مقارنة بين الانتخابات الرئاسية الثلاثة الأخيرة ..وماذا لو كانت نسب الإقبال أكثر من ذلك؟ .. بقلم : عبدالمحسن سلامة

 

فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت عام ٢٠١٢ بلغ عدد جمهور الناخبين أكثر من ٥٠ مليونا، وعدد المرشحين فى الجولة الأولى ١٣ مرشحا، فى حين بلغ عدد الذين أدلوا بأصواتهم نحو ٢٣ مليون مواطن، وفى انتخابات ٢٠١٤ بلغ عدد الناخبين ٥٣ مليونا فى حين بلغ عدد الذين أدلوا بأصواتهم نحو ٢٤ مليونا، وفى الانتخابات الأخيرة وحتى كتابة هذا المقال لم تظهر بعد النتائج الرسمية للانتخابات إلا أنه وفقا للمؤشرات الأولية للنتائج غير الرسمية فقد كشفت بعض المصادر عن عدد الذين أدلوا بأصواتهم فى تلك الانتخابات من المتوقع أن يصل إلى ٢٥ مليون ناخب، وأن المرشح عبدالفتاح السيسى حصل على ما يقرب من ٢٣ مليونا بنسبة بلغت نحو ٩٦%، بينما حصل منافسه المهندس موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد على ٧٥٠ ألف صوت بنسبة تزيد قليلا على ٣% من الأصوات.

هذه هى المؤشرات الأولية التى انفردت بها جريدة الأهرام فى صدر صفحتها الأولى أمس الأول ــ الجمعة ــ وربما تزيد الأعداد قليلا أو تنخفض بعض الشىء، لكن نحن نتحدث هنا عن مؤشرات أولية، لكن فى كل الأحوال لن تكون هناك مفاجآت غير متوقعة فى النتائج التى سيتم إعلانها صباح غد الإثنين من الهيئة الوطنية للانتخابات كما هو مقرر.

ما يهمنى هنا هو أن نسبة الإقبال فى الانتخابات الرئاسية الثلاثة الأخيرة هى تقريبا النسب نفسها بفروقات بسيطة للغاية وكلها تدور فيما بين ٤٢ و ٤٥%، ومعنى ذلك ببساطة أن المصريين أدلوا بأصواتهم واختاروا قيادتهم بحرية كاملة واقتناع تام ليسجلوا رسالة مهمة فى توقيت شديد الأهمية بعد أن حاولت بعض الجهات البائسة داخليا وخارجيا إهالة التراب على العملية الانتخابية، داعين إلى مقاطعتها، ومنتظرين عزوف المواطنين عنها لتأكيد رؤيتهم الخاطئة، إلا أن الشعب المصرى كعادته، وقت اللزوم يظهر معدنه الأصيل محافظا على دولته، وداعما لها، ومتصديا لكل المخاطر التى تجابهها، مضحيا فى ذلك بالغالى والنفيس ومهما تكن الصعوبات والتحديات.

خروج المصريين لم يقل هذه المرة عن الانتخابات السابقة ولا انتخابات ٢٠١٢، والتى كثر فيها الطبل والزمر على اعتبار أنها أول انتخابات بعد ثورة ٢٥ يناير، وكان بها ١٣ مرشحا يتنافسون فى الجولة الأولي، ورغم كل ذلك لم تظهر فجوات ضخمة فى نسب الاقبال، مما يؤكد التفاف الشعب المصرى حول رئيسه واختياره بإرادته الحرة المباشرة. خاصة أن الانتخابات جرت تحت الإشراف القضائى الكامل، وكان هناك قاض لكل صندوق، وهو الإنجاز الضخم الذى يجرى العمل به منذ فترة، ومنذ أن أكدته المحكمة الدستورية قبل ثورة ٢٥ يناير فى حكمها التاريخي، وأتمنى لو قام مجلس النواب بتعديل النص الدستورى ليستمر الإشراف القضائى الكامل على كل الانتخابات دون سقف زمنى حتى لا تعود الطعون او الشبهات مرة اخرى إلى العملية الانتخابية، سواء الرئاسية أو البرلمانية.

