البطالة والإنتاج والضرائب.. ثالوث التحديات المقبلة.. بقلم : عبد المحسن سلامة
جهد رائع وغير عادى حدث خلال السنوات الأربع الماضية شمل العديد من القطاعات، سواء فيما يتعلق بالإصلاح المالى أو التأسيس للانطلاقة الاقتصادية المقبلة من خلال توفير البنية التشريعية اللازمة، وإحداث ثورة هائلة فى البنية الأساسية خاصة شبكة الطرق والكبارى والأنفاق بما يمهد الطريق لجذب الاستثمارات ويفتح آفاقا أوسع أمام المستثمرين المحليين والعرب والأجانب.
نجاح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ولايته الثانية يضمن استمرار الجهد المبذول وسرعة ظهور نتائجه خلال المرحلة المقبلة على جميع الأصعدة خاصة ما يتعلق بالفائدة المباشرة على المواطنين، وكبح جماح الأسعار، وفتح فرص عمل أوسع للشباب, وتخفيض نسب البطالة فيما بينهم وزيادة الإنتاج بما يؤدى إلى تخفيض فاتورة الاستيراد، وزيادة الصادرات، وتوفير المعروض من السلع فى الأسواق بما يسهم فى خفض الأسعار أو على الأقل ضمان عدم زيادتها بقفزات جنونية.
كان الإصلاح الاقتصادى هو الدواء المر الذى لابد منه للاقتصاد المصري، وإلا فإن العواقب الوخيمة كانت واقعة لا محالة، ويحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى جرأة وشجاعة اتخاذ القرار، وفى الوقت نفسه يحسب للشعب المصرى تفهمه تلك القرارات، باعتبارها حلا لا بديل عنه، ومن هنا فقد استطاع الاقتصاد المصرى تجاوز أصعب مراحله على الإطلاق، لكن لاتزال هناك مراحل أخرى لابد من استكمالها ليتعافى الاقتصاد المصري، ويسجل معدلات نمو تصل إلى 8% على الأقل، ولعدة سنوات حتى يشعر المواطن بعائد الإصلاح الاقتصادي، وأعتقد أن هذا المعدل يمكن أن يتحقق خلال عامين على أكثر تقدير إذا استمر معدل الأداء بالوتيرة نفسها الحالية.
هناك العديد من الملفات التى لابد أن تكون ضمن الأولويات الاقتصادية للحكومة فى الفترة المقبلة أبرزها فى تصورى هو ما يتعلق بتخفيض معدلات البطالة، وثانيها زيادة الإنتاج وتعديل هيكل الاقتصاد المصرى من الاقتصاد الريعى إلى الاقتصاد الإنتاجي، وثالثها تحقيق العدالة الضريبية لضمان تحصيل المليارات المهدرة والسيطرة على الاقتصاد الهامشي.
فيما يتعلق بالبطالة فهى التحدى الأكبر للحكومة خلال الفترة المقبلة.. صحيح أن معدلات البطالة انخفضت بعض الشيء وسجلت تلك المعدلات انخفاضا واضحا خلال النصف الأخير من العام الماضى طبقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء بعد أن بلغت 11.9% مقابل 12.6% فى العام قبل الماضى حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل خلال تلك الفترة ثلاثة ملايين ونصف المليون عاطل بانخفاض قدره 127 ألفا عن عام 2016.
رغم ذلك فإن التحدى مازال كبيرا لخفض معدلات البطالة إلى نصف معدلها الحالى بما يضمن تشغيل أكبر عدد ممكن من الأيدى العاملة الشابة وانتشالهم من العوز والبطالة والاحباط.
البطالة مشكلة فى كل الأحوال، وهى مشكلة كل بيت الآن، والعاطل هو مشروع مجرم أو إرهابى أو فاسد أو محبط، وبحسبة بسيطة فإن الأسرة التى يعمل بها أكثر من فرد أفضل حالا بالتأكيد من الأسرة التى يعمل بها فرد واحد، أى أن هناك عائدا مباشرا على كل الأسر المصرية من انخفاض معدلات البطالة خلال المرحلة المقبلة.
