الكويت تمسح دموعها وتفتح ذراعيها للعراق... بقلم : عبدالمحسن سلامة

 

كان الغزو العراقى للكويت نذير شؤم على المنطقة كلها، ومن خلاله تم فتح أبواب جهنم على العالم العربى كله، ودخل الشيطان (أقصد الاحتلال الأجنبي) من شباك الاحتلال العراقى للكويت لضرب العالم العربى وإشعال النيران فيه وتنفيذ مخططات التفتيت والبلقنة لكل دول العالم العربى بلا استثناء.

أسوأ تداعيات الاحتلال العراقى هو فقدان الثقة بين أبناء العالم العربى الواحد، حتى وصل الأمر بالبعض إلى أن يكفر بالعروبة بعد أن جاءت طعنة الخنجر من الشقيق.

المخطط تم بإحكام شديد من أمريكا وإسرائيل تحديدا لضرب المنطقة وتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير، الذى لانزال نعانيه حتى الآن، وظهرت السفيرة الأمريكية فى بغداد آنذاك مبتسمة مع الرئيس العراقى صدام حسين مؤكدة أن أمريكا لن تتدخل فى صراع عربى عربى لتبارك غزو الكويت ضمنيا، وعلى الفور ابتلع صدام حسين الطعم، وقام فجر يوم 2 أغسطس 1990 الحزين بالهجوم على الكويت، حيث هاجمت كتيبة مشاة بحرية عراقية مدعمة بالدبابات جزيرة بوبيان من الجنوب، كما هاجمت القوات العراقية جزيرة فيلكا، ودخلت القوات العراقية العاصمة الكويتية، وبحلول نهاية اليوم الثانى للغزو كانت القوات العراقية قد سيطرت على معظم الأراضى الكويتية.

قبلها كان صدام حسين قد دخل فى مغامرة مجنونة مع إيران استمرت نحو 8 سنوات خرج منها مهزوما ومجهدا، وحاول أن يبتز دول الخليج بتلك الحرب المجنونة على اعتبار أنه كان يقوم بمهمة مقدسة للدفاع عن البوابة الشرقية للعالم العربي، وبدأ يبتز السعودية والكويت للتنازل عن الديون، وطلب منحة خليجية لا تقل عن 10 مليارات دولار، وتأجير جزيرتى وربة وبوبيان الكويتيتين، وعقدت العديد من الاجتماعات، وتدخلت الكثير من الوساطات، غير أن كل ذلك لم ينجح فى إقناع صدام بالعدول عن أفكاره الشيطانية حتى كانت حماقة الغزو والاستيلاء على الكويت.

قامت الدنيا بعدها ولم تهدأ إلا بالتدخل العسكرى وكانت القوات الأمريكية وحلف الأطلنطى هما رأس الحربة فى التدخل وغزو العراق، وتم إنشاء قواعد عسكرية فى «العديد» القطرية، و«حفر الباطن» السعودية تمهيدا لتحرير الكويت وطرد قوات صدام منها.

نجحت قوات التحالف فى هزيمة صدام وجيشه، وطرد القوات العراقية من الكويت، وإعادة أمير الكويت آنذاك الشيخ جابر الأحمد الصباح وحكومته إلى العاصمة الكويتية.

انتهى الغزو، ولم تنته آثاره، فقد دخل الخراب إلى المنطقة، وسادت الشكوك وعدم الثقة بين أبناء العالم العربى لدرجة أن التحالف مع الدول الأجنبية بات أكثر تفضيلا من التحالف مع الأشقاء وذوى القربى لدى بعض الدول العربية للأسف الشديد.

انتقل المخطط اللعين إلى مرحلة أخري، وتمثل فى الغزو الأمريكى للعراق الذى دمر الدولة العراقية وأشاع فيها الفتن، واشاع الفوضى بين ابناء الشعب العراقى الواحد، وزرع التفتيت داخل الدولة الواحدة ليبدأ صراع السنة والشيعة والأكراد ضد بعضهم البعض.

الغزو الأمريكى للعراق جاء متوافقا مع نظرية الفوضى الخلاقة الأمريكية لضرب المنطقة العربية كلها، والتى تم ترجمتها إلى موجات الثورات العربية التى تحولت إلى خريف قاس فى تونس ثم مصر، وليبيا، وسوريا، واليمن.

نجت مصر وتونس بأعجوبة من المؤامرة وإن اختلفت الوسائل، وظلت باقى الدول حتى الآن رهينة للصراعات والفوضى والحروب الأهلية حتى إشعار آخر.

 

رغم مرور السنين ظل الكويتيون يشعرون بالمرارة تجاه الشقيق والجار العراقى حتى بعد إزاحة صدام حسين من الحكم، لأن الطعنة كانت غادرة ونافذة، وجاءت من شقيق لم يكن أبدا محل شكوك.

