عواصف «السد الإثيوبى» تهدد استقرار إفريقيا

بقلم ــ عبدالمحسن سلامة

جهود جبارة تقوم بها مصر والسودان للسيطرة على العواصف الإثيوبية التى باتت تهدد استقرار دول الاتحاد الإفريقى، نتيجة التعنت الإثيوبى، وغياب الإرادة السياسية لدى الزعماء الإثيوبيين فى التوصل إلى اتفاق قانونى عادل ومتوازن وملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبى بما يؤدى فى النهاية إلى تحقيق مصالح الشعب الإثيوبى فى التنمية، وفى الوقت نفسه يضمن حصتى مصر والسودان وعدم الإضرار بهما بصفتهما دولتى مصب.

آخر تلك الجهود ما قامت به جامعة الدول العربية فى الدوحة فى الأسبوع الماضى حينما ناقشت أزمة السد، وأعلنت تأييدها الكامل والوقوف بجانب مصر والسودان (دولتى المصب) بصفة أن الأمن المائى لهما جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى، وتأكيد رفض أى عمل أو إجراءات تمس حقوقهما بمياه النيل.

لم تكتف جامعة الدول العربية بتلك الرسالة القوية للتضامن مع مصر والسودان، لكنها أضافت بعدا آخر إلى التضامن العربى مقرونا بالتحرك الدبلوماسى والسياسى من خلال دعوة مجلس الأمن الدولى للانعقاد لبحث الخلاف بشأن اعتزام إثيوبيا ملء «السد» بشكل أحادى، بما يضر بمصالح دولتى المصب.

الجامعة العربية دعت مجلس الأمن للقيام بدوره بعد تعثر مفاوضات «السد» برعاية الاتحاد الإفريقى، نتيجة تعنت إثيوبيا وسوء نياتها مما أدى إلى إهدار عشر سنوات كاملة من المفاوضات دون جدوى رغم المرونة الهائلة التى أبدتها مصر والسودان خلال تلك الفترة التى شهدت عقد المئات ـ وربما الآلاف ـ من جولات التفاوض بلا تقدم ملموس، لأن المشكلة ــ كما أوضح سامح شكرى وزير الخارجية أمام مؤتمر وزراء الخارجية العرب ـ تكمن فى أن الطرف الإثيوبى لا يريد سوى فرض رؤيته قسرا على الآخرين، متغافلا فى ذلك عن عمد كل المواثيق والاتفاقيات التى تحكم الأنهار الدولية.

ما فعلته إثيوبيا من مراوغة وأكاذيب فى المفاوضات الثلاثية المباشرة بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) سواء كان ذلك فى اللجان الثلاثية أو السداسية أو غيرها أعادته مرة أخرى وكررته فى المفاوضات التى رعاها الاتحاد الإفريقى خلال رئاسة دولة جنوب إفريقيا، وتكرر نفس السيناريو حاليا خلال رئاسة دولة الكونغو الديمقراطية.

إذن ليست المشكلة فى الاتحاد الإفريقى أو غيره، وإنما المشكلة فى الطرف الإثيوبى الذى يتحمل كامل اللوم على إفشال كل تلك الجهود طوال عقد كامل من الزمان بهدف إطالة أمد التفاوض لا لشىء إلا لكسب الوقت وتشتيت الجهود، واستخدام السد «ورقة سياسية» فى الداخل الإثيوبى لإخفاء مظاهر التطهير العرقى التى يمارسها هناك والأزمات الاقتصادية المزمنة داخل الأقاليم الإثيوبية.

بنفس طرق المراوغة والأكاذيب استقبلت إثيوبيا قرارات جامعة الدول العربية واتهمت الجامعة بأنها «أهدرت فرصة للعب دور بناء فى حل الأزمة»، وبدلا من أن تستفيق إثيوبيا من «غفلتها» سلكت نفس «الطرق الملتوية» التى سلكتها من قبل فى كل محاولات التفاوض السابقة.

سألت الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط عن مغزى رسائل الجامعة العربية وقراراتها فى الاجتماع الوزارى الأخير وعن أهداف تلك الرسائل والقرارات؟

أجاب أمين جامعة الدول العربية قائلا: اجتماع الجامعة العربية الأخير فى الدوحة جاء للتضامن مع مصر والسودان بشأن أزمة السد الإثيوبى، والقرار الذى صدر عن الجامعة هو قرار مقدم من مصر والسودان، وتمت مناقشته خلال الاجتماع على مستوى السفراء والوزراء العرب، وكان هناك توافق عربى كامل فى هذا الإطار.

وقد قام السفراء والوزراء العرب بإضافات مهمة على صيغة القرار، بما يبرز ويؤكد التضامن العربى الكامل مع مصر والسودان فى تلك الأزمة الخطيرة.

وأشار الوزير أحمد أبو الغيط إلى أن الجامعة العربية استهدفت من هذا القرار عدة رسائل مهمة، أولاها رسالة إلى إثيوبيا، مؤكدة التضامن العربى الكامل مع مصر والسودان فى حقهما المشروع فى مياه النيل، ورفض الإضرار بمصالحهما المائية والممتدة عبر قرون طويلة من الزمان.

