7سنوات فى معسكرات اللاجئين!... بقلم عبدالمحسن سلامة
كانت الدماء تغلى فى العروق، وتحت شعار الربيع العربي، واستغلالا لأهداف الشباب النبيلة، دخلت جهات عديدة متآمرة داخليا وخارجيا لتشعل نيران الثورات، ولم تخجل الدول الخارجية من التورط فى التدخل فى الشئون الداخلية لتلك الدول، بل إنها تمادت فى ذلك، وكانت تطالب رؤساء هذه الدول بالتنحى فورا والتهديد بالتدخل العسكرى إذا لزم الأمر.
صحيح كانت هناك أخطاء نتيجة الترهل الذى أصاب بعض تلك الدول، والشيخوخة التى أصابت نظم الحكم فيها، والأخطاء القاتلة التى كانت تحدث مثل تزوير الانتخابات، والحديث عن توريث الحكم، وغياب العدالة الاجتماعية، لكن كل المطالب فى البداية كانت تنشد إصلاح الأنظمة، لكنها كانت مجرد البداية، وكان هناك هدف آخر يهدف إلى إسقاط الأنظمة وتحويل تلك الدول إلى دول فاشلة.
تحول حديث إصلاح الأنظمة إلى إسقاط الأنظمة، وتحركت قوى الضغط العالمية بشراسة تقودها رأس الأفعى الأمريكية، وفعلا سقط العديد من الأنظمة، وللأسف لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما تحول الأمر إلى إسقاط الدول نفسها، وهدم مؤسساتها، وتدمير أركانها، ودخلت كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة إلى تلك الدول، ووقعت تلك الأسلحة فى أيدى الإرهابيين والمتطرفين.
تحولت مطالب الإصلاح إلى هدم للدول ومؤسساتها، واقتتال أهلى فى الشوارع والطرقات، وبات القتل يتم على الهوية، وأصبح الكل يحارب الكل فى مشهد عبثى غريب.
تحولت الائتلافات الثورية إلى ميليشيات مسلحة، وارتمت تلك الميليشيات فى أحضان القوى الخارجية، وتحول الصراع الداخلى إلى صراع بالوكالة بين القوى الإقليمية والعالمية.
نجت دول وسقطت أخري، وحتى الآن لاتزال الدول التى سقطت تدور فى فلك الأزمة دون أفق يشير إلى خروجها منه.
الشعوب كانت هى الضحية، ولم تجد شعوب تلك الدول التى سقطت سوى الهروب برا وبحرا وجوا إلى جهات معلومة أو غير معلومة، فالمهم هو الهروب لينجو من هلاك مؤكد إلى هلاك محتمل.
منهم من حمل أطفاله معه، ومنهم من تركهم، ومنهم من استطاع النجاة، ومنهم من سقط ولفظ أنفاسه فى الصحراء القاتلة لتأكله الذئاب والأسود، ومنهم من ابتلعته الأمواج القاتلة فى المياه العميقة، لتصل أشلاء من جثته إلى الشاطئ أو ربما جزء من متعلقاته الشخصية فقط.
فى نهاية الرحلة الطويلة والشاقة والمريرة استطاع الناجون أن يصلوا إلى بعض الدول، وبدأت قوات حرس حدود هذه الدول تقوم بتجميعهم داخل معسكرات تم إعدادها لاستقبال النازحين.
فى أحد معسكرات اللاجئين دارت تلك المشاهد:
المشهد الأول: مجموعة من الخيام المنتشرة فى أرجاء مساحة واسعة تحيط بها أسلاك شائكة من كل جانب، ويقف خلف الأسوار مجموعة من القوات المدججة بالسلاح تمنع الاقتراب من تلك الأسوار، وحتى لا يفكر أحد فى الهروب خارج المعسكرات.
المشهد الثاني: الأطفال يتضورون جوعا بعد أن استيقظوا، ويطلبون طعام الإفطار، والأم مهمومة وحزينة، فليس هناك شيء لديهم، ولا يوجد مخزون طعام، بعد أن غادروا منازلهم بملابسهم، فلا نقود ولا طعام.
تحاول الأم إيجاد مخرج، وتحمل طفلتها، وتخرج إلى «حنفية» المياه العمومية فى المعسكر لتملأ بعض زجاجات المياه، وتسأل عن سيارات المعونة الغذائية وموعد وصولها ولا مجيب.
بعد عودتها، يسمع الأب أصواتا وضجيجا فى الخارج ليقفز خارج الخيمة، ليرى سيارة تحمل معونات غذائية على باب المعسكر، وقد تزاحم أمامها المئات من قاطنى المعسكر.