الشباب لا يريد أن يكون وزيرا أو مسئولا لكنه يريد فرصة عمل جادة وحقيقية.. تدر عائدا مناسبا وتوفر له الحياة الكريمة.. أما أن يكون وزيرا أو مسئولا فتلك قصة أخرى لها آلياتها وظروفها، ولا تهم القطاع العريض من الشباب الباحث عن الحياة الكريمة.
يرتبط بالبطالة التحدى الأهم وهو تحويل هيكل الاقتصاد المصرى من الاقتصاد الريعى إلى الاقتصاد الإنتاجي.
لا يمكن لدولة مثل مصر يفوق عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة أن تعيش على الاستيراد، وأن يستمر الوضع الحالى المختل الذى لا يكفى فيه الإنتاج سوى نسبة ضئيلة من الاحتياجات، مما أدى إلى خلل خطير فى الميزان التجارى.
تحويل الاقتصاد المصرى من الاقتصاد الريعى إلى الاقتصاد الإنتاجى يحتاج إلى خطة محكمة وواضحة المعالم يتم تنفيذها خلال مدة زمنية محددة بحيث يصبح الاقتصاد المصرى اقتصادا إنتاجيا فى المقام الأول، ولا مانع من استمرار الاقتصاد الريعى إلى جواره، حيث يتميز الاقتصاد الإنتاجى بالقدرة على النمو الدائم والصمود فى مواجهة العواصف والتقلبات أيا كان سببها، فى حين ان الاقتصاد الريعى سريع الانهيار والتدهور، لكن ليس معنى ذلك إهمال الاقتصاد الريعى ومن المهم أن يسير الاقتصاد الوطنى على «عكازين» إذا جاز التعبير وهما: الأول الإنتاج، والثانى الخدمات والسياحة وكل ما يتعلق بالاقتصاد الريعى، وبذلك نضمن أن يحقق الاقتصاد المصرى قفزات هائلة، كما فعلت الدول التى سبقتنا كالصين والهند وإندونيسيا وماليزيا، وهى الدول التى استطاعت خلال فترة زمنية قصيرة القفز بسرعة الصاروخ فى المجال الاقتصادى، وغزت منتجاتها دول العالم المختلفة بسبب تركيزها على الإنتاج أولا، ثم الاهتمام بالمجالات الأخرى ثانيا.
لا يعقل أن تستمر فاتورة استيراد السلع الغذائية أكثر من 12 مليار دولار لتشمل تقريبا كل شىء وأى شىء بدءا من الفول، ومرورا بالعدس والزيوت، وانتهاء باللحوم والدواجن والأسماك.
ما فعله الرئيس خلال المرحلة الماضية من انشاء المزارع السمكية فى بركة غليون، وشرق بورسعيد، واستصلاح المليون ونصف المليون فدان، واقامة الـ100 ألف صوبة التى يوازى إنتاجها مليون فدان تقريبا، وكذلك مشروع المليون رأس ماشية وغيرها من المشروعات هى جزء من خطة طموح لتعزيز الإنتاج المحلي، وسد الاحتياجات الأساسية للمواطن من تلك السلع، إلا أن الأمر يحتاج إلى استمرار مضاعفة تلك الجهود فى كل المجالات لتعزيز الاقتصاد الإنتاجى على كل الأصعدة.
لابد أن تنتهى ظاهرة الاستيراد العشوائى لكل شىء، وأن تكون هناك خطة إحلال للمنتج المحلى فى كل القطاعات تمهيدا لبدء مرحلة تصدير المنتج المصرى بعد كفاية السوق المحلية أولا، ثم تصدير الفائض بعد ذلك.
نحتاج إلى ثورة صناعية شاملة خلال الولاية الثانية للرئيس تتضمن افتتاح المصانع المغلقة وحل مشكلاتها، ورصد كل مواضع الخلل فى الصناعة المصرية، ومعالجتها، ولا مانع من تقديم حوافز استثمار جديدة لتشجيع الاستثمارات فى المجالات الصناعية التى تعانى من فجوة بين الإنتاج والاستهلاك من أجل سد تلك الفجوة بإقامة المصانع والمشروعات الكفيلة بحل تلك الأزمة.
