بالفيديو عبد المحسن سلامة في حوار مع "الصين اليوم": الرئيس السيسي أدخل إصلاحات صعبة لم يجرؤ رئيس مصري قبله على الأخذ بها وتبنيها.. ومبادرة "الحزام والطريق" فكرة ذكية
بمناسبة مرور أربعين عاما على انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، أجرت ((الصين اليوم)) مقابلة خاصة مع نقيب الصحفيين المصريين ورئيس مجلس إدارة مؤسسة ((الأهرام)) المصرية العريقة الأستاذ عبد المحسن سلامة، استعرض فيه رؤيته للتطورات التي شهدتها الصين ودورها على الساحة الدولية وعلاقتها مع مصر.
((الصين اليوم)): في عام 2018، يكون قد مر 40 عاما على انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح. كيف تقيمون هذه الفترة من تاريخ الصين؟ وهل يمكن أن يكون في تجربة الصين جوانب مفيدة لمصر؟
سلامة: لا شك في أن الصين حققت إنجازات اقتصادية وصناعية مبهرة على مدى الأعوام الـ40 الماضية. لم يكن أحد يتخيل أن الإصلاحات التي طرحها الزعيم دنغ شياو بينغ في عام 1978، سوف تقود الصين لتصبح ثاني اقتصاد في العالم وتحقق معدل نمو يصل إلى نحو 10٪ على مدى 20 عاما، ولديها احتياطي من النقد الأجنبي يزيد على 3 تريليونات و600 مليار دولار أمريكي، وأن تصبح السلع والمنتجات الصينية في كل منزل ومؤسسة في كل دول العالم. والأهم من ذلك، أن تحافظ على وحدة أراضيها واستقرارها الاجتماعي والسياسي في الوقت نفسه.
نعرف جميعا أن الصين كانت من أفقر دول العالم قبل إصلاحات دنغ شياو بينغ، حيث كان متوسط الدخل للفرد ـ وفقا لمؤسسات النقد الدولية ـ لا يزيد على دولارين في اليوم، بينما يصل متوسط الدخل السنوي للمواطن الصيني الآن إلى نحو 16 ألف دولار أمريكي سنوياـ وفقا لأرقام البنك الدولي لعام 2017. نحن نتحدث عن معجزة اقتصادية بكل المقاييس انعكست إيجابا على حياة المواطنين، الذين- بالتأكيدـ يشعرون بهذا التغيير الكبير في حياتهم، وبالتالي يقفون إلى جانب الدولة ويدعمون سياساتها بكل قوة.
فيما يتعلق بمصر، نعم مصر شرعت في مسيرة اقتصادية هامة للغاية. ومنذ جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، تم إدخال إصلاحات صعبة لم يجرؤ رئيس مصري قبله على الأخذ بها وتبنيها، ولكن الرجل لم تهمه شعبيته أو غيرها من تلك الشعارات التي يرددها السياسيون والإعلاميون، وإنما كان كل همه هو مصر ورفعتها ونهضتها وألا تظل راكدة في مستنقع الفقر والحاجة، وأن ترتفع إلى مصاف الدول المتقدمة مثل الصين على سبيل المثال. نحن الآن على الطريق الصحيح، وأعتقد أنه لن يمر جيل واحد حتى تكون مصر من الدول المتقدمة بدعم ومساندة أصدقائنا في الصين، خاصة أن الأشياء المشتركة بين مصر والصين كثيرة للغاية، وعلى سبيل المثال فقط، فإن الدولتين لديهما حضارتان عريقتان وخاضتا صراعات كثيرة من أجل التحرير وأن تكون صناعة القرار فيهما بيد قيادتيهما وشعبيهما، وضحى الشعبان كثيرا من أجل الاستقلال وحماية سيادة ووحدة أراضيهما.
العلاقات بين البلدين قديمة وراسخة، حيث كانت مصر من أوائل الدول التي اعترفت بالصين عقب إعلان تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 وأول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، في عام 1956. وأسس الزعيم الراحل جمال عبد الناصر علاقات قوية مع زعماء الصين، خاصة شو ان لاي خلال مشاركتهما معا في مؤتمر باندونغ في عام 1955.