يزف البشرى إلى زوجته، ويتفق معها على أن تجلس مع الأطفال، ويخرج هو إلى الطابور، ينتظر دوره للحصول على بعض الأطعمة القليلة يوزعها على أولاده.
المشهد الثالث: داخل خيمة أخرى تشعر الزوجة بآلام الوضع، فقد خرجت من بلدها وهى حامل فى شهورها الأولى وحان موعد الولادة.
يخرج الزوج ملهوفا يطلب المساعدة والنجدة، والحارس لا يفهم ما يقول، ويستنجد بأحد الشباب ليساعده فى الترجمة.. الحارس وعده بمحاولة مساعدته وطلب سيارة الإسعاف.
تأخرت السيارة والنجدة، وتجمعت بعض السيدات، وقررن مساعدة الزوجة ببعض الأدوات التقليدية، وتحولت الخيمة إلى مستشفى فيه الزوجة والسيدات، والرجال يقفون خارج الخيمة فى انتظار الفرج.
المشهد الرابع: يجلس مجموعة من الرجال فى حلقة دائرية يتساءلون عن مستقبل تعليم أولادهم، وقد أوشك العام الدراسى على الانتهاء.
أحدهم يشير إلى طلب السلطات الوثائق التعليمية الخاصة بالأولاد وهم لا يملكون أى وثائق.
الثانى يتدخل قائلا: هم وعدوا بإجراءات اختبارات لتحديد مستوى التلاميذ.
الثالث يصرخ: ابنى كان الأول على الفصل دائما، وأصيب بحالة اكتئاب، وعجزت كل المبررات التى أسوقها إليه عن خروجه من تلك الحالة.
الرابع يبكى قائلا: منذ 7 سنوات ونحن هنا، فقدنا العمل والأمل، ولا نعلم شيئا عن منازلنا التى تهدمت، وراح معها كل شيء وتحويشة العمر، والاستقرار والطموح.
تلك بعض المشاهد الحقيقية التى نقلت بعض منها وكالات الأنباء والتى يعيشها سكان معسكرات اللاجئين لبعض الدول الشقيقة التى سقطت فى بؤرة الصراعات والاقتتال ولاتزال تغوص فى تلك الدوامة بلا أمل فى الخروج منها.
يراودهم حلم العودة إلى بلادهم لكنهم يخشون على أرواحهم، رغم مذلة الاغتراب، وسوء الأوضاع المعيشية والإنسانية فى تلك المعسكرات.
تذكرت كل تلك المشاهد المأساوية داخل قاعة المؤتمرات فى أثناء الندوة التثقيفية رقم 27 ــ التى عقدتها القوات المسلحة بمناسبة يوم الشهيد ــ بعد أن أغرورقت أعين الحاضرين بالدموع وفى مقدمتهم الرئيس عبدالفتاح السيسى تأثرا بقصص البطولة والفداء لأسر الشهداء الذين ضحوا بأعمارهم من أجل أن تعيش مصر بعيدة عن معسكرات اللاجئين والقصص المأساوية لشعوب دول شقيقة، بعد أن تحولت الثورات فيها إلى مؤامرات خطيرة بقيادة قوى الشر داخليا وخارجيا.
الرئيس يتوسط وزيرى الدفاع والداخلية والمكرمين والطلبة من الكليات العسكرية والشرطة فى يوم الشهيد، وقعت تلك الدول فى البئر العميقة للمؤامرات ولم تخرج منها حتى الآن، وللأسف ليس هناك فى الأفق مخرج لشعوبها فى الأمد القريب.
كان من الممكن لا قدر الله أن تكون مصر مثل تلك الدول، ويتحول شعبها إلى شعب من اللاجئين, يعانون بؤس الحياة وكآبتها فى معسكرات اللاجئين, أو داخل وطنهم مصر كما يحدث فى سوريا واليمن وليبيا الآن.
بفضل الله أولا والشعب المصرى وجيشه ثانيا، نجت مصر بأعجوبة من تلك المؤامرة، غير أن الحرب لاتزال مستمرة، والخطر لايزال قائما، وما يحدث فى سيناء أكبر دليل على ذلك.
يروى المقدم محمود على عبده هلال جزءا من مشاهد المعركة الكبرى ضد قوى الظلام والإرهاب على أرض سيناء، وكيف حاولت العناصر التكفيرية الاستيلاء على جثمان المقدم الشهيد البطل شريف عمر، إلا أن رجال القوات المسلحة الأبطال الذين لا يعرفون اليأس ولا الاستسلام استطاعوا تحرير جثمان الشهيد البطل، وقتل كل العناصر التكفيرية.
