مغامرات ترامب من القدس إلى الجولان!.... بقلم : عبدالمحسن سلامة

 

يبدو أن شخصية ترامب تنعكس بشدة على تصرفاته، فهو يميل إلى المغامرة، ولايهدأ، ودائماً يفاجئ المجتمع الدولى بمفاجآت كثيرة صادمة وغير معقولة، وفى منطقة الشرق الأوسط استبشرنا خيراِ بقدومه لأنه كان دائما رافضا لسلوك الإدارات السابقة التى تورطت فى إشعال الثورات فى المنطقة، وأدان تدخلها لتغيير الأنظمة بالقوة، رافضاً تصرفات تلك الإدارات التى أشعلت المنطقة، وأسهمت فى دعم التطرف والإرهاب، ونشرت القلاقل والاضطرابات فى المنطقة كلها.

لكن سرعان ما انقلب ترامب، وبدأت تصرفاته المثيرة للجدل تظهر بقوة حينما أصر على توقيع قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ضارباً عرض الحائط بمشاعر الفلسطينيين ومليارات المسلمين والعرب، ومتجاوزا كل الأعراف والتقاليد الأمريكية، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، وقام بتنفيذ قراره، وتم نقل السفارة فى حضور ابنته وزوجها وعدد من المسئولين الأمريكيين، متجاهلاً الحق الفلسطينى العادل فى أراضيهم.

من الواضح أن ترامب تستهويه المغامرات دائماً، وهو الآن يجهز للدخول فى مغامرة جديدة فى المنطقة، ويتجه الآن نحو الجولان حيث خرجت بعض التقارير تشير إلى احتمال اعتراف الإدارة الأمريكية بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.

لقد كشف وزير الاستخبارات الإسرائيلية يسرائيل كاتس أن إسرائيل تضغط على حكومة ترامب للاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان المحتلة، متوقعاً موافقة واشنطن خلال أشهر على ذلك، وفى الوقت نفسه، خرج مسئول فى البيت الأبيض قائلاً: نتفق مع إسرائيل فى عدد كبير من القضايا.

.. صحيح أنه لم يؤكد التفاصيل التى أوردها وزير الاستخبارات الإسرائيلية فيما يتعلق بالجولان، لكنه فى الوقت نفسه لم ينفها.

للأسف الشديد إسرائيل تستغل حالة الخريف العربى الساخن الذى «لفح» وجه المنطقة منذ 7 سنوات، وتحاول أن تجنى أكبر المكاسب خلال تلك الفترة العصيبة التى غاصت فيها دول المنطقة فى بئر الفوضى والعنف والإرهاب.

يحاول ترامب وإدارته فرض الأمر الواقع على المنطقة، ومساندة إسرائيل بكل قوة على حساب الشعوب العربية، متناسيا أن الحق لن يضيع مهما يطل الزمن، ومهما تحاول إرادة القوة أن تكسره.

الواقع يقول ذلك، ولايمكن لشعب أن ينكسر أو يضيع حقه مادام لديه الإصرار على الاستمرار والصمود والمطالبة بهذا الحق، ومايحدث فى فلسطين الآن أكبر دليل على ذلك .

يوم الخميس الماضى أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاد فلسطينيين من مصابى مسيرات العودة، وهما الشاب أحمد على مصطفى قطوش «23 عاماً» استشهد متأثراً بجراح أصيب بها قبل أيام، شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة، وكذلك الشاب مهند بكر طاحون «21 عاماً» متأثراً بإصابته بطلق نارى فى الرأس، على الحدود الشرقية لقطاع غزة خلال مسيرات العودة، وبذلك يرتفع عدد الشهداء منذ بدء مسيرات العودة فى الثلاثين من مارس الماضى فى الضفة الغربية وقطاع غزة إلى 114 شهيداً، بينهم 14 طفلاً، واصابة 13190 مواطنا فلسطينيا، من بينهم 330 إصاباتهم خطيرة.

السؤال : هل يمكن لشعب بهذه الصلابة أن يضيع حقه مهما يكن تعنت الطرف الآخر وجبروته؟!

الأمر المؤكد أن الشعب الفلسطينى سوف ينتصر عاجلاً أم آجلا،ً لأنه شعب يرفض الاستسلام للواقع مهما تكن مراراته وقسوته، وعلى مدى 70 عاماً يقدم كل يوم شهداء جددا وتضحيات جديدة، رافضا كل الضغوط التى تمارس عليه، و متمسكاً بحقه واسترداد هذا الحق مهما تكن التضحيات .

ما يفعله الشعب الفلسطينى يؤكد قدرته على تجاوز محنة الاحتلال رغم أنف ترامب وقراراته، ورغم أنف كل الإدارات الأمريكية السابقة واللاحقة، لأن حقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم، والعديد من دول العالم تم احتلالها لفترات طويلة، وفى النهاية انتهى الاحتلال إلى زوال، وبقيت هذه الدول أو تلك رغم أنف المحتلين.

أشاعوا ظلماً وعدوانا على الشعب الفلسطينى أنه باع أرضه للمحتل الإسرائيلي، رغم أن الشعب الفلسطينى يضحى كل يوم بكل غال ونفيس، والشيء المبشر أن الأجيال الجديدة من الشباب لديهم إصرار ربما يفوق إصرار الشيوخ على مقاومة المحتل الإسرائيلى وطرده مهما تكن التضحيات، ولعل ارتقاء آخر شهيدين يؤكد ذلك، فأعمارهما 21 ، 23 عاما، وكذلك حال معظم الشهداء، والشىء الذى يدعو للفخر أن المرأة الفلسطينية هى الأخرى لا تقل وطنية عن الرجال، وتشارك بكل ما تملك فى مقاومة المغتصبين، ولا تزال «عهد التميمى» الشابة الفلسطينية التى لا يزيد عمرها على 20 عاماً نموذجا حيا لنضال المرأة الفلسطينية التى تواجه جبروت المحتل بكل عزيمة وإصرار.