الالتزام بسقف زمنى مدته عشر سنوات فقط للإشراف القضائى الكامل على الانتخابات نص دستورى معيب يحتاج إلى تعديل مثل بعض النصوص الأخرى التى تحتاج إلى تعديل هى الأخري، لكن هذا يحتاج إلى حديث آخر، وما يهمنى هنا هو تأكيد ضرورة استمرار الإشراف القضائى الكامل دون سقف زمني، إلى أن تستقر الديمقراطية الوليده، ويعتاد الشعب على نزاهة الانتخابات، وبعدها لكل حادث حديث.

الانتخابات الرئاسية جرت فى أجواء ديمقراطية رائعة، ولم تشبها أى احداث مؤثرة بمعنى الكلمة تؤثر على تزاهتها، والكل يشهد بذلك، وحتى التغطية الصحفية والإعلامية فقد سارت الأمور فيها على ما يرام، وقد تم تشكيل غرفة عمليات بنقابة الصحفيين لمتابعة عمل الزملاء خلال أيام الانتخابات، ووجدنا فى النقابة تعاونا كاملا من الهيئة الوطنية للانتخابات، وتم حل كل المشكلات التى واجهت الزملاء وهى مشكلات بسيطة تتعلق بوجود تصاريح عمل للتغطية من عدمه، ومع ذلك فقد تم حل هذه المشكلات، وتم السماح للزملاء بالقيام بأعمالهم رغم عدم وجود تصاريح عمل صادرة من الهيئة الوطنيه، وهى روح إيجابية ظهرت هذه المرة بوضوح فى إطار خطة العمل والتنسيق السائد بين نقابة الصحفيين من جهة والهيئة الوطنية للانتخابات، والمجلس الأعلى للاعلام، والهيئة الوطنية للصحافة من جهة أخري، وأثمر هذا التنسيق عن حل كل المشكلات الخاصة بالتغطية الصحفية والإعلامية للزملاء باختلاف الوسائل الصحفية والإعلامية التى ينتمون إليها.

 

فيما يخص الحشد وما أثير عن تدخل الدولة للحشد فى الانتخابات، فهو حديث عواجيز الفرح الذين لم يجدوا شائبة فى العملية الانتخابية فظهرت شماعة الحشد الانتخابى ورغم أن مايدور حول هذا الأمر هو محض شائعات وأكاذيب، إلا أنه حتى لو حدث هذا فهذا الأمر ليس معيبا بل إنه مطلوب، لأن الحشد يعنى حث المواطنين على الإدلاء بأصواتهم، وتسهيل تلك المهمة أو تيسير السبل اللازمة لذلك، وهو الأمر الذى يوجد فى كل دول العالم المتحضرة والمتقدمة التى تقوم بتوفير جميع التيسيرات والتسهيلات لمواطنيها من أجل ممارسة واجبهم الديمقراطي، والإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية وكل أنواع الانتخابات، لأنه لو لم تفعل الدولة ذلك ــ اى دولة ــ فإنها فى تلك الحالة تقوم بعرقلة عملية الانتخابات ومنع المواطنين من تأدية واجبهم، ومنعهم من ممارسة حقهم.

فرق ضخم بين الحشد والتوجيه، لكن للأسف هناك من حاول الخلط بين الإثنين، وهو الأمر غير المقبول، لأن الحشد الايحابى مطلوب، وليس عيبا أو نقيصة، أما التوجيه والضغط فهذا أمر آخر ولم ولن يحدث، ومن المستحيل أن يحدث مادامت الانتخابات نزيهة، والإدلاء بالأصوات يتم بحرية، بعد أن انتهى عصر تسويد البطاقات إلى غير رجعة، كما حدث فى الانتخابات البرلمانية المشئومة عام ٢٠١٠ التى كانت أحد أسباب ثورة ٢٥ يناير.

