ولادة كيان عربى جديد لا يتعارض مع الكيانات الحالية.... بقلم : عبدالمحسن سلامة

 

فى العام الماضى ظهرت فكرة الرباعى العربى (مصر ـ السعودية ـ الإمارات ـ البحرين) بسبب مواقف قطر المعادية للدول الأربع، رغم عضويتها بالجامعة العربية، وعضويتها أيضا بمجلس التعاون الخليجي، مما يؤكد وجود ثغرات فى هياكل هذه التجمعات المهمة تحتاح إلى إصلاح جذرى وسريع، لذلك ظهر الرباعى العربى ليدافع عن كيانات الدول الأربع فى مواجهة دولة قطر التى تورطت فى أعمال تمس سيادة هذه الدول، وتعبث باستقرارهما وأمنهما، حتى وصل الأمر إلى قيام الدول الأربع فى يونيو الماضى بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، واتخاذ إجراءات وقرارات متفرقة بشأن منع سفر مواطنيها إلى قطر، وإغلاق المجال الجوى والبحرى أمام الطائرات والبواخر القطرية.

وقف الرباعى العربى حجر عثرة أمام مخططات التآمر والتخريب، لكنه فى الوقت نفسه كشف ضرورة إصلاح نظام الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، وغيرهما من الكيانات العربية القائمة، والأهم من ذلك كله التبشير بإمكان ولادة كيان عربى جديد يكون نموذجا يحتذى للكيانات الحالية، وفى الوقت نفسه يمكن أن يكون نواة لكيان أوسع وأشمل يعالج الثغرات الموجودة فى الكيانات الحالية.

أعتقد أن ثورات الربيع العربى كانت محطة فاصلة فى تاريخ المنطقة كلها، ورغم نبل أهداف تلك الثورات فى بدايتها فإنها تحولت إلى خريف قاس ومدمر على الدول التى اندلعت فيها، بعد أن تحولت الثورات إلى منصات عدائية تهدد كيان الدول، وتطوى أحلامها إلى الأبد، كما يحدث فى ليبيا وسوريا واليمن الآن. كانت البداية فى البحرين عام 2011 حينما حاولوا تدمير الدولة البحرينية والانقلاب على الشرعية هناك، إلا أن الموقف السعودى والإماراتى فى قيادة دول مجلس التعاون الخليجى حسم الأمر وأنقذ البحرين من المؤامرة، ثم كانت المحاولة مع مصر، ومحاولة اختطافها خلال النصف الثانى من عام 2012 وقت حكم الإخوان، إلا أن الشعب المصرى استطاع مجددا الحفاظ على دولته فى 30 يونيو 2013، وساند الجيش الشعب، لتخرج مصر من المأزق الرهيب الذى وقعت فيه، ولأن مصر هى «عمود الخيمة العربية» فقد كان التركيز عليها ـ ولا يزال ـ حادا وقويا، لأن سقوطها ـ «لا قدر الله» ـ معناه سقوط كل الدول العربية بلا استثناء بمنتهى السهولة واليسر.

عادت مصر مجددا وبقوة وشكلت مع السعودية والإمارات والبحرين رباعياً عربياً بعد أن اتضح أن الفتنة تأتى أحيانا من الداخل كما فى الحالة القطرية، وأن قطر تقوم بدور والى عكا فى التآمر على الدول العربية، ومحاولة تنفيذ مخططات المؤامرة، وإشعال الفوضى والفتن داخل الدول العربية.

لعب التقارب المصرى السعودى الإماراتى حائط الصد فى مواجهة مخططات الفوضى الخلاقة، وتفتيت الدول العربية، وتصدى ولايزال ـ بمنتهى القوة والحسم للمؤامرات الداخلية والخارجية، والآن أتصور أنه آن الأوان ليكون هناك كيان جديد لاستكمال مسيرة إنقاذ العالم العربى والدول التى غرقت فى مستنقع الفوضى فيما يمكن أن يطلق عليه استرداد العواصم العربية التى سقطت فى غفلة من الزمن.

الكيان الوحيد المتماسك والقوى والواضح الآن هو الرباعى العربى الذى يستطيع مواجهة مخططات الشر بالمنطقة، وفى الوقت نفسه يهدف إلى استعادة العواصم العربية فى ليبيا، وسوريا، واليمن، بالتعاون مع المجتمع الدولى والعربي.

الكيان الجديد لن يكون هدفه القتال أو التورط فى الصراعات الداخلية، وإنما هو فى الأساس يهدف إلى مساندة الشعوب فى تقرير مصيرها، والتعاون مع الكيانات الإقليمية والعربية والدولية فى إيجاد مخرج للأزمات الموجودة فى تلك الدول، وإلى جوار ذلك تنمية التعاون والتنسيق بين الدول الأربع فى المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية،ووضع المواثيق والاتفاقيات التى تؤدى فى النهاية إلى شراكة إستراتيجية فيما بين الدول الأربع فى كل المجالات.

مصر والسعودية هما جناحا العالم العربى، ولا بديل عن التنسيق والتكامل فيما بينهما لمصلحة الشعبين الشقيقين، والمنطقة العربية كلها، وكلما ازداد التنسيق والتعاون انعكس ذلك إيجابيا على الدول العربية جميعها، والعكس صحيح تماما. لقد شهدت العلاقات المصرية ـ السعودية ـ الإماراتية قفزات هائلة خلال العقود الأربعة الأخيرة، وازدادت قوة ورسوخا عقب ثورة 30 يونيو عام 2013 بعد أن وقفت السعودية والإمارات إلى جانب مصر موقفا واضحا لا لبس فيه، ومساندا لشعبها وجيشها، مما أسهم فى نجاح الثورة وتحقيق أهدافها، لتعود مصر إلى قيادة السفينة العربية، لتواجه كل أشكال التآمر والفتن فى العالم العربي.

