زيارة إلى مدينة الحرب والسلام والشمس المشرقة... بقلم :عبدالمحسن سلامة

هنا دارت أشرس المعارك بين قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا وفرنسا، وبين قوات دول المحور بقيادة ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية والتى انتهت بهزيمة دول المحور وانتصار قوات الحلفاء على أرض العلمين، لتطوى صفحة أخرى من صفحات تاريخ الصراع والحروب بين الأمم.

وقعت معركة العلمين فى 23 أكتوبر 1942 وانتهت فى 11 نوفمبر، أى أنها استمرت نحو 18 يوما، وتركت خلفها آلاف القتلى والمصابين من الجنود والضباط المشاركين فى الحرب بعد أن تفوق القائد البريطانى مونتجمرى على ثعلب الصحراء الألمانى روميل.

ظلت مقابر العلمين شاهدة على شراسة المعركة، وحجم الضحايا من كل الجنسيات التى شاركت فى الحرب، ولايزال حتى الآن أحفاد الضحايا وذووهم حريصين كل عام على زيارتهم ووضع أكاليل الزهور فوق مقابرهم.

هكذا ظلت العلمين رمزا للحرب حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، وفى إطار رؤية التنمية العمرانية 2030، والتى تستهدف زيادة الرقعة المسكونة والمعمورة من 6% إلى 12% كان التخطيط للتوسع فى إقامة المدن الجديدة المليونية والعملاقة فى طول البلاد وعرضها، ومنها مدينة العلمين الجديدة التى تدخل فى إطار مدن الجيل الرابع والتى تبلغ 15 مدينة جديدة تستهدف تطبيق أعلى المعايير فى جميع المجالات البيئية والتكنولوجية والتنموية.

العلمين لن تكون مجرد مدينة عادية لكنها ترتقى إلى مرتبة العاصمة الصيفية الجديدة، ففيها مقار حكومية ورئاسية، وهى ليست مدينة مصيفية فقط لكنها مدينة للإقامة الدائمة على غرار الإسكندرية حيث يمتد شاطئها نحو 14 كيلو مترا ويمتد عمقها إلى 14 كيلو مترا، والأهم من كل ذلك أنها تجاوزت أخطاء المدن الشاطئية الأخري، ولأول مرة يصبح هناك شاطئ مفتوح بطول المدينة الممتد على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومعه يمتد طريق مشاة بطول الشاطئ، ثم منطقة بحيرات تم تصنيعها وتشكيلها بعد أن كانت عبارة عن برك ثم بعد ذلك تبدأ المناطق السكنية والفندقية والجامعية وغيرها من المناطق.

 

تصميم عصرى مبهر يتماشى مع الأفكار العالمية الحديثة فى تصميم المدن الشاطئية، ويقدم النموذج المتألق لتلك النوعية من المدن، ويجذب الآلاف وربما الملايين من السائحين الأوروبيين.

 

الطريق إلى العلمين لم يعد طويلا أو شاقا بعد دخول الطرق الجديدة الخدمة وتطوير الطريق الصحراوى وافتتاح العديد من خطوط شبكة الطرق القومية العملاقة التى ربطت بين الطريق الدائرى والطريق الصحراوي، واختصرت المسافات لتقل المدة الزمنية إلى أقل من ساعتين للوصول إلى هناك، مما يجعل من السفر إلى العلمين متعة سهلة وميسورة.

تبلغ مساحة المدينة 48 ألفا و917 فدانا، ومن المتوقع أن يصل عدد السكان فيها إلى 3 ملايين نسمة، وتضم من 20 إلى 25 ألف غرفة فندقية على مساحة 7 آلاف و770 فدانا بالمنطقة الساحلية (القطاعين الشرقى والغربي)، بالإضافة إلى 14 حيا سكنيا متعدد المستويات، ومناطق صناعية بمساحة 5 آلاف فدان، ومناطق لوجستية بمساحة 3 آلاف فدان، وكذلك مراكز بحثية وجامعية بمساحة ألفى فدان، ومناطق تجارية وخدمية بمساحة 5 آلاف فدان.

المهندس مصطفى مدبولى وزير الإسكان أشار فى شرحه إلى أنه تم التعاقد مع المطورين الصناعيين لبدء تنفيذ اقامة المنطقة الصناعية بالمدينة على مساحة 4 ملايين.م2 من أجل جذب الأيدى العاملة وتوفير فرص العمل موضحا أن هناك 4 مراحل لتنمية المدينة: الأولى بمساحة 14 ألفا و300 فدان، والثانية بمساحة 14 ألف فدان، والثالثة بمساحة 9 آلاف و900 فدان، والرابعة بمساحة 10 آلاف و700 فدان، ويجرى العمل الآن فى تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية حيث من المتوقع أن يبلغ عدد سكان المرحلة الأولى نحو 400 ألف نسمة.

لقد قامت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإنجاز ضخم فى تطهير أراضى العلمين الجديدة من مخلفات الحروب حيث تركت كميات هائلة من الألغام والمخلفات، واستطاعت الهيئة الهندسية تطهير المنطقة التى تقع فيها مدينة العلمين الجديدة تمهيدا لتطهير المنطقة بكاملها فى القريب العاجل حيث لاتزال هناك كمية كبيرة من الألغام منتشرة فى مساحة تمتد إلى 2680 كيلو مترا مربعا من أراضى الساحل الشاملى الغربى لمصر، مما يحتاج إلى ضرورة تكاتف المجتمع كله مع مصر، وتحمل مسئولياته ومساعدتها فى انهاء آثار الحرب العالمية الثانية التى لاذنب لمصر فيها من قريب أو بعيد ، رغم أن أحد فصولها دار على الأراضى المصرية إلا أن الشعب المصرى كان ضحية لتلك الحرب وكأن قدر المصريين أن يتحملوا أوزار العالم وهم بعيدون كل البعد عن سبب تلك المشكلات والأوزار.

