جديدة لتعود مصر جميلة وراقية كما كانت قبل زحف العشوائيات والتعديات عليها.
أما ملف المياه فهو الملف الأخطر على الإطلاق، وللأسف الشديد كان تفاقم مشكلة سد النهضة الإثيوبى هو أحد التداعيات الكارثية لثورة 25 يناير، حيث استغل الجانب الإثيوبى مشكلات مصر الداخلية وبدأ تنفيذ السد الإثيوبى دون تشاور، وللأسف ذهبت وفود شعبية ثورية إلى هناك تبارك ذلك، وحتى الآن تراوغ إثيوبيا فى هذا الملف، مما يجعل كل الخيارات مفتوحة.
حصة مصر المائية لا تكفيها، ومصر تعانى الشح المائى، وقد بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسى اتخاذ خطوات ضخمة نحو إقامة مشروعات عملاقة لتحلية المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحى إلى جوار التفاوض مع الجانب الإثيوبى حول المشكلات المحتملة لسد النهضة، فمصر مع التنمية الإثيوبية، ولكنها تتمسك بحقها التاريخى فى المياه التى لا تحتمل المساس به تحت أى مسمي.
هذا الملف الشائك يحتاج إلى استكمال خلال السنوات الأربع المقبلة كى نطمئن على مستقبل التنمية فى مصر، فالمياه قضية حياة أو موت بالنسبة لكل المصريين، وتأمينها هو تأمين لمستقبل الأجيال القادمة.
سادسا: الدولة المدنية العصرية الديمقراطية الحديثة.. هو حلم ظل يراودنا منذ أن كان ضمن مبادئ ثورة 23 يوليو، وكان ضمن مبادئ الثورة الستة التى كنا نحفظها عن ظهر قلب ضمن كتب التاريخ، وما زلنا نتذكر أنها كانت إلى جوار جدول الضرب على خلفية «الكراسات والكتب المدرسية».
صحيح أن مصر قطعت شوطا مهما فى هذا المجال، غير أن الطريق لا يزال طويلا، ولن يتحقق هذا الحلم إلا من خلال إصلاح داخلى حقيقي، بعيدا عن الثورات التى أدت إلى هذا المأزق العنيف الذى تواجهه دول ما سمى بـ «الربيع العربى»، التى استطاعت مصر، بفضل الله أولا، ثم شعبها وجيشها النجاة منه، ولذلك فإن الدعوة إلى تكرار الثورات تستهدف هدم كيان الدولة وتمزيقها وتشتيتها، كما يحدث فى ليبيا وسوريا واليمن الآن، ولا حل إلا بإصلاح تدريجى يستهدف تحقيق هذا الحلم الذى لا خلاف حوله.
مصر منذ ثورة 30 يونيو تسير فى الطريق، ولابد من استكمال الخطوات بعيدا عن الشطط والتطرف والمغالاة من أى جانب.
سابعا: دولة المواطنة.. فى فترة من الفترات وقبل قيام ثورة 30 يونيو اشتعلت الأزمات الطائفية، وحتى داخل الدين الإسلامى الواحد ظهر السلفيون والإخوان والجماعة الإسلامية وغيرها من الفرق والأحزاب والجماعات المتصارعة، وكانت تلك هى قمة الخطر الذى يهدد كيان الدولة، والآن عادت دولة المواطنة من جديد، فالحرية الدينية مكفولة للجميع، فى إطار من احترام القوانين والأعراف، وعادت اللحمة الوطنية للشعب المصرى كله، بعيدا عن لغة التشرذم والتعصب والانغلاق.
ترسيخ الوحدة الوطنية؛ هو طوق النجاة الوحيد للدولة المصرية، ولن يحدث ذلك إلا بتفعيل مبادئ المواطنة، التى أقرها الدستور المصرى، فلا فرق بين هذا وذاك إلا بالكفاءة.
ثامنا: الصحة.. أعتقد أن الإنجاز الأكبر الذى تحقق خلال الفترة الماضية هو إنجاز مشروع التأمين الصحى الموحد، فلم يعد أحد قادرا على العلاج وحده، ليس هذا فى مصر وحدها، وإنما فى العالم كله، وكل دول العالم المتحضرة لها نظم تأمينية تكفل العلاج للمواطنين بأشكال مختلفة، ولذلك فإن إنجاز حلم التأمين الصحى الشامل؛ إنجاز هائل يحتاج إلى الخطوات الأهم المتبقية، وكلها تتعلق بالتطبيق على الأرض، وكيفية تعميمه، وحل المشكلات التى تعترض التنفيذ، ليصل هذا الإنجاز الهائل إلى جموع المواطنين.
تاسعا: التعليم.. هو الملف الأخطر القادم الذى لازال مؤجلا ويحتاج إلى انطلاقة كبرى وموازنات ضخمة، لكنه يظل الملف الأهم، ويكفى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يشعر بحجم أهميته وبدأ اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق هذا الغرض إلا أن الأمر يحتاج إلى أن يكون ضمن الأولويات فى المرحلة المقبلة.
عاشرا: السياسة الخارجية.. كانت مصر محاصرة خارجيا تقريبا منذ أربع سنوات، والآن عادت مصر بقوة عربيا وإفريقيا وإقليميا ودوليا، فعلى المستوى العربي؛ عادت مصر لتقود الأمة العربية فى أصعب فتراتها، وتتمسك بالثوابت العربية فى القضية الفلسطينية، ومواجهة الإرهاب والتطرف، وعودة العواصم العربية.
وعلى المستوى الإفريقي؛ كانت العودة المتأخرة إلى القارة الإفريقية لتحتل مصر مكانتها الرائدة فى هذا المجال، بعد أن كانت قد انسحبت لفترة طويلة دون مبررات.
وعلى المستوى الدولي؛ عادت مصر بقوة إلى بؤرة الاهتمام فى السياسة الدولية، وانتهجت سياسة بعيدة عن الاستقطاب شرقا أو غربا، مما جعل العواصم الكبرى فى العالم تضع مصر ضمن حساباتها فى كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالشأن الإقليمى والدولي، وأصبحت هناك علاقات مميزة لمصر مع دول الاتحاد الأوروبي، وأمريكا، وروسيا، والصين وغيرها من الأقطاب العالمية.
من الصعب الإلمام بكل التفاصيل فى مقال واحد، لكن تبقى هذه هى المحددات المهمة من وجهة نظرى فى اختيار الرئيس القادم لمصر خلال السنوات الأربع المقبلة.
وللحديث بقية إن شاء الله.