وعى الشعب.. والتحدى الصعب .. بقلم : عبدالمحسن سلامة
الأمر المؤكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يبذل قصارى جهده لكى يضع مصر فى مكانتها الحقيقية بين الأمم، ولكى تستعيد ريادتها، ويتعافى اقتصادها، والمشكلة الحقيقية تكمن فى توقيت ولاية الرئيس حيث دفع به القدر إلى سدة الحكم فى وقت عصيب، بعد أن كانت الأمور فى مصر وصلت إلى حافة الهاوية سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا، واجتماعيا.
سياسيا: كانت الأمور قد وصلت إلى مداها الأصعب بعد رفض محمد مرسى وجماعته كل المقترحات والحلول، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وانقسم الشعب ودبت الفتنة فى أواصره، حتى خرجت الجماهير مرة أخرى فى 30 يونيو لوأد الفتنة، ولملمة الجراح الغائرة والندوب التى لحقت بجسد الوطن.
اجتماعيا: تقطعت أواصر العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة بين مؤيد ومعارض، ووصل الأمر إلى وقوع حالات طلاق، وقطيعة رحم بسبب الخلافات السياسية.
أمنيا: سادت الفوضى والانفلات أرجاء الدولة المصرية، وافتقد المواطن المصرى الأمن والأمان ليفقد الشارع المصرى أعز ما يملك وهو الأمن والأمان بالليل والنهار، وظهرت العصابات الإجرامية فى «عز الظهر» تخطف وتسرق وتهدد وتتوعد، ولم تفرق فى ذلك بين عوام الناس، وبين الأثرياء وكبار القوم، وأصبحت معرفة كبار المجرمين شرفا يتباهى به الكثيرون.
كل هذه الأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية انعكست على الوضع الاقتصادي، وبعد أن كان معدل النمو قد وصل إلى ما يقرب من 7.5% قبل ثورة 25 يناير انهار بعد الثورة ووصل إلى 1.5% أو ربما أقل من ذلك، وتوقفت عجلة العمل والإنتاج، وهرب السائحون إلى غير رجعة، وانهارت تحويلات المصريين بالخارج وأصبح الاقتصاد المصرى يعيش على الإعانات والمعونات، وباتت رقاب العباد معلقة بمدى رضا هذه الدولة أو تلك، وإرسالها للمعونات النقدية أو العينية المتمثلة فى شحنات الغاز والبترول.
هكذا وصلت الأمور فى مصر إلى هذا المستوى المتدنى فى كل القطاعات حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيسا لمصر منذ 4 سنوات فى توقيت عصيب، متحملا لكل المخاطر المحتملة آنذاك. لم يكن هناك مفر من المواجهة لكل الأمراض الخبيثة التى عششت فى جسد الدولة المصرية أمنيا واقتصاديا وسياسيا فى محاولة لإزالة الغبار، وعلاج الآثار السلبية على مختلف الأصعدة.
من الطبيعى أن يكون خلال فترة العلاج من كل هذه الأمراض إحساس بالمعاناة والإرهاق من المواطنين، ولكن ليس هناك مفر من استكمال العلاج، وإلا حدثت انتكاسة أخرى قد تكون أكثر خطورة ممن سبقتها من الأزمات.
يوم الأربعاء الماضى كان الموعد مع المؤتمر الخامس للشباب، والذى ربما يكون المؤتمر الأخير خلال فترة الولاية الأولى للرئيس قبل أن تبدأ فترة الولاية الجديدة خلال الشهر المقبل.
المؤتمر جاء كعادة مؤتمرات الشباب فيه من الصراحة ما يكفي، والرئيس كان كعادته طبيعيا، ومنطلقا، وواضحا، ومخلصا.
توقيت المؤتمر كان ضروريا لأنه جاء فى أعقاب تساؤلات كثيرة من قطاعات عديدة من المواطنين حول الأوضاع الاقتصادية بعد أن خرجت كل المؤشرات والدراسات المحلية والعالمية تشيد بأداء الاقتصاد المصرى وبداية تعافيه، لكن فى نفس الوقت جاء ارتفاع بعض أسعار السلع والخدمات خاصة أسعار تذاكر المترو لتزداد حالة النقاش سخونة بين مؤيد ومعارض.
