الانفراجة المتوقعة فى ملف سد النهضة.. بقلم: عبدالمحسن سلامة
جاءت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد لمصر خلال الأسبوع الماضى لتفتح باب الأمل من جديد حول حدوث انفراجة حقيقية فى ملف سد النهضة بما يضمن حق مصر فى حصتها المائية، ويعطى الحق لإثيوبيا فى التنمية والرخاء.
كان قسم رئيس الوزراء خلال المؤتمر الصحفى «والله والله لن نلحق الضرر بمصر» يحمل معنى مهما وضروريا، وهو تأكيد حسن النيات لدى الجانب الإثيوبى بعد الشكوك الكثيرة التى أثيرت حول غموض الموقف الإثيوبى نتيجة التأخير والمماطلة والتسويف فى التعامل مع الملفات العالقة حول قواعد الملء والتشغيل، والدراسات الفنية، ومدى الالتزام بنتائج دراسات المكاتب الاستشارية، وغيرها من الملفات التى تحتاج إلى ترجمة واقعية تعطى الاطمئنان للشعب المصرى، وفى الوقت نفسه تعطى لإثيوبيا الحق فى استغلال مواردها وتوليد الطاقة الكهربائية اللازمة لتحقيق التنمية والتقدم للشعب الإثيوبى.
انتقل ملف سد النهضة عبر ثلاثة رؤساء حكومات إثيوبية، بدءا من رئيس الوزراء الراحل مليس زيناوى، ثم رئيس الوزراء السابق ديسالين وأخيرا رئيس الوزراء الحالى آبى أحمد، وخلال تلك الفترة استطاعت إثيوبيا أن تستكمل ما يقرب من 90% من أعمال بناء جسم السد، وهو ما يجعل من الضرورى التوصل إلى اتفاق واضح وصريح حول قواعد الملء والتشغيل حتى لا يتم إلحاق أى ضرر بحصة مصر المائية السنوية المقررة بـ55.5 مليار متر مكعب، لا تستطيع مصر أن تستغنى عن متر مكعب واحد منها نظرا لحالة «الشح المائى» التى تعانيها مصر واعتمادها الأساسى على نهر النيل، وعدم وجود مصادر مياه أخرى، لندرة الأمطار التى تسقط على مصر.
رئيس الوزراء الإثيوبى أكد خلال المحادثات مع الرئيس عبدالفتاح السيسى أن إثيوبيا سوف تحافظ على حصة مصر من المياه، وسوف تعمل على زيادتها. هذه هى أول مرة يصدر فيها من رئيس وزراء لإثيوبيا هذه التصريحات منذ بدء العمل فى سد النهضة، والتأكيد علانية على الحفاظ على حصة مصر من المياه، بل العمل على زيادتها.
كانت تصريحات رؤساء الوزراء السابقين تدور حول فكرة الاستخدام العادل للمياه، وهو مفهوم مطاطى يحمل أوجها متعددة للتفسير، أما الحديث صراحة عن ضمان حصة مصر بل والعمل على زيادتها، فهذا هو التطور الإيجابى فى تلك القضية الوجودية بالنسبة لمصر والمصريين.
تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى جاءت متطابقة مع فهمه واقتناعه بلغة الحوار والتعاون ورفضه لغة الصراع والتضارب، مشيرا إلى أنه لن يكون هناك خلاف أو حقد بين الدولتين، لأن زرع الفتن لن يخدم مصالح الشعبين، معبرا عن رغبته فى فتح صفحة جديدة من المحبة والمودة لمصلحة الشعبين، وبما يقدم النموذج لباقى الشعوب.
ما يبعث على الاطمئنان فى تصريحات وتأكيدات رئيس الوزراء الإثيوبى أن هذا النهج ليس جديدا عليه، وإنما هو نهج دائم فى كل سياسته، ومع كل الدول المتجاورة، خاصة تلك الدول التى لها تاريخ طويل من الحروب والمشكلات مثل اريتريا التى قام بزيارتها، وأعلن عن رغبته فى «تصفير» المشكلات بين الدولتين، لينهى تاريخا طويلا من العداء والحروب بينهما.
المشكلة أن إثيوبيا ومنذ أن شرعت فى بناء سد النهضة مستغلة حالة القلاقل والتوترات التى سادت مصر فى أعقاب 25 يناير، وهى تسلك نهج المراوغة والاكتفاء بالتصريحات وحلو الكلام دون رغبة حقيقية فى توقيع أية وثائق أو التزامات منذ اتفاق «إعلان المبادئ»، بل إنها كانت تلجأ إلى المراوغة والتسويف عند حلول أى التزام يفرضه هذا الاتفاق.
