«ثلاثية» التحدى التى تجاوزها الاقتصاد المصرى

 

بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة

بعد عشر سنوات من الغياب عاد تقرير التنمية البشرية مرة أخرى إلى الصدور تحت عنوان «التنمية حق للجميع: مصر المسيرة والمسار»، حيث كانت مصر من أوائل الدول التى أصدرت هذا التقرير عام 1994، وأصدرت 11 تقريرا منه، حتى عام 2010 ليتوقف التقرير بعدها بسبب حالة الاضطراب والتوترات التى سادت مصر بعد 2011.

عودة إصدار التقرير تؤكد تجاوز الاقتصاد المصرى الصعوبات والتحديات الضخمة التى كان يواجهها وانطلاقه إلى آفاق أوسع إقليميا وعالميا.

 

من هنا كان حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على حضور مؤتمر إطلاق هذا التقرير وتأكيده أن التقرير هو شهادة نجاح للشعب المصرى قبل الحكومة، لأن الشعب هو الذى تحمل كل التحديات الصعبة التى واكبت برنامج الإصلاح الاقتصادى، وصبر وتحمل كل الأعباء المصاحبة لخطوات الإصلاح الاقتصادى حتى وصلت مصر إلى بر الأمان.

 

ولأن الهدف الرئيسى لتقارير التنمية البشرية هو وضع الناس فى قلب عملية التنمية ـ كما جاء على لسان د.هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية فى كلمتها الافتتاحية خلال المؤتمر، فإن هذه التقارير تعمل على تحويل أهداف الحد من الفقر والتنمية البشرية إلى معايير وخطط ومنهج للعمل الوطنى والإقليمى والدولى، وتقدم فى الوقت نفسه توصيات لتقريب وجهات النظر بين شركاء التنمية، وتعمل على زيادة الوعى بقضايا التنمية البشرية لدى كل القطاعات.

 

رصد التقرير مسيرة عقد كامل من تاريخ الوطن بتحدياته ونجاحاته، وأوضح قدرة الدولة المصرية على مواجهة التحديات التى بدأت عام 2011، وما تلاها من أحداث وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية حتى بدأت مسيرة العمل والإنجاز منذ 7 سنوات، وبدأ معها دخول الاقتصاد المصرى مرحلة التعافى التدريجى بعد معاناة طويلة ومخاض عسير.

 

المعاناة الطويلة كان سببها الرئيسى تنامى الإرهاب، وتهديده كيان الدولة المصرية خاصة بعد أن نجح الإرهاب فى إسقاط العديد من الدول الأخرى المجاورة وإدخالها فى دوامات الفوضى والعنف.

 

كان من الممكن، كما أوضح الرئيس فى مداخلته أن تركز الدولة كل مجهوداتها فى مجال مكافحة الإرهاب، وتتراجع عجلة التنمية قليلاً، لكن الدولة المصرية لم «تركن» إلى هذا الاختيار السهل رغم أهميته وضرورته، ولجأت إلى الاختيار الأصعب بالسير فى مسارين متوازيين لا يعطل أحدهما عمل الآخر، وهما مسار مكافحة الإرهاب، وإلى جواره مسار دوران عجلة التنمية بأقصى سرعة ممكنة بما يعوض سنوات الفوضى والتعثر والاضطراب.

 

نجحت الدولة فى المسارين معاً باقتدار، حيث تراجع الإرهاب إلى أدنى مستوياته بعد تجفيف منابعه، واستئصال جذوره، وإطلاق العملية الشاملة فى 2018، وبعد أن كانت هناك عمليات إرهابية شبه يومية، تراجعت تلك العمليات، ولم تعد هناك حاضنة إرهابية فى أى بقعة داخل الأراضى المصرية.

 

كان طائر الإرهاب الأسود يضرب بعنف فى سيناء والإسكندرية، والدلتا، وفى معظم المحافظات بلا استثناء، لكن تلك الفترة المظلمة انتهت إلى غير رجعة، ونجحت الدولة فى حربها ضد الإرهاب، ولم تعد هناك عمليات تنظيمية إرهابية كما كان يحدث من قبل.