وليس ثمة دليل أقوى على اهتمام مصر بتجربة الصين والتعلم منها، من أن الرئيس السيسي زار الصين خلال فترة الرئاسة الأولى ـ أي 4 سنوات ـ 4 مرات، وهو رقم تاريخي لم يحققه أي رئيس مصري سابق. وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على مدى اهتمام مصر والرئيس السيسي شخصيا بالعلاقات مع الصين، وثانيا ضرورة التعلم من تجربتها الاقتصادية الرائدة. وفي الواقع، هناك جوانب كثيرة للغاية يمكن لمصر أن تستفيد منها وتتعلمها من الصين، على سبيل المثال المناطق الاقتصادية الخاصة التي كانت السبب الرئيسي في تقدم وتطور الاقتصاد الصيني، ثانيا التشريعات الاقتصادية الواعية التي أقرتها الصين لجذب الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا دون أن يتسبب ذلك في أضرار للاقتصاد الوطني، بل كانت التشريعات جميعها تهدف إلى دعم الاقتصاد المحلي وتطويره وأن يكون هدف الاستثمارات الأجنبية الكسب المشترك وإدخال التكنولوجيا الجديدة إلى الصين.
((الصين اليوم)): كيف تقيم مبادرة «الحزام والطريق»، التي طرحها الرئيس شي جين بينغ في 2013، والتي تهدف لتحقيق التنمية المشتركة بين الدول الواقعة على «الحزام والطريق»، ومن بينها مصر؟
عبد المحسن سلامة: أعتقد بأن مبادرة "الحزام والطريق" فكرة ذكية جدا طرحها الرئيس شي جين بينغ، وتنبع من الحكمة الصينية الضاربة في جذور وعمق التاريخ. الاقتصاد هو عصب الحياة، وهو مصدر قوة الدول، والعلاقات الاقتصادية القائمة على المصالح المشتركة بين الدول غالبا ما تكون أقوى وأمتن وأطول عمرا من العلاقات السياسية، صحيح أنهما يؤثران ويتأثران ببعضهما ولكن غالبا ما يكون تأثير المصالح الاقتصادية أقوى من السياسية. ومن هنا، فإن الرئيس شي أدرك ذلك وعلى وعي كامل بهذه الحقيقة، باعتباره سياسيا مخضرما له خبرة طويلة في الإدارة والسياسة عبر المناصب الرفيعة التي تولاها قبل أن يصبح رئيسا للصين.
المبادرة تنموية بالأساس، وتهدف إلى التواصل والتعاون عن طريق فرعين رئيسيين، هما الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري، وطريق الحرير البحري. الغرض من المبادرة هو تأسيس قاعدة أكثر انفتاحا وكفاءة للتعاون، وشبكة أكثر قوة من الشراكات مع الدول المختلفة والدفع باتجاه نظام دولي أكثر عدالة واتزانا.
ونأمل أن تشارك مصر بقوة في مبادرة "الحزام والطريق"، وأن تدعم المبادرة المزيد من الاستثمارات الصينية في مصر، والاستفادة من التكنولوجيا والخبرات الصينية خاصة في المشروعات التي يتم تنفيذها في منطقة قناة السويس.
((الصين اليوم)): كيف ترى مفهوم "رابطة المصير المشترك للبشرية" الذي طرحه الرئيس شي جين بينغ بهدف تعزيز التعاون والتضامن بين شعوب العالم؟.
عبد المحسن سلامة: يعرف الجميع أن النظام العالمي الذي استقر بعد الحرب العالمية الثانية وأخذت فيه الولايات المتحدة الأمريكية دور القوة العظمى الأولى أو الوحيدة في العالم قد فقد مصداقيته، فقد تسبب هذا النظام في نشوب الحرب الباردة بين الشرق والغرب والتي استمرت عقودا وأثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي والتقدم الصناعي الذي كان يمكن أن يحدث لو أن العالم كان يسوده التعاون والاستقرار.
وقد حان الوقت لتغيير هذا النظام العالمي الذي عفا عليه الزمن، خاصة بعد ظهور قوى دولية جديدة لها وزنها وحجمها ولا يمكن تجاهلها أو حرمانها من المشاركة في صياغة مجتمع دولي جديد قائم على التعددية القطبية يسوده العدل والمساواة. من هنا تأتي أهمية مفهوم "رابطة المصير المشترك للبشرية" الذي طرحه الرئيس شي جين بينغ، وهو يعني أنه يتعين على أي دولةـ وهي تسعى لتحقيق مصالحهاـ أن تضع في اعتبارها مصالح الدول الأخرى، وأن تدفع باتجاه التنمية المشتركة من خلال تحقيق تنميتها وتطورها الوطني، من أجل بناء علاقات شراكة جديدة للتنمية العالمية تكون أكثر توازنا، وأن تبذل جهودا متضافرة لمواجهة الصعوبات وتقاسم المسؤوليات والتطلعات المشتركة بهدف تعزيز المصالح البشرية المشتركة.
