التحديات العاجلة أمام الحكومة الجديدة... بقلم : عبدالمحسن سلامة

 

«أروع أيام هذا الوطن ستأتى قريبا مادامت النيات خالصة».

... هذه هى الكلمات التى أطلقها الرئيس فى خطابه أمام البرلمان، بعد أن أدى اليمين الدستورية الأسبوع الماضى إيذانا ببدء الفترة الرئاسية الثانية، وقد شهدت الفترة الأولى مواجهة إرث التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على مدى عقود طويلة وممتدة، بالإضافة إلى مواجهة الإرهاب الغاشم الذى استشرى بعد الفوضى التى أصابت المنطقة، ولايزال يحاول جاهدا لكسر إرادة الشعوب وتدمير دولهم.

تحديات المرحلة الجديدة تختلف عن تحديات المرحلة السابقة، لذلك كان قرار تشكيل حكومة جديدة وإجراء تغيير وزارى من المتوقع أن تظهر ملامحه النهائية خلال الساعات القليلة المقبلة.

أبرز التحديات التى تواجه الحكومة الجديدة هو إعادة بناء الإنسان المصرى، لأن البشر هم أدوات التقدم والتنوير، ولن تكون هناك تنمية أو نهضة إلا من خلال إعادة بناء الإنسان المصرى ليصبح قادرا على استعادة أمجاد أجداده الفراعنة الذين حيروا العالم بعلمهم وحضاراتهم ـ ولايزالون ـ واستطاعوا قيادة سفينة الحضارة مئات السنين.

من استطاع أن يفعلها مرة يمكن أن يفعلها مرات عديدة، والإنسان المصرى استطاع أن يقود سفينة البشرية سنوات عديدة عبر الحضارة الفرعونية الشامخة التى لاتزال تذهل العالم بحثا عن أسرارها وروعتها، وبالتالى فمن الممكن أن يعود الإنسان المصرى مرة أخرى لقيادة العالم إذا توافرت الشروط والبيئة والمقومات.

حدد الرئيس ثلاثة محاور لبناء الإنسان، سوف يتم التركيز عليها خلال المرحلة المقبلة، وهى التعليم والصحة والثقافة، بما يضمن الارتقاء بعقل وجسد وروح الإنسان المصري.

للأسف الشديد ورثت الحكومة إرثا ثقيلا فى المجالات الثلاثة حيث تدهورت أحوال التعليم بشكل كبير خلال العقود الأربعة الأخيرة، ووصلت نسبة الأمية إلى أعلى معدلاتها بنسبة 25.8% من تعداد السكان طبقا لبيان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الخاص بإعلان نتائج تعداد سكان مصر لعام 2017، والذى أشار إلى ارتفاع عدد سكان مصر إلى 104.2 مليون نسمة، 25.8% منهم أميون، بالإضافة إلى ارتفاع نسب التسرب من التعليم حيث بلغت نسبة التلاميذ المتسربين من مراحل التعليم المختلفة 28.8%.

واقع مؤسف يشهده التعليم للأسف الشديد منذ عشرات السنين بسبب الإهمال وعدم التركيز على الاهتمام بالعملية التعليمية، مما أدى إلى تدهور مستوى التعليم وانتشار الأمية والجهل، والأخطر هو تدهور مستوى الخريج رغم استكماله كل مراحل دراسته.

التعليم المصرى هو الذى أخرج طه حسين وتوفيق الحكيم وزويل ومجدى يعقوب، وغيرهم المئات وربما آلاف من الرموز المصرية التى وصلت إلى العالمية فى جميع المجالات، غير أن هذا الوعاء التعليمى نضب خلال العقود الأربعة الأخيرة، وتحولت المدرسة إلى عبء على الطالب، وأصبحت كل أسرة تقيم لأولادها نظاما تعليميا خاصا بها، من حيث توفير المدرسين وتوفير الكتب وكل شىء تقريبا على حساب الأسرة وبمعرفتها.

للأسف يحدث ذلك فى معظم المدارس، بما فيها المدارس الخاصة بعد أن تحول التعليم إلى بيزنس ضخم نتيجة غياب التعليم داخل الفصول، فأصبح التعليم خارج المدرسة وليس داخلها كما كان من قبل.

الآن بدأت ملامح إصلاح شامل لمنظومة التعليم، وتم الاتفاق مع البنك الدولى على قرض قيمته 500 مليون دولار مخصص لإصلاح التعليم، وهو جزء يسير من تكلفة إصلاح التعليم التى تتجاوز أضعاف المبلغ المقترض بهدف زيادة نسبة الأطفال الملتحقين بالعملية التعليمية، والعمل على التنمية المستدامة لمهارات المعلمين، وهو ما يتوافق مع رؤية مصر 2030 لتطوير التعليم.

إصلاح التعليم يتكون من شقين هما: إصلاح التعليم ما قبل الجامعي، وهو الذى يجرى التحضير له الآن بعد الاتفاق مع البنك الدولي، وأيضا يتضمن إصلاح التعليم الجامعي، لذلك كان توجيه الرئيس إلى ضرورة الاشتراك مع جامعات لها سمعة عالمية فى مختلف المجالات، والتركيز على جودة التعليم الجامعى حتى يستطيع خريج الجامعة المصرى منافسة خريجى أعرق جامعات العالم.

