مصر وإنقاذ العالم من حافة الهاوية

مصر وإنقاذ العالم من حافة الهاوية

ربما كان موقف رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك، وإعلانه عدم حضور قمة المناخ «cop27» فى شرم الشيخ، ثم تراجعه وتأكيده الحضور، هو الأكثر تعبيرا عن أهمية هذه القمة، وضرورتها، وحيويتها، وتأكيد دورها فى إنقاذ العالم من حافة الهاوية.

رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك أعلن عدم حضوره فى البداية لكونه مشغولا، وغارقا فى مشكلات بريطانيا الاقتصادية، وأزماتها الداخلية، لكنه تدارك الموقف بعد ذلك، وأكد حضوره القمة، وكتب فى تغريدة على حسابه موضحا سبب ذلك قائلا: «لا يوجد رخاء طويل الأمد بدون اتخاذ إجراء تجاه التغير المناخى، ولا أمن للطاقة بدون الاستثمار فى مصادر الطاقة المتجددة».

معنى ذلك أن رئيس الوزراء البريطانى ــ رغم أنه غارق فى مشكلاته وأزماته الداخلية ــ أدرك تماما أنه لا رخاء ولا تقدم فى بريطانيا أو غيرها، دون مواجهة التغيرات المناخية القاتلة، التى يمكن أن تهدد كل مكتسبات التنمية لكل دول العالم بلا استثناء، بل إن مخاطرها يمكن أن تهدد كوكب الأرض ومستقبله.

من هنا تأتى أهمية قمة شرم الشيخ «cop27» التى يتولى رئاستها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى إنقاذ العالم من حافة الهاوية، وزيادة قدرة دول العالم على الحد من الكوارث البيئية التى يمكن أن تطول الجميع، وتضرب كل مكتسبات الحضارة الإنسانية بلا هوادة.

مؤتمر شرم الشيخ ليس رفاهية، وإنما ضرورة حياة لمصر، وإفريقيا، ولكل دول العالم، لأن المخاطر تقترب من الجميع، وإذا استمر الوضع الحالى دون مواجهة، فسوف تتدهور الأوضاع البيئية إلى الأسوأ باستمرار، وتنتشر المجاعات والأوبئة، وتصبح الحياة على كوكب الأرض ضربا من المستحيل.

سوف يسجل التاريخ أن مصر صاحبة الحضارة العظيمة، والعريقة والممتدة عبر أكثر من 7 آلاف عام، قامت بدورها وتصدت بشجاعة لتلك الكارثة البيئية التى تهدد كوكب الأرض، واستضافت المؤتمر الأهم لمواجهة التغيرات المناخية على أرض السلام فى شرم الشيخ، واحتضنت أكبر تجمع عالمى فى هذا الإطار.

«cop27» هو المؤتمر العالمى الأكثر أهمية الذى استضافته مصر منذ ما يقرب من 28 عاما، وبالتحديد عام 1994، حينما استضافت مصر المؤتمر الدولى للسكان والتنمية، وشارك فيه عدد كبير من دول العالم، ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة، والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية، إلا أن مؤتمر «cop27» تزداد أهميته لعلاقته المباشرة بمستقبل كوكب الأرض، والمخاطر التى تهدد وجوده، وتمتد إلى كل دول العالم بلا استثناء، وسيكون الحضور فيه بكثافة سواء على المستوى الرسمى أو غير الرسمى، وكذلك الصحفى والإعلامى.

على سبيل المثال فإن منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا من المناطق الأكثر تضررا من التغيرات المناخية، كما جاء فى تقرير منظمة «جرينبيس» المتخصصة فى الشئون البيئية، ونشرته الأربعاء الماضى، وجاء فيه أن منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا قد تتعرض لمشكلات ضخمة نتيجة التغير المناخى، وخاصة فيما يتعلق بتفاقم مخاطر أمن الغذاء، وشح المياه.

هذه المخاطر سببها الرئيسى ارتفاع درجات الحرارة بمعدل متسارع يصل إلى 0٫4 درجة مئوية لكل عَقد منذ ثمانينيات القرن العشرين، أى ما يعادل ضعف المعدل العالمى.

هذا الارتفاع فى درجات الحرارة قد يؤدى إلى موجات هائلة من الفيضانات، ونقص فى المياه الصالحة للشرب والزراعة، مما يؤثر بالسلب على صحة الإنسان، ويهدد مستقبل الزراعة بسبب الجفاف وندرة المياه.

أشار التقرير إلى أن منطقة الخليج أيضا من المناطق المرشحة لارتفاع درجات الحرارة فى المستقبل بشكل غير مسبوق بحيث يمكن أن تصل درجة الحرارة هناك إلى 56 درجة مئوية، بحسب تقرير جرينبيس، وهو الأمر الذى يجب العمل على مواجهته بشكل فورى وسريع، من خلال دعم مسار التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة بسرعة، من أجل وقف ذلك التدهور السريع والمتوقع.

على الجانب الآخر فإن مصر لم تكن أبدا ضمن الدول التى تسببت فى التلوث البيئى أو التغيرات المناخية، لكنها للأسف الشديد تقع ضمن الدول المتضررة بشدة، من تلك الكارثة، لذلك فقد بادرت مصر إلى اتخاذ العديد من الإجراءات لتطبيق نموذج تنموى ضمن خطة مصر ٢٠٣٠ للوصول إلى المشروعات الخضراء الممولة حكوميا بنسبة ١٠٠٪.

ليس هذا فقط لكن الأمر يمتد لانتشار موجات الجفاف والفيضانات، وتلويث مياه الآبار وخلطها بمياه البحار، ونفوق الحيوانات، وانتشار المجاعات، كما حدث مؤخرا فى الصومال، وموريتانيا وباكستان.

باكستان كانت هى الضحية الأحدث فى الكوارث البيئية حيث شهدت فيضانات ضخمة مؤخرا راح ضحيتها أكثر من ١٥٠٠ مواطن، وأدت إلى دمار غير مسبوق، ولعل التقرير الذى كتبته صحيفة «لوموند» الفرنسية بعنوان «نحن هنا فى الجحيم» هو الأكثر تعبيرا عن مأساة باكستان فى التغيرات المناخية التى فاقت خسائرها ما يقرب من ١٠ مليارات دولار، وتركت خرابا هائلا.

ما حدث فى باكستان كان جحيما على الأرض، ويعتبر جرس إنذار هائل للعالم سبق قمة شرم الشيخ التى تستضيفها مصر اعتبارا من الغد مما يزيد من أهميتها وضرورتها لاتخاذ خطوات عملية ملموسة للحد من المخاطر المتفاقمة والمحتملة.

من المتوقع أن يشارك معظم قادة العالم الموقعين على اتفاقية باريس للمناخ التى تم إقرارها عام ٢٠١٥ ودخلت حيز التنفيذ عام ٢٠١٦، إلا أنه لاتزال هناك مشكلات ضخمة فى التطبيق، وفى الالتزام بالتعهدات من جانب الكثير من الدول المتسببة فى تلك المشكلات.

أعتقد أن قمة شرم الشيخ هى قمة الفرصة الأخيرة لإنقاذ كوكب الأرض من حافة الهاوية قبل فوات الأوان، خاصة أن مصر قد بذلت جهدا ضخما وخارقا، ووفرت كل سبل نجاح هذه القمة، ولم يبق سوى صدق إرادة المشاركين وتمسكهم بوحدة المصير، وإيمانهم بالمخاطر المشتركة على الجميع، وما حدث بباكستان ليس ببعيد.

Back to Top