وكما أوضح الرئيس شي، وهو يشرح مفهوم رابطة المصير المشترك للبشرية خلال أول زيارة خارجية له لروسيا في عام 2013، فإنه في هذا العالم يتعمق الترابط المتبادل بين جميع الدول بشكل غير مسبوق، ويعيش البشر في القرية العالمية، وفي نفس المكان الذي يتلاقى فيه التاريخ والواقع، وتصبح رابطة المصير المشترك أكثر رسوخا تدريجيا. أعتقد أن هذا فهم عميق للغاية لمصير البشرية الواحد؛ فما تفعله أي دولة في العالم، خاصة من القوى الكبرى، يؤثر بشكل أو بآخر على الدول الأخرى وعلى العالم.
((الصين اليوم)): ما هي رؤيتكم للدور الصيني على المسرح العالمي، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط؟.
عبد المحسن سلامة: من المؤكد أن قوة الصين الاقتصادية توفر لها أرضية هامة لتلعب دورا سياسيا مؤثرا ومستحقا في الشؤون الدولية، وفي صياغة النظام العالمي الجديد الذي نأمل أن يكون أكثر توازنا وعدلا. السياسة الخارجية الصينية تهدف في النهاية إلى صيانة السلام العالمي، وتعزيز التنمية المشتركة، وبناء عالم متناغم يسوده السلام الدائم والرخاء المشترك، أو كما أطلق عليه الرئيس شي جين بينغ "الفوز المشترك للجميع".
وتستطيع الصين، بما لها من مصالح وتجارة كبيرة مع الدول العربية، أن تلعب دورا كبيرا ومؤثرا في تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ونحن العرب- والمسلمين عموماـ لا يمكن أن ننسى مواقف الصين العظيمة تجاه "أم القضايا" العربية، وهي قضية فلسطين، حيث كان موقف الصين دائما مساندا للحق العربي وداعما للقضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، خاصة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وإذا استعرضنا تصويت الصين داخل مجلس الأمن على القرارات التي تخص القضية الفلسطينية، سوف نجد أنها دائما تساند الحق العربي.
وبلغة المصالح والأرقام؛ فإن حجم تجارة الصين مع الدول العربية تجاوز 203 مليارات دولار أمريكي في عام 2016، وتعتمد الصين على سد احتياجاتها من الطاقة من المنطقة العربية، كما أن السوق العربية تمثل سوقا هامة للمنتجات الصينية، ولذلك فإن من مصلحة الصين أن يتحقق الاستقرار والسلام في المنطقة العربية.
((الصين اليوم)): يلعب الإعلام دورا بالغ الأهمية حاليا في تشكيل الرأي العام. فما هي مقترحاتكم لتعزيز التعاون الإعلامي بين الصين ومصر؟
عبد المحسن سلامة: الإعلام له دور كبير ومتعاظم للغاية، ليس فقط في تشكيل الرأي العام، ولكن أيضا في دعم أو تدمير علاقات الدول. قادة الإعلام في كل دولة هم "القوة الناعمة" التي تلعب دورا هاما للغاية، ولديكم في الصين إعلام واع وراق، وأعتقد أنه إعلام "منضبط"، لا يعرف الفوضى أو الغوغائية. نحن في ((الأهرام))، لدينا تعاون هام ووثيق مع العديد من المؤسسات الإعلامية في الصين، وفي مقدمتها بالطبع بروتوكول التعاون الإستراتيجي الذي وقعته مؤسسة ((الأهرام)) مع مجلة ((الصين اليوم)) لتبادل المواد الإعلامية بين الطرفين. كما وقعت ((الأهرام)) بروتوكولات إعلامية مماثلة أيضا مع صحيفة ((الشعب)) اليومية، ومع وكالة الأنباء الصينية الرسمية ((شينخوا)). ونحن نقدر الصين وسفارتها في مصر على الدعوات التي توجهها لعشرات الصحفيين المصريين من أعضاء نقابة الصحفيين المصريين لزيارة الصين والتعرف على ملامح التقدم الصناعي والاقتصادي، وإنجازاتها في كل المجالات، لأنه في النهاية يصب في مصلحة تعميق التفاهم والتبادل الثقافي بين البلدين، ويعزز في النهاية العلاقات المتينة بين الدولتين.
إنني كرئيس لمجلس إدارة ((الأهرام)) ونقيب للصحفيين المصريين أريد أن يزور الصين المزيد من الصحفيين المصريين، لأنه كلما زاد الوعي المصري بتجربة الصين الاقتصادية والصناعية، انعكس ذلك على مصلحة البلدين والشعبين العريقين. كما نأمل أن يزور مصر المزيد من الصحفيين والمثقفين الصينيين، حتى يتعرفوا على جوانب التقدم الذي تشهده مصر حاليا.
في نهاية حوارنا، سألنا رئيس مجلس إدارة ((الأهرام))، ما إذا كان ممكنا أن يصف الصين بكلمة واحدة، فابتسم وقال على الفور: "الحضارة"، ثم قال: بل "الحضارة والتقدم".