التوسع فى الإنتاج الصناعى والزراعى سوف يسهم فى تخفيض فاتورة الاستيراد، وزيادة الصادرات، وبالتالى عودة الكرامة للعملة الوطنية «الجنيه» بعد أن شهد تراجعا حادا بعد التعويم نتيجة انخفاض الإنتاج، وزيادة الواردات وانخفاض الصادرات.
لن تعود للجنيه قيمته إلا بعد زيادة الإنتاج، ليعود الجنيه ملكا متوجا داخل وطنه، أما استمرار الوضع الحالى فهذا يعنى استمرار تذبذب قيمته وعدم استقراره.
زيادة الإنتاج معناه أن تتحول مصر إلى صين للعرب وإفريقيا، واستغلال هذه السوق الواسعة والممتدة فى العالمين العربى والإفريقى فى زيادة الصادرات المصرية، لكن قبل التصدير لابد أن يكون لدينا إنتاج يكفى احتياجات السوق المحلية ويفيض.
التحدى الثالث للإصلاح الاقتصادى هو تحقيق العدالة الضريبية دون خوف أو تردد.
فى مصر هناك قطاع عريض يملك ثروات ضخمة لا يدفعون الضرائب المستحقة عليهم بقصد أو دون قصد، فمنهم المتهربون والمتلاعبون الذين يستحقون الإعدام شنقا، ومنهم من لا يعرف الطريق الصحيح لدفع الضرائب المستحقة عليه.
الأمر المؤكد أن ملف الضرائب فى مصر هو أحد الملفات التى تعبر بوضوح عن الخلل الجسيم فى المجتمع، وتؤكد عدم وجود عدالة اجتماعية، فهناك حيتان كثيرون يملكون الملايين، ولا يدفعون ضرائب، وإن دفعوا لا يدفعون إلا الفتات، فى حين أن هناك فئات أخرى محدودة يتم تطبيق الضرائب عليها بصرامة، وهم أصحاب الدخول الثابتة.
للأسف حتى الآن لا يوجد نظام ضريبى عادل يطبق بصرامة على الجميع دون استثناء، فهناك قطاع ضخم يتهرب من الضرائب حيث يصل حجم التهرب الضريبى إلى أكثر من 400 مليار جنيه سنويا أى ما يوازى نحو 23 مليار دولار سنويا، وهو رقم ضخم وخطير يكفى مصر شر القروض والمنح والمعونات.
هناك قطاع ضخم يتم تحصيل الضرائب منه عشوائيا هو قطاع الاقتصاد غير الرسمى، وتبلغ قوته نحو 50% من اجمالى الاقتصاد القومي.
صحيح أن المسألة متراكمة وليست أزمة الحكومة الحالية، لكنها متوارثة ومنذ عقود طويلة، لكن الأمر يستحق أن تعطى له الحكومة الأولوية العاجلة.
قطاعات ضخمة لا تخضع للمحاسبة الضريبية العادلة مثل تجارة الأراضى والعقارات، وتجارة الألبان، والأعلاف، والأسمدة، والخردة، ومصانع بير السلم بكل أنواعها، والكثير من الأنشطة التجارية والصناعية المختلفة.
أيضا فإنه من المهم أن تدرس الحكومة فكرة الضريبة التصاعدية التى تطبق فى العديد من البلدان الرأسمالية، ومنها أم الرأسمالية «أمريكا».
فى أمريكا هناك 3 أنواع من الضرائب منها الضرائب المركزية ومنها ضريبة الإقليم, أو الولاية, ثم أخيرا ضريبة المدينة وتصل إجمالى الضرائب فى أمريكا إلى 42% فى حين تصل الضرائب فى الصين إلى 35%، وبالتالى لا خوف من الضرائب التصاعدية على الاستثمار أو هروب المستثمرين.
الإصلاح الضريبى ضرورة عاجلة سوف تسهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتخفيف من الضغط الزائد على الطبقة المتوسطة التى تتحمل معظم الأعباء.
الأمر المؤكد أن الفترة المقبلة سوف تشهد انطلاقة كبرى للاقتصاد المصرى ليعود عفيا وقادرا على مواجهة كل التحديات ومحققا طموحات الشعب المصرى وآماله فى كل المجالات بعد أن اجتاز عنق الزجاجة فى عملية الإصلاح الاقتصادى الصعبة والمعقدة.