 

إلى جوار التعليم يأتى ملف الصحة، فلا تقدم حقيقيا دون الاهتمام بصحة المواطن، ولقد شهدت ولاية الرئيس الأولى إقرار مشروع التأمين الصحى الشامل الذى بدأ تطبيقه فى محافظة بورسعيد، وسوف يتم التوسع فيه وفق الخطة الموضوعة، لكى يستطيع التأمين الصحى مد مظلته إلى جميع أفراد المجتمع.

المشكلة الآن فى قطاع الصحة، أن تكاليف الدواء والعلاج أصبحت مكلفة ولا يستطيع تحملها إلا نسبة قليلة جدا من المواطنين، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار الأدوية، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف إجراء الجراحات والعلاجات الأخرى.

الأخطر هو نقصان عدد أسرة الرعاية المركزة والحضانات فى مختلف المستشفيات، بحيث أصبح المريض يضطر للمرور على العديد من المستشفيات قبل أن يجد ضالته فى سرير خال فى الرعاية المركزة أو حضانات الأطفال.

لقد نجحت الحكومة السابقة فى تبنى المشروع القومى لعلاج فيروس «سى» وهو مشروع رائد على مستوى العالم ونجح فى الحد من خطورة فيروس «سى» وخلال سنوات قليلة سوف يصبح هذا المرض من الذكريات فى مصر، بعد أن يكون قد تم استئصاله تماما من كل بقعة فى طول البلاد وعرضها.

على الحكومة الجديدة استكمال نجاح الحكومة السابقة فى التأمين الصحى الشامل أو فى علاج فيروس «سى» واستكمال باقى مهام منظومة إصلاح الصحة بدءا من الارتقاء بجودة الخدمة الصحية وحل مشكلة نقص الأماكن، وتوفير التعليم الطبى المستمر للخريجين، والقضاء على قوائم الانتظار فى أمراض القلب والكلى والأورام.

بين التعليم والصحة يأتى ملف الثقافة، بما يحتويه من كل أنواع الأدب والفن وكل وسائل الإبداع.

مصر دائما هى قلب العرب ودرة تاج العروبة، وإذا ازدهرت الفنون والأدب والثقافة فى مصر، فسوف تزدهر فى جميع بلدان العالم العربي، والثقافة هى قوة مصر الناعمة التى كانت متغلغلة فى كل أنحاء الوطن العربى حتى جاءت فترة الكمون والانكفاء على الذات، وبدأت فترات الانحسار.

الآن عادت مصر وبقوة إلى المحيط العربى والدولي، وإحدى أهم أدوات عودتها هى قوتها الناعمة المتمثلة فى الصحافة والإعلام والأدب والفكر والمسرح والسينما والتأليف القصصى والروائي.

الاهتمام بالثقافة وكل أدوات قوة مصر الناعمة لابد أن يحتل الصدارة خلال المرحلة المقبلة تمشيا مع توجهات الرئيس وفى إطار عودة مصر إلى مكانتها العربية والعالمية، وأيضا فى إطار الحرب على الإرهاب واستئصال شأفته.

إلى جوار التحديات الثلاثة الأساسية للحكومة الجديدة، فهناك حزمة مهمة من التحديات لابد من استكمالها، أبرزها استكمال ملف الإصلاح الاقتصادي.

لقد نجحت الحكومة السابقة فى عبور أصعب مرحلة من مراحل الإصلاح، لكن لا بديل عن استكمال مسيرة الإصلاح حتى لا يحدث تراجع عن الإنجازات التى تحققت، ولن يتأتى ذلك إلا باستكمال كل جوانب الإصلاح المالى والإدارى والهيكلى للاقتصاد المصرى وتحويله من اقتصاد ريعى إلى اقتصاد إنتاجى يتماشى مع آليات العرض والطلب واقتصاد السوق الحر.

المهم الآن أن تقوم الحكومة بوضع آلية لمراقبة الأسعار وكبح جماح الجشعين من التجار، وتحديد هامش ربح لكل السلع، ووضع مواصفات للجودة، والحد من الاستيراد، وزيادة الصادرات، بما يؤدى فى النهاية إلى أن تصل ثمار الإصلاح إلى المواطن من خلال توفير فرص العمل وتحسين ظروف المواطنين المعيشية والحياتية.

فى مصر الآن تغير المشهد تماما، ولم يعد تغيير الحكومة معناه أن تبدأ الحكومة الجديدة من نقطة الصفر، فقد انتهى هذا العهد إلى الأبد، وأصبح هناك رؤية مستقبلية تحكم العمل الحكومي، وهناك إستراتيجية لمصر 2030، وهناك إستراتيجية أخرى لمصر 2050، وبالتالى فالحكومة الجديدة تستكمل مهام الحكومة السابقة وتضيف إليها فى إطار الرؤية الإستراتيجية التى باتت تحكم العمل الحكومي، وهذا لا يمنع أبدا،الإضافة والتطوير والتجويد واللمسات الفردية فى كل المجالات.

الأهم من التغيير الحكومى أن يبدأ التغيير من داخل كل مواطن بالالتزام بقيم العمل والبعد عن الفهلوة، فالحكومة وحدها لن تستطيع أن تصنع المعجزات إلا من خلال المواطن وقيامه بدوره وعمله على أكمل وجه فى كل المهن والأعمال.

لابد أن تنتهى حالة الاسترخاء فى أماكن العمل، وتعود حكومة «7 الصبح» لتقود العمل فى كل المواقع، وأن تكون هناك معايير واضحة للثواب والعقاب فى كل مكان بلا استثناء.

Back to Top