لو أن هناك تسويدا فلن يحتاج أحد إلى الحشد، ومادامت هناك نزاهة فى إجراء الانتخابات وإشراف قضائى كامل، فلا ضير من الحشد وتسهيل مهمة الناخبين فى الإدلاء بأصواتهم.

أعتقد أن نسبة المشاركة هى التى أخرست الألسنة، ووضعت حجرا فى فم اهل الشر فى الداخل والخارج، فليس هناك فارق يذكر بين نسبة الإقبال فى الانتخابات الرئاسية الثلاثة الأخيرة، بل إن الزيادة تبدو متدرجة وطبيعية فى الانتخابات الثلاثة الأخيرة أيضا فإنه فى انتخابات ٢٠١٤، و٢٠١٨، تكاد تكون النسب متقاربة بين ما حصل عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كل منهما حيث حصل فى انتخابات ٢٠١٤ على ٩6.9٤% وفى انتخابات ٢٠١٨ تشير المؤشرات إلى حصوله على ٩6.9% من الأصوات الصحيحة، رغم قوة المنافسة فى الانتخابات الماضية، إلا أن شعبية الرئيس كانت هى الفيصل بغض النظر عن المرشح المنافس ومن يكون؟ وأعتقد أن هذا أبلغ رد على من يحاولون التقليل من أهمية المرشح موسى مصطفى موسي، فالمشكلة ليست فيه أو فى غيره، والدليل النتيجة والنسبة فى هذه الانتخابات والانتخابات الماضية، فليس هناك فرق فى النسبة التى حصل عليها المرشح المنافس فى الانتخابات السابقة والحالية.

حتى لو زادت نسبة المشاركة ووصلت إلى ٥٠ أو ٦٠% وهو ما لم يحدث فى أى انتخابات رئاسية سابقة، فكان من المتوقع أن يكتسحها الرئيس عبدالفتاح السيسى بسهولة أيضأ حتى لو لم يأخذ من الأصوات الإضافية صوتا واحدا، وهذا مستحيل، ولكن بافتراض ذلك فإن نسبة اكتساح الانتخابات كانت سوف تكون كبيرة وبفارق ضخم أيضا.

الخلاصة ان الشعب أختار طريقه، واختار مستقبله بإرادة حرة نزيهة لم تشبها شائبة، واظن أن هذا أبلغ رد على المتربصين والحاقدين والارهابيبن فى الداخل، وكل قوى التآمر فى الخارج الذين كانوا ينتظرون لحظة إعلان «الشماتة» التى هى مجرد محض خيال فى عقولهم المريضة، فالشعب تعلم الدرس، ووعى التجربة، ونضج بما فيه الكفاية، وتحصن ضد فيروسات التآمر التى عاناها كثيرا.

دعونا ننظر إلى المستقبل، ونشارك فيه جميعا من أجل بناء الدولة الديمقراطية المدنية العصرية الحديثة، وبناء اقتصاد إنتاجى مزدهر وقوى يلبى متطلبات الشعب المصرى من الاحتياجات الأساسية، ويسهم فى زيادة الصادرات والحد من الواردات، وفتح فرص عمل للشباب، وخفض نسب البطالة، وإقامة نظام ضريبى عادل يشمل كل أفراد المجتمع المصرى بعدالة، واستيعاب الاقتصاد غير الرسمى داخل المنظومة الاقتصادية، بعيدا عن التهرب الضريبى الذى يشكل خللا جسيما حتى الآن.

الاستقرار هو دعامة الاقتصاد الأولي، وبانتهاء الانتخابات الرئاسية تكون مصر قد ترسخت أقدامها فى طريق الاستقرار مما سيكون له أعظم الأثر فى النمو الاقتصادى والانطلاق نحو المستقبل إن شاء الله.

Back to Top