مخاطر الأمن القومى على مائدة القمة العربية.. بقلم : عبدالمحسن سلامة
اليوم تنعقد القمة العربية فى المملكة العربية السعودية وسط تحديات خطيرة تواجه الأمن القومى العربى، وللأسف فإنه حتى الآن ورغم مرور 73 عاماً على تأسيس الجامعة العربية، فإن تأثيرها مازال محدودا فى صد المخاطر التى تواجه الأمن القومى العربى، ولا يزال دورها يشهد صعوداً وهبوطاً حاداً فى المواقف الإقليمية والدولية المختلفة مما جعلها تقف عاجزة عن حل مشكلات بعض أعضائها الذين وقعوا فريسة للمشكلات المختلفة سواء كانت تلك المشكلات متعلقة بظروف خارجية، كما فى حالة فلسطين واحتلال أراضيها من جانب إسرائيل، أو المشكلات الداخلية، كما فى حالة الصومال وليبيا واليمن وسوريا.
وجود الجامعة العربية ضرورة لكن تطويرها بات أكثر ضرورة وإلحاحا من أى وقت مضى، فهى من أقدم المنظمات الاقليمية فى العالم وتمتد مساحة أراضى الأعضاء فيها إلى ما يزيد على 13 مليون كيلو متر مربع يسكن فيها أكثر من 400 مليون نسمة، وبها قدرات اقتصادية هائلة وتتنوع مواردها الاقتصادية بشكل يجعلها دائما وأبدا محط أطماع القوى الأجنبية.
كان من أبرز أخطاء الجامعة العربية صمتها عن التدخل الأمريكى فى العراق، وموافقتها على التدخل فى ليبيا، وتلك أخطاء قاتلة سمحت لقوى التآمر الأجنبية بالتخريب فى المنطقة العربية، والآن الدور على سوريا التى تحولت إلى منطقة حرب بالوكالة بين الدول الكبرى بعضها البعض من جانب. كما تحولت إلى مركز إقليمى لقوى الإرهاب والتطرف من كل دول العالم، وباتت الخريطة السورية «ضبابية» إلى حد كبير، وبعد أن بدأت سوريا تتعافى عادت الأمور أسوأ مما كانت عليه نتيجة التدخلات الإقليمية من جانب أو التدخلات الخارجية من جانب آخر.
من الظلم تحميل القمة العربية الحالية مسئولية حل كل المشكلات التى تواجه العالم العربى الآن، فهى مشكلات تحتاج إلى سنوات وسنوات لإيجاد ضوء فى نهاية النفق، لكن ليس من الصعب أن تخرج القمة بخريطة طريق لمواجهة التحديات الحالية قبل أن تتفاقم الأوضاع فى العالم العربى بشكل أسوأ مما عليه الآن.
مشكلة الجامعة العربية أنها ومنذ تأسيسها اهتمت بالشكل اكثر من المضمون فقد كان شرطها الرئيسى ولا يزال هو أن تكون اللغة العربية هى اللغة الرسمية للدول المنضمة إليها، فى حين أهملت الجامعة باقى الضوابط التى كان من الضرورى الالتزام بها فى إطار تحقيق هدف بعيد المدى مثلما حدث فى الاتحاد الأوروبى الذى أقام سياسة اقتصادية موحدة للأعضاء فيه، وألزمهم رؤية استراتيجية وسياسية موحدة قد تكون بها بعض الاختلافات غير الجوهرية، لكن يبقى الإطار العام واضحا وملزما للجميع، كما أنه فتح باب الدخول والخروج منه وإليه بآليات محددة كما حدث فى الحالة البريطانية التى قررت الخروج من الاتحاد الأوروبى، وأيضا كما حدث فى العديد من دول أوروبا الشرقية التى التزمت المعايير أولا قبل أن تدخل الى الاتحاد الأوروبى، فى حين أنه يرفض حتى الآن انضمام تركيا لكونها لم تلتزم المعايير التى وضعها الاتحاد للانضمام إليه.
ليس هناك مستحيل لكن تبقى الرغبة فى التطوير وهى موجودة لكن المشكلة فى اتخاذ قرارات الإصلاح فى ضوء ضغوطات كثيرة إقليمية وعالمية، فإيران من جانب تقوم بدور يثير الشكوك فى العراق واليمن وسوريا ولبنان، وهناك اطراف اقليمية أخرى تقوم بنفس الدور التخريبى خاصة تركيا وقطر، أما بعض الأطراف الخارجية فهى دائما وأبدا تقوم بالدور المعاكس لكل تحرك ايجابى يستهدف لم الشمل العربى وإيجاد كيان عربى قادر على مواجهة التحديات الحالية.
لعله من المفيد هنا أن نشير إلى دراسة مهمة وحديثة قامت بها الزميلة د. إيمان رجب الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عن مفهوم الأمن القومى العربى والتى أشارت فيها إلى عدة عوامل لها علاقة بمفهوم الأمن القومى العربى لا بد من دراستها ووضعها فى الاعتبار.