ثانية الرسائل إلى مجلس الأمن ودول العالم لكى تؤكد الجامعة أهمية تلك القضية الحيوية، وضرورة إيلاء مجلس الأمن الاهتمام الكافى بها، وتناولها، ومناقشتها، واتخاذ ما يلزم بصفتها قضية إستراتيجية يمكن أن تكون لها تأثيراتها الخطيرة على السلم والاستقرار فى إفريقيا.

قلت: وماذا عن الخطوات التالية المتوقعة من الجامعة لكى ينعقد مجلس الأمن ويقوم بدوره المنوط به والمتوقع منه؟

أجاب الأمين العام لجامعة الدول العربية: لكى ينعقد مجلس الأمن لمناقشة أزمة السد لابد أن تتقدم مصر أو السودان أو كلتاهما معا بطلب إلى مجلس الأمن للانعقاد، والرسالة التى أرسلتها وزارة الخارجية المصرية هى رسالة إحاطة للمجلس بالوضع الحالى، وفى كل الأحوال لا بد من طلب صريح من الدولتين المعنيتين أو من إحداهما من أجل بدء التحرك لعقد اجتماع المجلس.

بعد ذلك تجرى مشاورات بين الدول الأعضاء فى مجلس الأمن للبت فى الطلب المقدم، وفى هذه الحالة ليست هناك مشكلة فى الفيتو الذى تملكه بعض الدول من عدمه، لأن التصويت مرحلة ثالثة بعد قرار انعقاد المجلس.

يلزم لانعقاد المجلس موافقة 9 أعضاء على طلب المناقشة، بعدها تتقدم دولة عضو بالمجلس بطلب لعقد الجلسة، وفى الجلسة السابقة التى عقدها مجلس الأمن للتشاور بشأن أزمة السد الإثيوبى فى العام الماضى، كانت الولايات المتحدة الأمريكية هى التى تقدمت بطلب لعقد الجلسة.

وأضاف: الجامعة منذ القرار الذى صدر بخصوص السد فى الأسبوع الماضى قامت بتشكيل لجنة من سفراء الدول العربية ومندوب الجامعة فى نيويورك السفير ماجد عبدالفتاح للتنسيق والتشاور مع أعضاء مجلس الأمن.

وقد تم الاتفاق على تشكيل مجموعة عمل من 4 دول هى: (الأردن والسعودية والمغرب والعراق) بالإضافة إلى الأمانة العامة، وذلك للتنسيق مع دولتى المصب (مصر والسودان) من جهة، وباقى دول أعضاء مجلس الأمن من جهة أخرى حول الخطوات المستقبلية فى هذا الملف، مشيرا إلى أن اختصاص تقديم طلب عقد مجلس الأمن ليس من اختصاص الجامعة، ولكن لدينا الآن عضو عربى فى مجلس الأمن هى دولة تونس، ومن خلال التنسيق فيما بينها وبين مصر والسودان، يمكن أن تتقدم هى بطلب عقد الاجتماع كخطوة تالية بعد طلب مصر أو السودان أو كلتيهما معا هذا الأمر.

سألته عن الأجواء العربية خلال الاجتماع، ولماذا حضر 17 وزيرا فقط من أصل «22»؟!

أجاب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط قائلا: الأجواء العربية خلال الاجتماع كانت إيجابية للغاية، والقرار خرج بالإجماع، ولأول مرة شاركت ووافقت الصومال وجيبوتى على مساندة ودعم موقف مصر والسودان بشكل قوى وواضح،

فيما يخص حضور الدول العربية أوضح الأمين العام أن عدد الدول العربية الأعضاء فى الجامعة العربية 22 دولة، منها سوريا المجمدة عضويتها، وبالتالى يصبح عدد الدول التى يحق لها الحضور 21 دولة فقط، حضروا جميعا بلا استثناء، وكان تمثيل الحضور هو الأعلى فى اجتماعات مجلس الجامعة منذ سنوات طويلة، حيث كان يحضر مثل هذه الاجتماعات ما يتراوح بين 12و 14 وزيرا فى أغلب الاجتماعات، لكن هذا الاجتماع حضره 17 وزيرا، والدول الأربع الباقية حضروا أيضا لكن من خلال المندوب الدائم بالجامعة والسفراء وهى: الإمارات العربية، والمملكة المغربية، والصومال، وجيبوتى وقد اشتركت هذه الدول فى كافة الفعاليات والتصويت، ووافقت مثل باقى الدول، وبالتالى ليست هناك علاقة بين مستوى تمثيل هذه الدول ومدى موافقتها أو دعمها قرارات الجامعة من عدمه.

انتهت تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، لكن يبقى أن تستوعب إثيوبيا رسالة جامعة الدول العربية، وبدلا من أن تسارع بالرفض والتنديد عليها أن تغير نهجها الذى ثبت فشله طوال عقد كامل من الزمان وساهم فى زيادة الاحتقان والتوتر بين دول حوض النيل، ويهدد بالمزيد من العواصف الخطيرة على استقرار دول الاتحاد الإفريقى، والأخطر أن موقفها المتعنت يزعزع الثقة فى قدرة الاتحاد الإفريقى على إيجاد الحلول التى تحفظ الحق فى الحياة لمواطنى دولتى المصب (مصر والسودان) والتى لا تتعارض فى الوقت نفسه مع حق التنمية فى إثيوبيا.

 

Back to Top