مفاجآت السيسى غير المعلنة..ولماذا الخروج عن النص؟... بقلم عبدالمحسن سلامة
أمس الأول كان ختام مؤتمر «حكاية وطن» الذى استمر على مدى ثلاثة أيام وشهد العديد من المناقشات والجلسات حول مختلف القضايا المطروحة على الساحة الداخلية والخارجية، وأجاب فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى بنفسه عن معظم الاستفسارات والتساؤلات التى تثار هنا أو هناك إلى جوار مشاركة كل المسئولين فى الشرح والتوضيح.. كل فى قطاعه وتخصصه.
المؤتمر كان ضرورة لأنه يرسخ مبدأ المحاسبة، والمكاشفة، لأنه كان عبارة عن كشف حساب عن المدة الرئاسية الأولي، وماذا كنا؟ وكيف أصبحنا؟ وما هى الرؤية المستقبلية؟.
كانت المصارحة والمكاشفة هما العنوان الدائم فى كل الجلسات، وطرحت كل القضايا على مائدة الحوار، وشارك المواطنون والخبراء بأسئلتهم واستفساراتهم، وأجاب المسئولون عن كل التساؤلات والنقاشات المطروحة.
يوم الأربعاء كانت الجلسة الافتتاحية التى ألقى فيها الرئيس الكلمة الرئيسية مستعرضًا كيف نجحت مصر فى تخطى أخطر مراحلها خلال الفترة الماضية.
ولأنه تحدث بكل صراحة وإخلاص فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى يخرج أحيانا عن النص المكتوب ليتحدث من قلبه وبلغة مميزة، مخاطباً شعبه بلغة بسيطة وسهلة. وفى حديثه الأخير أثناء افتتاح مؤتمر «حكاية وطن» خرج الرئيس عن النص فى العديد من المرات، ليتحدث بشكل عفوى وطبيعى، ليعبر عن مدى اعتزازه بالشعب المصرى وإحساسه بمدى معاناة المواطنين وتحملهم نتيجة الظروف الصعبة التى مرت على مصر منذ سبع سنوات، وأدت إلى هذا المأزق الاقتصادى الصعب الذى لم يكن هناك مفر من مواجهته وإلا كانت الأمور ستتحول إلى كارثة ــ لا قدر الله ــ لا يستطيع أحد أن يتنبأ بنتيجتها.
المرة الأولى: لم يشأ الرئيس أن يتحدث عن نفسه أو قدراته أو نجاحه وإنما أراد أن يرد الفضل إلى أهله.. إلى الشعب المصرى حينما أصر على أن يقف الحاضرون تحية لكل الشعب المصرى الذى تحمل وصبر، وواجه التحدى ونجح، رغم كل الظروف الصعبة التى مرت وتمر به حتى الآن، معلناً أنه يشعر بفخر شديد لتصميم الشعب المصرى على صناعة مستقبله.
المرة الثانية: خرج الرئيس عن النص ليؤكد ذات المعنى قائلا: «لن يستطيع أى رئيس أن يعمل حاجة بدونكم.. لن يستطيع، لكننا معا نستطيع أن نقهر الصعاب، وأن نصنع لبلادنا مجدا يليق بها وتاريخا نفخر به وتفخر به الأجيال المقبلة».
هكذا يؤكد الرئيس عميق إيمانه بقدرات شعبه وضرورة التوحد والاصطفاف من أجل النجاح والقدرة على التحدي.
المرة الثالثة: كانت حينما كان الرئيس يتحدث عن أزمة الكهرباء وما حدث فيها قائلا: «أنا عاوز أقف عند نقطة الكهرباء لأن البعض يتصور أن الكهرباء المطلوبة منا فقط هى محطات توليد طاقة، وأنا عاوز أقولكم أن احنا شغالين فى انشاء شبكة نقل للكهرباء متقدمة ومحطة تحكم قد تصل تكلفتها إلى نحو 60 إلى 70 مليار جنيه».
من ينسى حال الكهرباء ومدى التدهور الذى وصلت إليه منذ أربع سنوات؟، والكهرباء ليست إنارة منازل فقط، ولكنها الآن تدخل فى كل شيء، فلا استثمار أو صناعة أو زراعة أو أى شيء دون كهرباء، وما حدث فى هذا القطاع إنجاز ضخم ومذهل: وأراد الرئيس توضيح أن ما حدث ليس فقط فى محطات التوليد ولكن محطات التوليد تحتاج إلى شبكة ضخمة للنقل ومحطات للتحكم تصل تكلفتها إلى أرقام ضخمة وهو ما حدث ويحدث الآن مما أدى إلى هذه القفزة الهائلة فى هذا المجال.