أول هذه العوامل التحولات التى يشهدها النظام العالمى فى ظل العولمة من حيث تحول موازين القوى وتغيير هيكل النظام على نحو يدفع بمراجعة أمور كانت من المسلمات فى التعامل مع مفهوم الأمن.
فى حالة الأمن القومى العربى لم تعد إسرائيل وحدها كما رصدت الباحثة هى مصدر التهديد الرئيسى للأمن القومى العربى، وذلك بعد أن أصبحت الكيانات الإرهابية مصدرا خطيرا لتهديد الأمن القومى العربى كما هو حادث الآن فى بعض الدول العربية.
العامل الثانى يتعلق بالتطور التكنولوجى، وما حمله من تطور التهديدات التى يمكن أن يتعرض لها الأمن بصفة عامة، حيث لم يعد التهديد العسكرى من الدول الأعداء هو الشكل الوحيد للتهديد وما يرتبط بذلك من قضايا الخلافات الحدودية والنزاعات التاريخية وأطماع بعض الحكام فى الدول المجاورة وأصبح هناك التهديدات الإليكترونية التى ساهمت فى بزوغ نجم الإرهاب والتطرف كما يحدث فى بعض الدول العربية الآن.
العامل الثالث ينصرف إلى الأحداث الكبرى التى تعيد ترتيب أولويات تحقيق الأمن، كما حدث فى الأزمة العراقية- الكويتية عام 1990، وما تلى ذلك من تغير فى مفهوم الأمن لدى بعض الدول العربية، وكذلك بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق عام 2003، وما تلاه من تعاظم النفوذ الإيرانى فى المنطقة العربية، وكذلك تزايد النفوذ التركى، مما استدعى زيادة الإنفاق العسكرى لمعظم الدول العربية والتوسع فى شراء الأسلحة، وقيام تحالفات بين الدول العربية وبعض القوى الغربية.
لقد أدت هذه التطورات إلى تحول فى التصورات السائدة فى المنطقة العربية حول ما يعد مصدر لتهديد أمن الدول، وبعد أن كانت إسرائيل هى مصدر التهديد الرئيسى للأمن القومى العربى، أصبحت إيران هى الأخرى مصدرا لتهديد أمن المنطقة لاسيما فى ظل تزايد مخاوف دول الخليج العربى من تصاعد النفوذ الايرانى وتدخلها فى الشئون الداخلية لبعض الدول العربية، ورغبتها الملحة فى تصدير الثورة للدول العربية المجاورة.
فى النهاية وضعت الدراسة رؤية استراتيجية مقترحة لتحقيق الأمن القومى العربى تقوم على عدة عناصر أبرزها أولا: أن تكون أى ترتيبات أمنية سواء أخذت شكل تحالفات أو غيرها ذات طبيعة اختيارية فى عضويتها.
ثانيا: أن تكون السياسات المقترحة والمتعلقة بالجوانب غير الأمنية والعسكرية قابلة للتنفيذ على مستوى الدول العربية بصورة منفردة أو على مستوى الجامعة العربية بصورة جماعية.
ثالثا: تضمين الاستراتيجية المقترحة سياسات ذات طبيعة جزئية تتعامل مع تهديدات محددة.
رابعا: أن يكون المدى الخاص بالاستراتيجية المقترحة هو المدى القصير وذلك لتجنب حدوث تحولات جديدة فى المنطقة تخلق واقعا مختلفا قد لا يتلاءم مع الاستراتيجية المقترحة.
الحفاظ على الجامعة العربية ضرورة، لكن هذا لا يمنع من إيجاد رؤى أخرى سواء من داخل الجامعة أو خارجها لمواجهة المخاطر الحالية التى تعصف بالمنطقة العربية والتى أدت إلى ضياع العديد من دولها وسقوطها تحت براثن الاحتلال مثل فلسطين أو سقوطها بفعل الإرهاب والتطرف والتآمر مثل سوريا واليمن وليبيا والصومال، وأعتقد أن الرباعى العربى الذى يضم مصر والسعودية والإمارات والبحرين يمكن أن يكون نواة حقيقية لتجمع اقليمى عربى لإنقاذ الجامعة العربية نفسها، ووضع رؤية استراتيجية لإنقاذ المنطقة كلها.
صحيح أن الرباعى العربى ظهر فى إطار ظرف معين خاص بدولة قطر لكنه من الممكن أن يكون قاطرة لإنقاذ المنطقة كلها من المخاطر التى تهددها.
المهم الآن وبسرعة وضع تصور لإنقاذ ما تبقى من سوريا قبل أن تتحول إلى دولة للأشباح يحاول أن يدفن فيها ترامب مشاكله الداخلية، أو يحقق فيها بوتين طموحاته بعودة الدب الروسى أقوى مما كان، فهل تنجح القمة العربية فى الحد الأدنى الذى تنتظره الشعوب العربية؟!
أرجو أن يستجيب الزعماء العرب لنداءات الشعوب التى تريد الحفاظ على هويتها العربية وتتعلق بأحلام الوحدة والمصير المشترك، وفى الوقت نفسه انقاذ المنطقة العربية من الأخطار التى تحيط بها من كل جانب.