جاء مؤتمر الشباب ليكون نافذة للشعب لرؤية كل الكواليس داخل أروقة الحكم، وفى نفس الوقت ليستمع المواطن إلى إجابات للأسئلة المطروحة واستشراف أفق المرحلة المقبلة خاصة ونحن مقبلون على فترة رئاسية جديدة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس بولاية ثانية من خلال انتخابات شفافة ونزيهة شهد بها القاضى والدانى.
خلال المؤتمر تم طرح العديد من القضايا على مائدة النقاش العام وكان أبرز تلك القضايا هى القضايا الاقتصادية والسياسية والحزبية، والقضايا الخارجية وخاصة فيما يتعلق بسد النهضة، وكذلك القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الأزمة السكانية.
هذه القضايا وغيرها كانت موضع النقاش داخل جلسات المؤتمر، وبين الاستراحات التى تخللت تلك الجلسات على مدى يوم كامل امتد من العاشرة صباحا حتى الثامنة مساءا تقريبا.
أعتقد أن المحور الاقتصادى كان المحور الأهم فى المؤتمر، وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى صادقا ومخلصا فى مداخلاته وإجاباته مشيرا إلى أنه يشعر بالمواطن العادى وأنه ينتمى إلى الطبقة الفقيرة ويعلم جيدا معاناة الناس، لكن فى نفس الوقت لابد أن يتأكد المواطن أن تلك الإجراءات الصعبة هى التى حمت المواطنين من إجراءات أكثر قسوة كان من الممكن أن تحدث، لأنه بدون اتخاذ هذه الإجراءات كان الوضع الاقتصادى سيكون أسوأ بكثير.
هى معادلة صعبة لكن لابد أن يتفهمها المواطن بعيدا عن الأحكام الانفعالية والسريعة التى تخلط الأوراق، فحينما يكون هناك مريض إما أن يلتزم بالتعليمات الطبية الصارمة والمؤلمة أحيانا، وإما أن يتعجل الشفاء أو يتجاهل العلاج فتكون النتيجة أسوأ بكثير.
تلك هى المعادلة ببساطة، فالاقتصاد المصرى كان على شفا الانهيار، والدولة كلها كانت على حافة الإفلاس، ولم تعد المسكنات تكفى بعد أن انتهى مفعولها، ولم يعد هناك مفر من المواجهة، وهو ما فعله الرئيس عبدالفتاح السيسي، تحمل عبء المخاطرة كعادته، واختار الطريق الصعب لينقذ الاقتصاد المصرى من أوجاعه المتراكمة عبر عقود، وبدأت مسيرة الإصلاح الاقتصادي، وكانت البداية تحرير سعر الصرف لينهى دعم الدولار وهو الدعم الذى كان يستنزف معظم موارد الدولة تقريبا من أجل استمرار دعم طبقة من رجال الأعمال الذين يعيشون على استيراد نفايات الدول الأخرى وإغراق الأسواق المصرية بها، مما أدى إلى غلق المصانع لأبوابها، وتشريد العمالة المصرية.
كان تحرير سعر الصرف خطوة صعبة ومؤلمة لكنه كان ضروريا ليعود الاستقرار مرة أخرى إلى سوق الصرف، ويعود للصناعات المحلية رونقها وبريقها، وتنتهى الأسواق السوداء للدولار، وتنتهى معها المحاولات الخبيثة لمنع وصول تحويلات العاملين بالخارج.
صحيح أدت هذه الخطوة إلى ارتفاع أسعار الكثير من السلع لكن لم يكن هناك مفر من تلك الخطوة، وإلا كانت تلك السلع سوف تختفى إلى الأبد من السوق المصرية.
الآن عاد الاستقرار إلى سوق الصرف، ولم يعد هناك مشكلة فى تحويل أرباح المستثمرين إلى الخارج، وأيضا ارتفع الاحتياطى إلى أكبر رقم فى تاريخه حيث وصل إلى أكثر من 44 مليار دولار بما يكفى احتياجات الدولة لمدة 6 أشهر.
