أنفاق «العبور الثانى» إلى سيناء

 

بقلم عبدالمحسن سلامة

استيقظت يوم الثلاثاء الماضى فى الخامسة صباحا للحاق بموعد احتفالات مصر بافتتاح النفق الخامس والأخير على أرض سيناء الطاهرة، لتكتمل منظومة أنفاق سيناء الإستراتيجية [6أنفاق]، ويصبح هناك نفقان يربطان كل محافظة من محافظات القناة الثلاث، (بورسعيد، الإسماعيلية، السويس) بسيناء.

فى الطريق سمعت خبر وفاة المشير محمد حسين طنطاوى أحد أبطال الجيش المصرى العظام، والذى خاض كل الحروب المصرية بلا استثناء بعد ثورة يوليو 52، وشارك فى حروب 56و67 والاستنزاف ثم نصر أكتوبر العظيم فى 73، حيث كان بطلا ضمن أبطال ملحمة المزرعة الصينية التى وقعت يوم 15 أكتوبر 1973، وتكبد فيها العدو الإسرائيلى خسائر فادحة.

ربما يكون من «المصادفات الطيبة» أن يصادف يوم وفاة المشير طنطاوى افتتاح نفق الشهيد أحمد حمدى (2) والذى به تكتمل منظومة الأنفاق الإستراتيجية الستة للعبور إلى سيناء.

الأمر المؤكد أن هناك علاقة أكيدة بين افتتاح منظومة الأنفاق وحرب أكتوبر المجيدة لأنه لولا انتصار أكتوبر العظيم وعودة سيناء لم تكن هناك أنفاق أو كبارى أو تعمير لسيناء.

فى أكتوبر 1973 نجحت القوات المسلحة المصرية فى عبور القناة بالكبارى «المطاطية» التى أقامتها قوات المهندسين بعد أن نجحت فى مد الجسور والكبارى التى عبرت عليها الدبابات والقوات المصرية.

العبور الأول واسترداد سيناء بالنصر، ثم السلام هو الذى فتح الباب إلى العبور الثانى الذى دشنه الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ عامين واستكمله يوم الثلاثاء الماضى، حينما افتتح آخر نفق فى المنظومة وهو نفق الشهيد أحمد حمدى (2) ليتحقق الحلم ويصبح هناك حوالى 20 نقطة عبور إلى سيناء ما بين أنفاق، ومعديات، وكبارى.

سرحت بخيالى قليلا وتداعى إلى ذاكرتى شريط ذكريات طويل يمتد إلى ما يقرب من 48 عاما مضت على ذكرى انتصار أكتوبر العظيم التى تحل يوم السادس من شهر أكتوبر المقبل إن شاء الله، بعدها وجدت نفسى فى مدخل نفق الشهيد أحمد حمدى القديم.

نفق الشهيد أحمد حمدى القديم بدأ التفكير والعمل فيه فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات وظل العمل به لأكثر من 6 سنوات، وهو أول نفق يربط قارتى آسيا وإفريقيا، وافتتحه الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك عام 1981.

قامت بتصميم النفق القديم شركة بريطانية، وتم تنفيذه أيضا من خلال شركة بريطانية إلى جوار شركة وطنية هى المقاولون العرب، ثم قامت شركة يابانية بعمل إصلاحات فيه بعد ظهور بعض المشكلات الفنية، وظل يعمل وحده طيلة أربعة عقود كنفق وحيد غير أنه لم يعد قادرا على استيعاب حركة المرور من وإلى سيناء.

هكذا ظلت سيناء شبه معزولة رغم انها تمثل نحو 6% من إجمالى مساحة مصر التى تبلغ مليون كيلو متر مربع، أى حوالى 60 ألف كيلو متر مربع.

نصيب سيناء العادل من عدد السكان يجب ألا يقل عن 6% أيضا من إجمالى عدد سكان مصر أى حوالى 6 ملايين مواطن ومع ذلك فإن عدد سكان شمال وجنوب سيناء حتى الآن لايزيد على 600 ألف نسمة.

لم يكن من الممكن أو المتاح ذهاب الملايين من المواطنين إلى هناك فى ظل «أزمة عبور» عاتية كانت تصل إلى عدد كبير من الساعات، وربما تصل إلى أيام نتيجة التكدس أمام نفق الشهيد أحمد حمدى الوحيد أو انتظاراً لفتح كوبرى السلام.

لم يعد النفق والكوبرى كافيين لاستيعاب حركة التنقل ذهابا وعودة قبل افتتاح الأنفاق الجديدة خاصة مع تزايد حركة انتقال عربات النقل المحملة بمستلزمات الإنتاج ومواد البناء، أو حتى مجرد حركة الأفراد.

ظل الحديث عن تعمير وتنمية سيناء يراوح مكانه لفترة امتدت أكثر من أربعة عقود منذ نصر أكتوبر المجيد عام 1973، وحينما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية السلطة بدأ التفكير جديا فى العبور الثانى إلى سيناء من خلال إنشاء أضخم شبكة للأنفاق والكبارى والمعديات والتى وصلت طبقا لما أشار إليه الفريق أسامة ربيع إلى حوالى 20 نقطة اتصال ما بين أنفاق وكبارى ومعديات.