بعكس الموقف المصرى تماما الذى التزم دائما بحق إثيوبيا فى التنمية ما لم يكن هناك ضرر يلحق بمصر، ومنذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو يحاول جاهدا فتح الجسور مع إثيوبيا، وإيجاد لغة حوار مشتركة بدأت مع رئيس الوزراء السابق ديسالين الذى عقد معه الرئيس جلسات عديدة، وكانت البداية الحقيقية هى توقيع اتفاق «إعلان المبادئ» بالخرطوم فى 23 مارس 2015 الذى تضمن ضرورة الاتفاق بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول للسد، وقواعد التشغيل، وضرورة التزام الجانب الإثيوبى بإخطار دولتى المصب بالإطار الزمنى للتنفيذ، وأى ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعى إعادة الضبط لعملية تشغيل السد.
صبر الرئيس عبدالفتاح السيسى كثيرا من أجل خلق روح التعاون بين الدول الثلاث، وتدعيم العلاقات الثنائية مع إثيوبيا والسودان، بما يسهم فى تعزيز المصالح المشتركة، وهو ما عبر عنه الرئيس خلال زيارة رئيس الوزراء الإثيوبى فى الأسبوع الماضى، مؤكدا أن العلاقات المصرية ـ الإثيوبية ممتدة عبر آلاف السنين، وتقوم على وشائج أزلية من الأخوة والصداقة والمصالح المشتركة، ويربطهما نهر النيل الذى كان ـ ويجب أن يظل ـ رابطا للتكامل والتعاون ومصدرا رئيسيا للحياة.
تمت ترجمة الروح الإيجابية المصرية فى الزيارة الأخيرة إلى زيادة التعاون الاقتصادى بين البلدين، خاصة فى مجال زيادة الاستثمارات المصرية فى إثيوبيا، من خلال إقامة منطقة صناعية مصرية هناك، وتشجيع توقيع المزيد من الاتفاقيات بين القطاعين الخاص المصرى والإثيوبى لاستيراد اللحوم الإثيوبية، بالإضافة إلى زيادة التعاون فى مجالات الاستثمار الزراعى والثروة الحيوانية والمزارع السمكية والصحة.
هذه الروح الإيجابية لدى الجانبين المصرى والإثيوبى يجب أن تظهر بوضوح خلال الاجتماع التساعى الثالث المقرر عقده خلال اليومين المقبلين لاستكمال المهام التى لاتزال مطروحة على جدول الأعمال، والتى شهدت انفراجة خلال الاجتماع الماضى فى إثيوبيا، ثم تلتها تلبية رئيس الوزراء الإثيوبى دعوة الرئيس لزيارة مصر وطمأنة الشعب المصرى.
أيضا من المقرر أن يستمر الخبراء الوطنيون بالدول الثلاث فى مشاوراتهم مع المكتب الاستشارى الفرنسى لإنهاء تعديل تقريره الاستهلالى حول دراسات سد النهضة طبقا للمستجدات خلال شهر لعرضه فى الاجتماع المقبل .
الاجتماع التساعى، واجتماعات اللجان الفنية سوف تعكس مدى تجاوب الجانب الإثيوبى فى المفاوضات، ومدى تطابق هذا التجاوب مع رؤية رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد فى ضرورة إنهاء تلك المشكلات العالقة والتوصل إلى حلول مطمئنة لمصر تضمن لها حقها فى حصتها المائية، وفى الوقت نفسه تضمن لإثيوبيا حقها فى استغلال مواردها المائية فى التنمية وتوليد الطاقة.
أعتقد أن المناخ الآن ملائم للتوصل إلى حلول حول كل المشكلات العالقة، والتوصل إلى ترجمة عملية موثقة لاتفاق «إعلان المبادئ» بعد أن سادت الروح الإيجابية بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) فى ظل التقارب بين زعماء الدول الثلاثة ورغبتهم فى إحلال التعاون محل العداء، وتأكيدهم ضرورة أن يكون نهر النيل مصدرا للخير للجميع وليس مصدرا للصراع، ولن يكون ذلك إلا من خلال ترجمة حقيقية لاتفاق «إعلان المبادئ» وضمان عدم المساس بحصة مصر، 55.5 مليار متر مكعب، وكذلك ضمان حصة السودان 18.5 مليار.
أيضا الاتفاق على قواعد ملء السد ومدته بما لا يؤثر على حصتى مصر والسودان، خاصة فى ظل تردد الأنباء عن احتمال بدء عملية الملء فى الفيضان المقبل.
كذلك لابد من الاتفاق على قواعد التشغيل بالتوافق بين الدول الثلاث لطمأنة الجانبين المصرى والسودانى.
أظن أن الروح الإيجابية السائدة الآن تبشر بإمكان التوصل إلى اتفاق مكتوب يكون عنوانا للتكامل بين الدول الثلاث وليكون وثيقة تؤرخ لعلاقات مشتركة مستقبلية قوامها الوضوح والشفافية والثقة المشتركة.
أتمنى أن يتم عقد الاجتماع التساعى بين وزراء الخارجية والرى ورؤساء أجهزة المخابرات فى الدول الثلاث فى موعده المقرر، وأن يتم التوصل إلى وثيقة مكتوبة ملزمة لكل الأطراف خاصة للجانب الإثيوبى، لأنه صاحب المصلحة الوحيد فى المماطلة والتسويف.