الآن الكويت أرادت أن تعبر تلك الأزمة، وتتعالى فوق جراحها وآلامها، فكانت الدعوة التى أطلقها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لاستضافة بلاده مؤتمر إعادة إعمار العراق على مدى ثلاثة أيام خلال الأسبوع الماضى، وشارك فيه العديد من دول العالم، والمنظمات الدولية، ومن مصر شارك وفد رفيع المستوى برئاسة المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية، والمهندس مصطفى مدبولى وزير الإسكان والمرافق، والمهندس محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة، كما شارك مجموعة متميزة من رؤساء الشركات العاملة فى قطاع المقاولات والتشييد والكهرباء.

المشاركات الدولية جاءت تقديرا للدور الكويتي، ورغبة فى إنهاء المشكلة العراقية، بعد أن استطاعت حكومة د.حيدر العبادى تصفية آخر معاقل داعش، وتحرير كامل التراب العراقى لأول مرة منذ أكثر من 3 سنوات.

لقد شهد الشارع الكويتى فى اثناء انعقاد المؤتمر حالة جدل بين مؤيد ومعارض للمؤتمر، فهناك من يتحفظ على عقد المؤتمر، لأنه مازال يحمل فى أعماقه قدرا من الأسى تجاه العراق، نتيجة المواقف السابقة، فى حين نجحت الحكومة الكويتية وبرعاية الأمير صباح الأحمد فى تخطى ذلك المأزق، من أجل فتح صفحة جديدة مع الشقيق العراقى حتى يستطيع أن يتعافى من آلامه نتيجة ما تعرض له خلال السنوات الماضية من معاناة تحت الاحتلال الأجنبى تارة، وتحت احتلال داعش تارة أخري، بالإضافة إلى الآثار السلبية الخطيرة التى ظهرت فى محاولات تفتيت الدولة العراقية وتقسيمها إلى 3 دويلات واحدة للشيعة، وثانية للسنة، وثالثة للأكراد، وقد حاول الأكراد فعلا تنفيذ المخطط، وفرض الأمر الواقع من خلال الاستفتاء على استقلال كردستان، إلا أن الحكومة العراقية رفضت الأمر الواقع، وتصدت له، واتخذت العديد من الإجراءات ضد الدعوات الانفصالية حتى هدأت الأمور بعض الشيء، ولم تنته تماما، فالأمر يحتاج إلى بعض الوقت حتى يعود الشعب العراقى وحدة واحدة كما كان عبر التاريخ، وتعود المواطنة هى الفيصل لكل العراقيين بلا استثناء.

نجحت الكويت فى مهمتها الأولى بتضميد جراح الكويتيين أنفسهم تجاه العراق، وإزالة ما تبقى فى النفوس من ذكريات مؤلمة وقاسية تجاه العراق وغزوها بلدهم، كما نجحت الكويت أيضا فى تسليط الضوء على الأزمة العراقية، وضرورة إعادة إعمار العراق مرة أخري، لتعمير ما تم تدميره على مدى السنوات الماضية سواء تلك الآثار التى نتجت عن الغزو الأمريكى للدولة العراقية، أو ما دمرته «داعش» خلال السنوات الثلاث الماضية، والذى تسبب فى نزوح أكثر من 5 ملايين عراقى إلى دول العالم المختلفة، من بينهم 2.6 مليون لايزالون يقيمون فى مخيمات نازحين بسبب تدمير منازلهم، ونهب ممتلكاتهم.

أعتقد أن أهمية مؤتمر إعادة إعمار العراق تتجاوز مجرد إعادة تضميد الجراح الكويتية تجاه العراق، أو مجرد المساندة الاقتصادية لدولة أنهكتها الحروب الخارجية والداخلية، وإنما يتجاوز الأمر كل ذلك إلى رسالة ذات مغزى للشعب العراقى ذاته من محيطه العربى بأنه فى القلب من العالم العربي، وأن المحافظة على عروبته ضرورة حياة، حيث لايزال الجار الإيرانى يحاول بشتى الطرق الهيمنة عليه وإن لم يعلن ذلك، وإنما كل الأفعال والتصرفات تشير إلى أن رغبة إيران التوسعية فى الهيمنة والاستقطاب لاتزال قوية داخل العراق، وربما تكون عقدة صدام حسين وراء تلك المحاولات الإيرانية، غير أنه من السذاجة قصر محاولات إيران التوسعية على عقدة صدام وحدها، فهناك أطماع إيرانية واضحة تمتد من العراق إلى لبنان، وسوريا، واليمن.

من هنا كان تأكيد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط استعداد مؤسسات العمل العربى المشترك للمشاركة الفعالة فى إعمار العراق، بما يتوافر لديها من خبرات وإمكانات، مشيرا إلى أن كل الدلائل تصب فى اتجاه عمق الرغبة المشتركة من العراقيين وإخوانهم العرب فى الذهاب إلى أبعد مدى ممكن من التعاون والتنسيق والعمل المشترك على جميع الأصعدة.

تبقى ضرورة أن تقوم جامعة الدول العربية بالبناء على الخطوة الكويتية من أجل تمتين الروابط بين بغداد وجميع الدول العربية، ليعود العراق قويا وموحدا ينبض بالحياة فى الجسد العربى المشترك.

Back to Top