الرئيس طمأن المواطنين على أن الاقتصاد المصرى يسير فى طريق التعافى بشهادة البنك الدولى والمختصين مطالبا المواطنين بالنظر إلى «الصورة الكاملة» لكل أبعاد القضايا المطروحة حتى يمكن الحكم عليها بشكل موضوعي.
اعتقد أنه آن الأوان ليعيد المواطنون رؤيتهم حول المشكلة السكانية، وما كان يصلح للأمس لا يصلح للغد بالضرورة، ومن هنا لابد أن يتحمل كل مواطن مسئوليته فى الأزمة السكانية.
لقد ذهب أحد الآباء يشكو ابنه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من أنه يعقه فسأله عمر بعض الأسئلة حول تعليم ابنه وطريقة تربيته وأسرته، وبعد أن أخبره الأب أنه اختار لابنه اسما سيئا، ووالدته من العبيد، ولم يعلمه شيئا، ولم يحسن تربيته، قال له عمر لقد «عققته» قبل أن «يعقك».
من غير الطبيعى أن تقذف الأسر بالأبناء فى الشارع دون تعليم أو تربية ويصرون على الإنجاب بزيادة ثم نتحدث عن الإصلاح الاقتصادى والغلاء والمتاعب.
لابد أن يتحمل كل فرد مسئوليته والحد من الإنجاب بما يتلاءم مع ظروف كل أسرة وظروف معيشتها، وإلا سوف تلتهم الزيادات السكانية كل معدلات النمو ولايظهر لها أثر.
فيما يتعلق بالأوضاع الحزبية والسياسية جاءت الجلسة المخصصة لهذا الغرض صريحة وواضحة، وناقشت كل الآراء والتوجهات، وعرضت كل المخاوف، وجاءت المفاجأة السارة من الرئيس بالعفو عن دفعة جديدة من الشباب المحبوسين على ذمم قضايا مختلفة، وتوجيهه بسرعة الإفراج عنهم ليتناولوا وجبة سحور أول ليلة فى رمضان مع ذويهم.
الملاحظة الثانية هى رغبة الرئيس فى الانفتاح على كل الآراء المعارضة طالما كانت تصب فى صالح الدولة المصرية، وكانت بعيدة عن الشطط الذى يمكن أن يعصف بكيان الدولة كما حدث بعد 25 يناير، فالنيات كانت حسنة، ولكن النتائج للأسف كانت سيئة، وبالتالى فلابد من الاستفادة من التجارب السابقة بحيث يتم استيعاب كل الآراء المعارضة والاستفادة منها بشكل تدريجى ومنضبط وفى إطار رؤية شاملة للتنسيق بين الحكومة والمعارضة.
لقد شاهدت ترجمة فعليه لما قاله الرئيس خلال جلسات المؤتمر حيث التقيت العديد من الشخصيات المحسوبة على المعارضة التى شاركت فى المؤتمر، وهو ما يؤكد صدق توجه الحكومة فى التواصل مع المعارضة خلال المرحلة المقبلة.
فى جلسة «اسأل الرئيس» تصدر سد النهضة أسئلة المواطنين كالعادة، وجاءت إجابة الرئيس لتشير إلى بعض التقدم فى هذا الملف الحساس خاصة بعد الجولة التساعية الأخيرة التى عقدت فى أديس أبابا مشيرا إلى أن هناك انفراجة كبيرة حدثت وتقدما فى المفاوضات مع إثيوبيا والسودان، لضمان الحفاظ على حصة مصر من المياه، وأنه قد تمت دعوة رئيس الوزراء الإثيوبى لزيارة مصر والتحدث إلى الشعب المصرى لطمأنته،
أعتقد أن المؤتمر الخامس للشباب نجح فى وضع النقاط على الحروف فى الكثير من القضايا المطروحة على الساحة، وأجاب عن الكثير من الأسئلة التى دارت فى أذهان المواطنين، خلال الأيام الماضية، وفتح أبواب الأمل لمستقبل أفضل خلال المرحلة المقبلة إن شاء الله.