المرة الرابعة: خروج الرئيس عن النص هذه المرة كان يحمل مفاجأة ضخمة لم يعلن عنها من قبل، حيث كان الرئيس يتحدث عن مشروعات الإسكان والاستزراع السمكى والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وفجأة خرج الرئيس عن النص ليفجر مفاجأة قائلا «كتير من اللى بيتعمل لم يعلن عنه، وماتعرفوش عنه أى حاجة خالص، وفى 30 يونيه المقبل سوف يكون بجوار المليون ونصف المليون فدان، بيتزرع 200 ألف فدان، ولو وزير الزراعة صدق معايا فى كلامه وخلص الـ20 ألف فدان إللى أنا طلبتهم منه هيكون هناك 220 ألف فدان جديدة».
مفاجأة الرئيس تكشف عن طريقته فى التعامل مع مختلف القضايا منذ توليه مسئولية السلطة، فهو يعمل، ويعمل فقط، ولا يهمه الإعلان، فالمهم لديه هو النتيجة والإنجاز، وتحقيق الحلم، وإنهاء معاناة المواطنين.
كان الحديث المعلن عن خطة المليون ونصف المليون فدان التى يتم العمل فيها الآن بكل جدية، لكن ما لم يتم الإعلان عنه هو إضافة 220 ألف فدان بحلول يونيه المقبل، أى بعد ستة أشهر فقط.
أظن أن مفاجأة الرئيس غير المعلنة فى مجال الزراعة ليست هى الوحيدة، وقد سبقتها العديد من المفاجآت فى مختلف المجالات، حيث يفضل الرئيس عدم الإعلان عن المشروعات إلا بعد العمل فيها وقطع شوط كبير منها، ثم يتم الإعلان عنها، حدث هذا فى مدينة الجلالة الجديدة، والعاصمة الإدارية الجديدة، والمطارات التى يتم العمل فيها الآن، والكثير والكثير من المجالات التى يجرى العمل فيها على قدم وساق دون الإعلان عن التفاصيل.
لم يكن أحد يدرى أن هناك مشروعا ضخما فى مدينة الجلالة إلا بعد أن ظهرت تفاصيله وملامحه، ونفس الحال فى العاصمة الإدارية الجديدة التى لم يعلن عنها إلا بعد إقامة العديد من المنشآت فيها.
الآن يقام العديد من المنشآت والمشروعات الحيوية والمهمة لم يشأ الرئيس الإعلان عنها إلا بعد اكتمال ملامحها أولا ثم الإعلان عنها بعد ذلك.
هى فلسفة عملية لنظام حكم رشيد يسعى إلى العمل والإنجاز بعيدا عن سياسة «الطبل والزمر» وتزييف وعى المواطنين، المهم أن يتحقق الإنجاز على الأرض ويظهر للناس، وبعده يمكن الحديث عنه.
هذه السياسة كانت وراء إنجاز ما يقرب من 11 ألف مشروع على أرض مصر خلال السنوات الأربع الماضية أى بمعدل 3 مشروعات يوميا، وهو رقم قياسى غير مسبوق بتكلفة بلغت ما يقرب من 2 تريليون جنيه مصرى.
المرة الخامسة: خرج الرئيس عن النص حينما كان يتحدث عن مشروع قناة السويس الجديدة، وهو أحد المشروعات القومية العملاقة التى ظهرت إلى النور خلال الفترة الماضية وتكلف 64 مليار جنيه، قائلا «إحنا لو عايزين نعمل المشروع ده دلوقتى سوف تتضاعف تكلفته مرتين أو ثلاثة، يعنى الـ 64 مليار هيبقوا تقريبا ثلث تكلفة المشروع إللى أحنا بنتكلم عليه».
بحسبة بسيطة دارت فى عقل الرئيس أراد أن يوضحها للمواطنين، وهى أن سعر الصرف تضاعف تقريبا 3 مرات، وبما أن المشروع تكلف 64 مليار جنيه وهو يعتمد على استيراد كل المعدات من الخارج، فإن معنى ذلك أن يتم ضرب الـ64 مليار جنيه فى 3 لتقدير التكلفة الفعلية لو تأخر تنفيذ المشروع إلى الآن.. أى أنه كان سيصل إلى ما يقرب من 200 مليار جنيه تقريبا.