 

إلى جوار الحرب على الإرهاب حشدت الدولة كل الإمكانات والموارد للتوسع فى الاستثمارات العامة لتقترب من تسعة أضعاف خلال الفترة من 2014 حتى 2021، وبعد أن كانت 110 مليارات جنيه ارتفعت إلى 933 مليار جنيه، وذلك فى إطار تنفيذ مشروعات ومبادرات تنموية كبرى فى جميع القطاعات.

 

نتجت عن ذلك 3 مؤشرات إيجابية مهمة أولها: ارتفاع معدلات النمو، وثانيها: تراجع معدلات البطالة، وثالثها: انخفاض معدل التضخم.

 

نجحت خطة تعافى الاقتصاد الوطنى واجتاز «ثلاثية» التحدى، واجتمعت المؤشرات الثلاثة، رغم صعوبة ذلك للتأكيد على عودة الحيوية إلى الاقتصاد الوطنى من جديد، وهو ما جعله أكثر قدرة على مواجهة جائحة كورونا التى ضربت بأجنحتها السوداء الاقتصادات العالمية فى مقتل لتعيد إلى الأذهان كابوس الكساد العظيم الذى ضرب الاقتصاد العالمى فى الثلث الأول من القرن الماضى.

 

تعافى الاقتصاد المصرى جعله أكثر قوة فى مواجهة جائحة كورونا، وعزز قدرته على الصمود مما جعل التجربة المصرية محل إشادة دولية. ولأن المواطن المصرى هو المستهدف من كل خطط الإصلاح الاقتصادى فقد تم رصد أكثر من 700 مليار جنيه لأضخم مشروع تنموى على مستوى العالم، وهو مشروع تطوير الريف المصرى والمقرر تنفيذه خلال السنوات الثلاث القادمة.

 

مشروع تطوير الريف المصرى سوف يغير شكل ونمط حياة ما يقرب من 60 مليون مواطن مصرى يعيشون فى قرى مصر وتوابعها فى طول مصر وعرضها، ويدخل ضمن المشروع إدخال الصرف الصحى لجميع القرى، وتوفير المياه النقية، وتلبية احتياجات المواطنين من المدارس، والوحدات الصحية، ومراكز الشباب، وإدخال الغاز والكهرباء للمناطق المحرومة، وكذلك توفير كل متطلبات التحول الرقمى، ومد شبكات «الفيبر» إلى المبانى الحكومية فى أضخم مشروع من نوعه على مستوى العالم.

 

بعد يومين من إصدار تقرير التنمية البشرية ذهبت إلى محافظة بورسعيد لحضور منتدى بورسعيد الاقتصادى الذى حضره العديد من الوزراء والمسئولين والمستثمرين المصريين والعرب والأجانب.

 

لفت انتباهى ما حدث فى بورسعيد من قفزة تنموية هائلة تترجم بوضوح تقرير التنمية البشرية الذى تم إطلاقه يوم الثلاثاء الماضى إلى واقع ملموس فى محافظة مصرية كانت تعانى أشد المعاناة منذ فترة طويلة.

 

ماحدث فى بورسعيد هو تحول نوعى مهم، حيث أصبحت بورسعيد هى المحافظة «النموذج» فى مجالات متعددة وخاصة مايتعلق بحياة المواطنين وهو الجانب الأهم الذى يرتكز عليه تقرير التنمية البشرية.

 

أصبحت بورسعيد خالية من العشوائيات لتصبح هى المحافظة الأولى فى هذا المجال، كما تم تطبيق التأمين الصحى الشامل بالكامل فيها لتصبح أول محافظة من محافظات المجموعة الأولى التى تتصدر السباق فى هذا المجال.

 

على هامش المنتدى سألت اللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد عن التطورات المتسارعة على أرض بورسعيد وإلى أين وصلت الآن؟

 

أجاب: بورسعيد مدينة باسلة، وقد وقع الظلم عليها لفترات طويلة، وهى الآن تستعيد بريقها بسرعة مذهلة، مشيرا إلى أن موقع بورسعيد الإستراتيجى كان وراء قدرها وتاريخها فى أن تكون شاهدة على أحداث عالمية ومحلية ضخمة منها إنشاء قناة السويس عام 1859 وافتتاحها عام 1869 الذى كان بمثابة نقلة ضخمة فى حركة التجارة العالمية وربط الشرق بالغرب.