منظومة الأنفاق هى الأخطر والأهم لأنها الأكثر استخداما، والأكثر سهولة والأكثر تفضيلا فى الاستخدام، ومن هنا كان تركيز الرئيس على إقامة 5 أنفاق دفعة واحدة إلى جوار نفق الشهيد أحمد حمدى ليصبح هناك 6 أنفاق فى 3 محافظات مختلفة بحيث يكون هناك نفقان فى الإسماعيلية (ذهابا وعودة) ونفقان فى بورسعيد (ذهابا وعودة) وأخيرا نفقان فى السويس (النفق القديم للذهاب، والجديد للعودة)، وهكذا اكتملت تلك المنظــومة الإســــتراتيجـــية لربط سيناء بالوطن الأم.

تكلفة الأنفاق الخمسة بلغت نحو 30 مليار جنيه بواقع 6 مليارات جنيه لكل نفق تقريبًا، واستغرق تنفيذ هذه المنظومة نحو 6 سنوات بواقع نفق فى كل سنة وثلاثة أشهر تقريبًا، فى حين استمر العمل فى نفق الشهيد أحمد حمدى القديم أكثر من 6 سنوات كاملة، أى أن المدة التى استغرقتها الأنفاق الخمسة نحو (6 سنوات)، هى المدة نفسها التى أقيم فيها نفق واحد فقط، وهو نفق الشهيد أحمد حمدى القديم.

منظومة الأنفاق الإستراتيجية التى تربط الآن بين سيناء ومدن القناة، تختصر المسافة من عدة أيام إلى 20 دقيقة فقط، وهى المدة الكفيلة بانتهاء عمليات المراقبة والتفتيش الالكترونى والمرور فى النفق للوصول إلى سيناء أو الخروج منها.

التفتيش يتم بشكل آلى حديث، ولا يتم التفتيش يدويًا إلا إذا كان هناك ما يتطلب ذلك، أمنيًا أو جنائيًا، ودون ذلك تتم عمليات التفتيش داخل غرف إلكترونية مجهزة بأحدث المعدات التكنولوجية اللازمة فى هذا المجال، بما يسمح بمرور السيارات والشاحنات بشكل طبيعى تمامًا.

بعد انتهاء شرح الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، واللواء إيهاب الفار، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، جاء موعد تفقد النفق الجديد ميدانيًا، والمرور فيه.

المرور فى آخر مولود فى عائلة الأنفاق الإستراتيجية التى تربط بين سيناء والوطن الأم يشعر كل مواطن مصرى بـ «الزهو»، و«الفخر» فهذه الأنفاق الجديدة أقامتها الأيدى المصرية على أعلى مستوى، ونفذتها الشركات المصرية، حتى المعدات تم شراؤها لتصبح مملوكة لمصر.

أصبحت مصر الآن بشركاتها وخبرة أبنائها، والمعدات التى قامت بشرائها قادرة على توطين صناعة الأنفاق فى مصر، وتصديرها إلى الدول الشقيقة والصديقة التى تطلب الاستعانة بالخبرات المصرية فى هذا المجال.

النفق الجديد يتضمن العديد من مخارج الإنقاذ، وتليفونات الطوارئ، ونقاط المراقبة والمتابعة، وتمت مراعاة وجود نظم للإضاءة والتهوية على أعلى مستوى، ولا تكاد تنظر حولك داخل النفق حتى تجد نفسك قد خرجت إلى الاتجاه الآخر فى السويس.

ولأن التشغيل تجريبى فقد تم المرور فى النفق ذهابًا وعودة، أما عن التشغيل الفعلى فمن المقرر أن يكون النفق الجديد للعودة من سيناء على أن يخصص نفق أحمد حمدى القديم للذهاب فقط إلى سيناء.

المؤكد الآن أن عزلة سيناء «باتت» من الذكريات بعد انتهاء تلك المنظومة الإستراتيجية من الأنفاق، تمهيدًا للدخول بقوة إلى عصر تنمية سيناء بشكل حقيقى واستغلال مواردها السياحية والصناعية والزراعية لاستيعاب نصيبها العادل من المواطنين، وبما لا يقل عن 6% من إجمالى عدد سكان مصر (6 ملايين مواطن)، فى إطار خطط التوسع الزراعى، وزراعة ما يقرب من نصف مليون فدان هناك، بعد افتتاح محطة معالجة مياه بحر البقر خلال الأيام القليلة المقبلة التى ستضخ 5.6 مليون متر مكعب يوميًا إلى سيناء.

كل التحية والتقدير والعرفان لقائد العبور الثانى، الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى نجح فى فترة وجيزة فى تحويل تعمير وتنمية سيناء إلى حقيقة واقعة، وجعل من الذهاب والعودة إلى سيناء رحلة ممتعة، بعيدًا عن المعاناة وطول الانتظار عبر منظومة متكاملة من الأنفاق، كانت حلما وأصبحت حقيقة لكل المصريين.

 

Back to Top