المشكلة الحقيقية التى تواجه القضية الفلسطينية تكمن فى حالة الانشقاق داخل السلطة الفلسطينية بين غزة والضفة الغربية، والصراع الدائر بينهما، وعدم وجود نية مخلصة لإزالة العقبات أمام وحدة الصف الفلسطيني.

حتى الآن لم تتحقق المصالحة الوطنية كما يتمناها الشعب الفلسطيني، وينتظرها كل المحبين للسلام فى العالم، فليس من المعقول أن يكون هناك رأسان، وحكومتان فى دولة محتلة تواجه أسوأ أنواع الاحتلال فى التاريخ وهو الاحتلال الاستيطاني.

استمرار الشقاق والصراع يسهم فى إهدار جانب كبير من تضحيات الشعب الفلسطيني، ويؤجل الحل، وأعتقد أنه آن الأوان الآن وفوراً لعودة المصالحة الوطنية إلى حيز التنفيذ، كما تم الاتفاق عليها برعاية مصر، لكى يستطيع الشعب الفلسطينى أن ينال حقوقه المغتصبة، ويواجه المحتل الغاشم.

بعيدا عن القدس والقضية الفلسطينية، فجرت صحيفة «إندبندنت» البريطانية مفاجأة من العيار الثقيل حينما نشرت تصريح وزير الاستخبارات الإسرائيلية، الذى قال فيه إن الولايات المتحدة يمكن أن تعترف قريبا بمرتفعات الجولان «أرضا إسرائيلية ذات سيادة»، مشيرا إلى أن الموضوع كان يتصدر أجندة المحادثات مع إدارة ترامب.

أمريكا وإسرائيل تروجان لهذا الموضوع بخبث شديد، حيث أشار الوزير الإسرائيلى إلى أن هذه الخطوة يمكن أن تعزز الجهود الأمريكية لمواجهة إيران، وكأن الجولان أرض إيرانية.

منتهى الاستخفاف بالعقول وخلط الأوراق حينما يربط الوزير الإسرائيلى بين احتلال الجولان وإيران، فمواجهة النفوذ الإيرانى له قصة أخرى، لكن أن يتم الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلى للجولان على اعتبار أن ذلك يدخل ضمن مواجهة النفوذ الإيرانى فهذا قمة الاستخفاف بالعقول، ولعب على وتر الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة من المسلمين.

صحيح أن إيران هى من تؤجج نيران الفتنة الطائفية فى المنطقة، وهى التى تعيث فسادا فى لبنان والعراق واليمن وسوريا، لكن ليس معنى ذلك أن يتم الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلى على اعتبار أن ذلك هو نوع من أنواع معاقبة إيران والحد من نفوذها، فالجولان ـ كانت ومازالت وسوف تستمر ـ أرضا سورية، لا هى إيرانية ولا هى إسرائيلية، وسوف تعود إلى حضن الوطن الأم عاجلا أو آجلا، مثلها مثل القدس وكل الأراضى العربية المحتلة، أما أن يروج الوزير الإسرائيلى لأكاذيب وافتراءات ليس لها ظل من الحقيقة، فهذا موضوع آخر يجب فضحه ورفضه على كل المستويات.

الخطورة أن «يبلع ترامب الطعم» ويفاجئ العالم بمغامرة جديدة كما فعل فى القدس، فهو يهوى التصوير ورفع توقيعه بطريقة تمثيلية عبثية أمام المصورين، فقد كرر الحركات التمثيلية نفسها فى أثناء توقيعه على نقل السفارة إلى القدس، ثم توقيعه على انسحاب أمريكا من الاتفاق النووى مع إيران، وربما يريد أن يكرر المشهد نفسه مع الجولان.

للأسف سوريا الآن فى أصعب أوضاعها نتيجة حروب الفصائل المسلحة فيها، والحروب بالوكالة من الأطراف الدولية والإقليمية، بالإضافة إلى تحولها إلى مركز للتنظيمات المتطرفة والعنف والإرهاب.

صحيح أن هناك تحسنا كبيرا يحدث على الأرض السورية، لكن مازال الطريق طويلا، والمهمة شاقة وعسيرة، وأتمنى لو نجحت الجهود الحالية التى تقوم بها موسكو لإيجاد حل سياسى للأزمة السورية، لأنه لو نجحت تلك الجهود فإنها سوف تختصر الكثير من الوقت والجهد فى علاج الأزمة السورية.

أعتقد أن الظروف الآن تتطلب أكثر من أى وقت مضى «نوبة صحيان» عربية يقودها الرباعى العربى «مصر والسعودية والإمارات والبحرين» لمواجهة التحديات الخطيرة التى تواجه العالم العربي، سواء فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية، أو ما يتعلق بقضايا الإرهاب والتطرف، وكذلك وضع مخطط لإنقاذ الدول العربية التى وقعت فى فخ الفوضى والانفلات.

الرباعى العربى هو النواة الصلبة الجاهزة الآن، ويمكن أن ينفتح بعد ذلك لكل الدول الراغبة فى تحمل مسئوليتها فى تلك المرحلة التاريخية والمفصلية من تاريخ العالم العربي.

المهم التحرك السريع لاحتواء القرارات الأمريكية الطائشة فى القدس وربما الجولان قريبا.

Back to Top