 

أيضا فى عام 1956 كانت بورسعيد وصمود شعبها وراء تغيير ميزان القوى الإستراتيجية فى العالم، وغروب شمس قوى عظمى، وولادة قوى عظمى جديدة.

 

أما فى عام 1977 فقد شهدت بورسعيد تغيير الرؤية الإستراتيجية الاقتصادية لمصر، من الاقتصاد الاشتراكى، إلى الاقتصاد الحر، وبغض النظر عن التفاصيل فقد كانت بورسعيد هى البداية، وقد نالها الكثير من المزايا وأيضا الكثير من المشكلات التى أضرت بها.

 

وأضاف اللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد قائلا: فى عصر الرئيس عبدالفتاح السيسى شهدت بورسعيد مرحلة تصحيح المسار من خلال أضخم نقلة فى تاريخها المعاصر، وحل كل المشكلات التى تراكمت عليها خلال عدة عقود.

 

فى عام 2015 تم تدشين مشروعات محور قناة السويس، وأصبح لدى بورسعيد اثنان من الموانى من أكبر الموانى على مستوى العالم وهما ميناءا شرق وغرب بورسعيد.

 

أيضا شهدت بورسعيد تدشين الرئيس عبدالفتاح السيسى لمشروع التأمين الصحى، وتم تشغيله رسميا ليتم تطبيقه على جميع المواطنين فى بورسعيد ويصبح المواطن البورسعيدى له الحق الكامل فى العلاج من خلال هذه المنظومة المتطورة.

 

سألته عن العشوائيات، وهل تم القضاء عليها تماما أم عشوائيات المناطق الخطرة فقط؟

 

أجاب اللواء عادل الغضبان: بورسعيد كانت أول محافظة يتم بها تنفيذ مبادرة حياة كريمة فى جنوب بورسعيد، وتم إنشاء 3 محطات للصرف الصحى، ومستشفى متكامل، و6 وحدات صحية، و35 مدرسة، إلى جوار إنشاء محطة لمياه الشرب لخدمة سكان مناطق جنوب بورسعيد وتحسين أوضاعهم المعيشية.

 

أما فيما يخص المناطق العشوائية الصريحة فقد أصبحت بورسعيد أول محافظة خالية من العشوائيات تماما الآن، حيث انتشرت العشوائيات فى عدة مناطق وهى القابوطى، وعزبة أبوعوف، والقنال الداخلى، وهجوج، والإصلاح، وقد تمت إزالة تلك المناطق بالكامل وإيجاد مساكن بديلة للسكان، وتحويلها إلى مناطق مخططة وحضارية، ولم تعد هناك عشوائيات فى بورسعيد على الإطلاق.

 

.. ولماذا منتدى اقتصادى فى بورسعيد الآن؟

 

أجاب: المحافظ: لأن منطقة شرق بورسعيد هى وجهة الاستثمارات العالمية، وقاطرة التنمية فى مصر والتى يوليها الرئيس عبدالفتاح السيسى اهتماما خاصا، مشيرا إلى أن ميناء شرق بورسعيد هو واحد من أكبر 50 ميناء على مستوى العالم، ومن الضرورى ان تكون هناك نقلة اقتصادية ضخمة فى هذه المنطقة لتتواكب مع موقعها الإستراتيجى وتساهم فى تغيير معالم المنطقة بما يؤدى إلى تحويلها إلى منطقة صناعية عالمية ضخمة جاذبة للاستثمارات العالمية والعربية إلى جوار الاستثمارات المحلية.

وأضاف: هناك خطوات متسارعة تتم الآن بالتشاور مع الوزارات المعنية خاصة ما يتعلق بوزارتى الصناعة والمالية، وقد كان لحضور د.محمد معيط وزير المالية، ود.نيفين جامع وزيرة الصناعة دور مهم فى مناقشة مشكلات المستثمرين ووضع الخطوات اللازمة لتحفيز الاستثمارات بكل أنواعها خلال المرحلة المقبلة.

أخيرا يبقى القول أن ما يحدث على أرض بورسعيد هو ترجمة عملية لتقرير التنمية البشرية ويبرز اهتمام الدولة بالمواطن كأساس فى عملية التنمية الشاملة التى تسير بخطوات غير مسبوقة على جميع الأصعدة وفى مختلف المجالات.

Back to Top