المشهد الأروع حينما نزل المقدم البطل من على المنصة ليعانق أم الشهيد ويعدها بالاستمرار فى أخذ ثأره حتى النهاية، رغم إصابته فى يده اليمنى إلا أنه لن يتخلى عن سلاحه وقتال تلك العناصر الضالة.
معركة حقيقية تدور على أرض سيناء لتنظيفها من دنس الإرهاب والتطرف والتكفير لتعود هادئة إلى أحضان الوطن.
الأبطال يصرون على استكمال المعركة بعد أن قطعوا أشواطا كثيرة فى هذا المجال، ولم يتبق إلا القليل لإعلان سيناء خالية من الإرهاب.
مهما تكن التضحيات فهى قليلة للحفاظ على الشعب المصرى وأمنه.. بهذه الكلمات تدخل الرئيس قائلا: الشهداء قدموا حياتهم من أجل أن يعيش الشعب المصرى آمنا مطمئنا وفى سلام.
يحاول الرئيس أن يغالب دموعه وهو يحمل اثنين من أبناء الشهداء أجلسهما بجواره على كرسيه وهما «عمر» و«حبيبة» اللذان لا يتعدى عمرهما السنوات الأربع ليقول لهما: «مصر كلها فرحانة بيكم، انتم ولاد الأبطال، ولكم فى رقابنا كل الخير والسلام، وحقكم فى رقبة كل مصري».
هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم هم الذين استطاعوا حماية الشعب المصرى من المؤامرة، وحافظوا على الدولة من السقوط، ومنعوا تحويل الشعب المصرى إلى شعب من اللاجئين لا قدر الله.
إلى جوار رجال القوات المسلحة يقف رجال الشرطة الأبطال يخوضون حرب مكافحة الإرهاب والإجرام باعتبارهما وجهين لعملة واحدة.
يوم الأربعاء الماضى كان موعدنا داخل مركز المعلومات وإدارة الأزمات بوزارة الداخلية، الذى يقع تحت الأرض، اللقاء كان حافلا بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى ليؤكد أن هناك منظومة أمن قوية ومتكاملة تعمل على مدار الساعة من أجل أن يعود الأمن والأمان للشعب المصرى كله، وتعود مصر واحة آمنة خالية من كل صنوف الإرهاب والتطرف والإجرام.
مركز المعلومات وإدارة الأزمات يعتبر نقلة نوعية مهمة لمواكبة التطورات السريعة فى العمليات الإرهابية والإجرامية، ويؤدى إلى تغطية كل شبر من أراضى مصر بشبكة أمان قوية من الاتصالات والمتابعة على مدار الـ 24 ساعة يوميا.
بالأرقام تراجعت العمليات الإرهابية 85% خلال السنوات الثلاث الماضية، وتم القضاء على العديد من البؤر الإجرامية التى كانت قد تحولت إلى أماكن يصعب اقتحامها نتيجة تسرب الأسلحة إلى أيدى المجرمين، بعد أن هرب العديد منهم خارج السجون فى أثناء الانفلات الأمنى، ومنهم المئات المحكوم عليهم بالإعدام، وأضعافهم محكوم عليهم بالأحكام المؤبدة، حيث تم ضبط أكثر من 5157 تشكيلا عصابيا فيهم أكثر من 16 ألف مجرم تحصنوا فى أكثر من 205 بؤر إجرامية فى محافظات مصر المختلفة. يتدخل الرئيس قائلا: الجيش والشرطة أولاد مصر، ويقدمون كل التضحيات من أجل توفير حياة كريمة وآمنة للمصريين، مشيرا إلى ما تحقق فى مجال الأمن خلال السنوات الأربع الماضية ليطمئن الشعب على توفير كل وسائل التأمين للمواطنين أثناء الانتخابات الرئاسية لكى يستطيع أن يقدم الشعب المصرى رسالة قوية وواضحة للعالم.
الأمر المؤكد أن تضحيات رجال الجيش والشرطة خلال السنوات الماضية كفيلة بتحريك عزم كل المصريين لتأكيد وحدة الشعب المصرى ضد الإرهاب والإجرام.
هذه التضحيات هى التى أنقذت مصر وشعبها من السقوط فى دائرة الحرب الأهلية، أو تحويل الشعب إلى شعب من اللاجئين كما حدث فى سوريا واليمن وليبيا.
لا بديل عن الخروج بكثافة للتصويت فى الانتخابات الرئاسية لتكون رسالة واضحة وقوية للداخل والخارج بأن الدولة المصرية لن تسقط أبدا إن شاء الله.