 

كانت ولادة الرباعى العربى طبيعية نتيجة التكامل بين الدول الأربع فى مختلف المجالات، وبات هذا الرباعى الآن أكثر قوة وتماسكا رغم كل محاولات الاختراق والتفتيت من جانب بعض الدول الكبرى المتورطة فى التآمر، أو من جانب قطر التى تقوم بتنفيذ المخططات المشبوهة لضرب استقرار الدول العربية.

فى الأسبوع الماضى جاء ولى العهد السعودى محمد بن سلمان فى زيارة رسمية إلى مصر ليدشن مرحلة جديدة من مراحل التعاون المصرى السعودى، وليؤكد متانة العلاقات المصرية ـ السعودية، حيث جاءت كلماته واضحة ومحددة، قائلا «السعودية ومصر كلٌ واحد، يستحيل أن تجد بينهما موقفا مغايرا، وأعداء مصر هم أعداء السعودية، وأصدقاء مصر هم أصدقاء السعودية»، وبالنسبة لموقف الرباعى العربى قال «لا أظن أن أحدا يستطيع أن يفرض أمرا على الدول الأربع، السعودية ومصر والإمارات والبحرين، لأن الدول الأربع تعاهدت على الخلاص من الإرهاب، وأنا على يقين أنها سوف تفى بكل تعهداتها».

وبالنسبة لقضية العرب الأولى قال ولى العهد «نعم تستطيع مصر والسعودية ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتستطيعان، دون شك، ضمان أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، لكننا لانزال نجابه انقساما فى وحدة الصف الفلسطينى، ولو أن الفلسطينيين وحدوا مواقفهم لاختصروا علينا الكثير من الوقت والجهد».

هذه بعض المقتطفات من كلام ولى العهد السعودى وحواراته فى أثناء زيارته لمصر خلال الأسبوع الماضى، وكلها تؤكد رسوخ العلاقات المصرية ـ السعودية، ووجود رؤية أشمل وأعمق لمستقبل تلك العلاقات، مع الإيمان الكامل بوحدة الهدف والمصير للدولتين والشعبين، بما ينعكس إيجابيا على كل دول العالم العربي، ومختلف القضايا العربية، بما فيها قضية فلسطين التى تعتبر قضية العرب الأولي، والتى شهدت أخيرا تقلبات حادة بسبب موقف الرئيس الأمريكى ترامب وإصداره قرارا بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس.

زيارة ولى العهد السعودى، ومانتج عنها كان لها تأثير كبير وعميق فى مختلف الدول العربية، ولقد تصادف وجودى فى مملكة البحرين عقب زيارة ولى العهد السعودى إلى مصر، حيث قامت بعثة كبيرة من مؤسسة الأهرام بزيارة المملكة والتقت ملك البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، كما التقت الأمير خليفة بن سلمان رئيس وزراء البحرين، وعددا كبيرا من الوزراء والمسئولين يتقدمهم وزير الإعلام على بن محمد الرميحي، ورئيس مجلس النواب أحمد بن إبراهيم الملا، ورئيس مجلس الشورى على بن صالح الصالح، وذلك فى إطار العلاقات الثنائية المتميزة بين مصر والبحرين، والحرص على تدعيمها فى مختلف المجالات.

كان حديث العاهل البحرينى الملك حمد بن عيسى آل خليفة قويا وواضحا ووضع النقاط على الحروف فى مجالات كثيرة، أبرزها مستقبل الرباعى العربى وضرورة تطويره إلى كيان قوى للدول الأربع خلال المرحلة المقبلة، مع السير فى إجراءات إصلاح الجامعة العربية، وأن تكون القمة العربية المقبلة هى بداية خطوات الإصلاح، مشيدا بالتقارب المصرى السعودى وزيارة ولى العهد إلى مصر، وحفاوة الاستقبال، بما يعكس عمق العلاقات ورسوخها.

الدعوة إلى تطوير الرباعى العربى وتحويله إلى كيان مؤسسى لايعنى إهمال الكيانات الحالية، سواء الجامعة أو مجلس التعاون الخليجي، فكلاهما مهم وضروري، لكن المشكلة أن الكيانات الحالية لم تنجح فى تحقيق الغرض من قيامها، وبالتالى فإن تأسيس الكيان المقترح سوف يتلافى سلبيات الكيانات الحالية حتى يمكن تطوير تلك الكيانات لتعود أقوى مما كانت عليه.

 

لقد تأسست الجامعة العربية عام 1945، وبدأت بسبع دول فقط هى:(مصر والعراق ولبنان والسعودية وسوريا والأردن واليمن)، ثم زاد عدد الأعضاء خلال النصف الثانى من القرن العشرين بانضمام 15 دولة عربية، ليصبح عدد الأعضاء 22 دولة، ولو تحولت الجامعة العربية إلى اتحاد على غرار الاتحاد الأوروبي، فإن مساحته سوف تكون الثانية عالميا بعد روسيا، وعدد سكانه سوف يكون الرابع بعد الصين، والهند، والاتحاد الأوروبى.

الرباعى العربى يمكن أن يكون من النواة الأولى لتطوير الجامعة العربية، بحيث يكون هو قاطرة التطوير والتحديث للكيانات الحالية، وأعتقد أن التوقيت الحالى هو الأنسب للتحرك، حتى يمكن استعادة العواصم العربية قبل أن تضيع إلى الأبد، وفى الوقت نفسه صد كل رياح المؤامرات من الداخل العربى أو الخارج.

Back to Top