المرة السادسة: حينما كان يتحدث عن الشباب والأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب قائلا «هناك أكاديمية زى كده تم إنشاؤها فى فرنسا سنة 1945 وأسسها ديجول لأنهم كانوا محتاجين يبقى عندهم معهد يؤهل الشباب ويعد شبابا وكوادر لقيادة الدولة الفرنسية للمستقبل، وعملوا هذه الأكاديمية» مشيرا إلى أنه سوف تكون هناك اختبارات قاسية لكل المتقدمين من أجل اختيار أفضل العناصر الموجودة من أجل خلق قيادات قادرة على تحمل مسئوليتها وقيادة الدولة وحمايتها والارتقاء بها.
الرئيس منذ توليه مسئولية السلطة وهو دائما ينحاز إلى الشباب ولكن بمفهوم مختلف، وهو تأهيل الشباب وتنمية قدراتهم فى مختلف المجالات، فالبداية الحقيقية لنهضة الأمم هى الاستفادة من شبابها وتأهيلهم على جميع الأصعدة، لكى يصبحوا قادرين على تحمل المسئولية، والنجاح فى أماكن عملهم، بحيث تكون الكفاءة هى المعيار بعيدا عن «الشخصنة» والمجاملة، والواسطة، وكلها مفردات تؤدى فى النهاية إلى انهيار المؤسسات، وانهيار الدول ذاتها.
المرة السابعة: حينما كان يتحدث عن المرأة ودورها باعتبارها ضمير الأمة النابض خرج عن النص قائلا: «والله أنا مش منحاز لها ولا حاجة.. صحيح والله.. لكن عايز أقول.. المرأة هى الأم اللى قدمت التضحيات، وهى الأخت، وهى الزوجة التى ترملت، وهى الابنة التى فقدت والدها، ولما عملنا إجراءات اقتصادية قاسية هى إللى تحملت.. هى ضمير الأمة».
كان الرئيس صادقا فى كل كلمة يقولها وهو يتحدث عن الزوجة، والأخت، والابنة، والأم، وربة المنزل الصابرة الصامدة، فكان لابد أن يرسل رسالة مفادها أنه معها، يعلم حجم معاناتها، وصبرها، ويشد من أزرها.
دور المرأة هو دور مكمل ومساوٍ لدور الشباب والرجال ولن يستقيم حال المجتمع إلا بالمساواة بين أفراده «نساء ورجالا، وشبابا»، فهكذا تتقدم الشعوب وتنهض.
المرة الثامنة: حينما كان يتحدث عن الأعباء الاقتصادية على الدولة المصرية وتكلفة المرتبات والأجور التى ارتفعت من 80 مليار جنيه سنويا عام 2011 إلى 230 مليار جنيه حاليا، مشيرا إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض وخدمة الدين قائلا «أنا عاوز أقولكم لو أنا بستلف 150 مليار جنيه والفايدة من 15 إلى 20%، يعنى تقريبا خلال من 5 إلى 7 سنوات سوف يتضاعف الرقم إلى 300 مليار، إذن الـ150 مليار اللى بستلفهم فى السنة يبقوا السنة اللى بعدها تقريبا 180 مليارا، واللى بعدها 210 مليار، وخلال 5 سنوات يصلوا إلى 300 مليار».
أعتقد أن الرئيس أراد توضيح الأمور للمواطنين وضرورة العمل والإنتاج، فلا بديل عن الإنتاج وزيادة الدخل، إلى جوار خطة الإصلاح الاقتصادى حتى تستطيع الدولة الوفاء بالتزاماتها والقفز فوق مشكلاتها.
المرة التاسعة: يصر الرئيس دائما وأبدا على المصارحة والمكاشفة ووضع الحقائق فى نصابها الحقيقي، ولأنه كان يتحدث عن الإصلاح الاقتصادى وضروراته برغم قسوته قائلا «أنا اعتبرتها خيانة.. إنى أكون عارف إنى هسيبها للى بعدى تخرب، هنا أكون خنتكم وخنت أمانة المسئولية وضيعتكم تاني، وأنا أريد ألا تضيع معايا، ولا تضيع مع غيرى».
منتهى الإخلاص لرئيس ينظر إلى مستقبل شعبه بعيدا عن أية حسابات ضيقة لينهى على المثل الشعبى السيئ «عيشنى النهاردة، وموتنى بكرة» لأن غدا سوف يأتى عاجلا أو آجلا، والرئيس يريد أن يحيا الشعب اليوم وغدا وتنطلق مصر وتتخلص من قيودها التى كبلتها عبر فترات طويلة من الزمان.