نجحت القوات المسلحة المصرية فى تطهير أراضى العلمين الجديدة من الألغام لتتحول من مدينة حروب إلى مدينة للسلام والتنمية والعمران تنشر الخير والرخاء على مصر وتمد يدها بالسلام لكل دول العالم، وتفتح ذراعيها لاستقبال السائحين من كل دول العالم على مدى العام كله.

فى العلمين الهواء طازج نقى، والشمس مشرقة دافئة، والمكان مخطط بدقة وعناية، فكل شىء محسوب ومخطط، والعمل يجرى على قدم وساق وبسرعة مذهلة، وفى أقل من العام ونصف العام حيث بدأ العمل فى المدينة فى أكتوبر 2016، واستطاع المصريون الأبطال الانتهاء من تنفيذ الطريق البديل للطريق الساحلى بطول 38كم، كما تم تنفيذ جزء من الممشى السياحي، وجار استكمال الجزء المتبقي، كما تم اطلاق العمل فى تنفيذ الأبراج الشاطئية وتشييد البحيرات وتشكيل الجزر، وتدشين كوبرى البوغاز، وتنفيذ أعمال وسط المدينة، والمرافق والطرق بالمنطقة الشاطئية بمساحة 3500 فدان، كما تم الانتهاء من تنفيذ 500 وحدة من وحدات الإسكان الاجتماعي، كما تم توقيع بروتوكول لإنشاء جامعة العلمين الجديدة الدولية للعلوم والتكنولوجيا بالتعاون بين وزارتى الإسكان والتعليم العالي، على مساحة 75 فدانا لاستيعاب 25 ألف طالب، وكذلك تم توقيع بروتوكول لإنشاء فرع للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى على مساحة 62 فدانا لاستيعاب 10 آلاف طالب، بالإضافة إلى البدء فى تنفيذ مدينة للثقافة والفنون على مساحة 190 فدانا وتضم المسرح الرومانى المكشوف، مجمع الاستديوهات، قاعة أوبرا، مجمع سينمات، منطقة استثمارية ترفيهية، ومتحف العلمين الجديدة.

بعد انتهاء الشرح من المسئولين اصطحبنا الرئيس فى جولة ميدانية للمدينة، وكانت المفاجأة السارة، أن نشهد الإنجاز واقعا ملموسا شاهدا حيا على ما يحدث فى أرض الواقع، حيث قام الرئيس والوفد المرافق بـ»التمشية« على الممشى السياحى فى الجزء الذى تم الانتهاء منه، ومشاهدة المبانى الإدارية الحكومية، والبحيرات والجزر التى يتم تشكيلها، وكذلك الكوبرى الذى يعبر البوغاز الذى يربط بين البحر والبحيرات، والمناطق السكنية والجامعية فى المدينة.

إنجازات حية بعيدا عن لغة الكلام والتمنيات فى إطار نهج الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى التزم منهج عدم الإعلان عن العمل إلا بعد أن يتم قطع أجزاء كبيرة منه كما حدث فى كل المشروعات التى أعلن عنها قبل ذلك.

الرئيس من جانبه كان حريصا على إيصال عدة رسائل مهمة اثناء الاحتفال بتدشين المدينة أبرزها:

أولا: توجيه الشكر لأهالى مطروح على وقفتهم الشجاعة فى تأمين حدود مصر الغربية، مطالبا إياهم بالمزيد من العطاء خلال المرحلة المقبلة، كما أشاد بمواقفهم فى مبادرة تجميع الأسلحة من المواطنين لتسجل المحافظة أعلى المعدلات فى هذا المجال، وكذلك موقفهم فى تسليم الأراضى المطلوبة لبناء محطة الضبعة النووية.

ثانيا: توجيه رسالة إلى الشعب المصرى كله بحرص الحكومة على أرواح المواطنين فى حوادث الطرق التى كان آخرها حادث قطار البحيرة وإصداره قرارا بتشكيل لجنة برئاسة المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية لمراجعة أوضاع شبكة السكك الحديدية بكاملها والخروج بتوصيات محددة لتخفيض حوادث الطرق، وكيفية التشغيل وأولوياته، وسبل المعالجة المستقبلية.

ثالثا: عدم السماح بالإساءة للقوات المسلحة والشرطة، مؤكدا أنه قد سقط العديد من أبناء الجيش والشرطة شهداء خلال الفترة الماضية، ولا يليق أبدا الإساءة لهما، واعتبار الإساءة للجيش والشرطة إساءة لكل المصريين، ولا تدخل فى إطار حرية الرأى، مشيرا إلى دور الصحافة والإعلام فى التصدى لمثل هذه النوعية من الجرائم.

رابعا: إطلاق شهادة أمان لكل المصريين خاصة العمالة المؤقتة وتحميل الشركات والقوات المسلحة مسئولية سداد قيمة هذه الشهادات لحين تحصيلها من العمالة بعد ذلك بما يضمن مد شبكة التأمين على العمالة المؤقتة بعيدا عن التعقيدات والبيروقراطية.

إطلاق شهادة أمان وسط الاحتفالية معناه ببساطة أن الرئيس يضع العمال البسطاء فى قلبه وعقله، وأنه يبذل قصارى جهده لتحسين أحوالهم وضمان مستقبل أفضل لهم وأسرهم.

Back to Top