المحاور «السبعة» للعبور إلى المستقبل
فعلا لم يكن الطريق مفروشا بالورود خلال السنوات العشر الماضية لأن «التركة» كانت ثقيلة ومرهقة، والأوضاع كانت صعبة ومعقدة، والمخاطر كانت تستهدف تهديد كيانات الدولة ذاتها.
خلال أقل من 3 أعوام قامت ثورتان نتج عنهما خسائر اقتصادية ضخمة، وفى الخلف كانت شوكة الإرهاب تزداد قوة وتتمدد كل يوم فى إطار محاولات خبيثة لكسر إرادة الدولة، وإشاعة حالة الفوضى والعنف فى كل أركان البلاد.
لم يكن هناك مفر من المواجهة الشاملة على كل الأصعدة خاصة على المستويين الأمنى والاقتصادى لترتبط هنا برباط وثيق لا ينفصم.
لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد بدون أمن.. فالاقتصاد لا ينمو إلا فى ظل دولة مستقرة وآمنة، فإذا سقطت الدولة فى مستنقع الفوضى والعنف والإرهاب هرب الاقتصاد فورا، وحل محله الخراب والفقر للجميع.
هكذا كان التحدي، ومن هنا بدأت المعركة التى نجحت فيها الدولة بعد صراع عنيف وشرس فى كسر شوكة الإرهاب، واستئصال «شأفته» وتجفيف منابعه.
ما يقرب من 10 سنوات كاملة تحمّل فيها الاقتصاد المصرى ما يقرب من 440 مليار دولار وعدة آلاف من خيرة أبناء الشعب المصرى من القوات المسلحة والشرطة والمدنيين لتنتصر فى النهاية الدولة المصرية بجيشها وشرطتها على جحافل التطرف والإرهاب، وتختفى طيور الظلام من سماء مصر كلها.
كل هذا مر بذاكرتى وأنا أجلس فى شرفة الصحفيين بمقر مجلس النواب فى العاصمة الإدارية أثناء انتظار قدوم الرئيس عبدالفتاح السيسى لتأدية اليمين القانونية للفترة الرئاسية الجديدة يوم الثلاثاء الماضى.
وسط كل هذه التحديات والمصاعب والمشكلات نجح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قيادة سفينة الإنقاذ لينجو بها من احتمالات التصدع والغرق، إلى آفاق أكثر رحابة وأكثر قدرة على الاستعداد للعبور نحو المستقبل.
بعد أداء اليمين القانونية وسط ترحيب وتصفيق النواب داخل القاعة والضيوف والصحفيين فى الشرفات ألقى الرئيس خطابا شديد الأهمية فى بداية ولايته الجديدة يصلح أن يكون بمثابة خارطة طريق للولاية الجديدة تعتمد على 7 محاور رئيسية تسير جنبا إلى جنب بالتوازى تستهدف مايلى:
أولا: النهوض بالاقتصاد الوطنى بعد أن نجحت مصر مؤخرا فى تخطى الظرف الاقتصادى الأصعب الذى ضرب الاقتصاد الوطنى بقوة نتيجة 3 أحداث عالمية متعاقبة وعنيفة كانت بدايتها جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية ــ الأوكرانية، وأخيرا الحرب على غزة.
هذه الأحداث تركت بصمات غائرة على الاقتصاد العالمى، وأدت إلى ارتفاع الأسعار عالميا وارتفاع أسعار «نولون النقل»، وهو ما انعكس على مضاعفة أسعار الكثير من السلع خاصة السلع الغذائية، وأسعار الطاقة، وبطبيعة الحال تأثر الاقتصاد المصرى بهذه الأحداث، خاصة أننا دولة مستوردة حيث نستورد أكثر مما نصدر، ونستهلك أكثر مما ننتج، مما ضاعف فاتورة الاستيراد، وأسهم فى الضغط على موارد العملة الصعبة أكثر مما ينبغى، وأكثر مما كان مخططا له.
إستراتيجية الرئيس التى أطلقها فى خطاب التنصيب ركزت على الاهتمام بقطاعات الزراعة، والصناعة والاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات والسياحة مع العمل على زيادة مساحة الرقعة الزراعية، والاهتمام بالصناعة المحلية، وتوطين الصناعة، وإعطاء الأولوية لبرامج التصنيع المحلى.
معنى ذلك أن المرحلة المقبلة سوف تشهد تغييرا فى طبيعة الاقتصاد المصرى ليتحول من اقتصاد شبه ريعى إلى اقتصاد إنتاجى قائم على الزراعة والصناعة والإنتاج بشكل عام إلى جوار السياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
فى مجال الزراعة حدثت طفرة كبيرة حيث يستهدف الرئيس عبدالفتاح السيسى إضافة ما يقرب من 4 ملايين فدان للرقعة الزراعية، أى أكثر من 50٪من الرقعة التى كانت موجودة قبل ذلك، وبالفعل دخل إلى الخدمة مايقرب من مليونى فدان خلال المرحلة الماضية، وجار الانتهاء من استصلاح وتجهيز باقى المساحة المقررة.
مشكلة الزراعة فى مصر تتعلق بنقص مياه الري، حيث تعتبر مصر من الدول الأقل فى الموارد المائية والتى تعانى «الشح المائى»، ومن هنا تم تركيز الجهود على استغلال كل ما هو متاح من كمية المياه، بالإضافة إلى التوسع فى معالجة مياه الصرف الصحى والزراعى، واستغلال خزانات المياه الجوفية، وإقامة العديد من مشروعات تحلية المياه.
من هنا تأتى أهمية الصناعة باعتبارها قاطرة الأمل للاقتصاد المصرى، مع ربط الزراعة بالصناعة واستغلال الإنتاج الزراعى فى إقامة صناعات قائمة على الإنتاج الزراعى.
على سبيل المثال فقد أصبح ضروريا الاهتمام بزراعة القطن من جديد، واستغلاله فى إقامة صناعات غزل ونسيج قوية، بالإضافة إلى الاستفادة من بذوره فى إنتاج الزيوت والأعلاف.
أعتقد أنه من الضرورى الآن مراجعة خريطة الدورة الزراعية، وعمل حوافز تشجيعية للمزارعين، خاصة ما يتعلق بالأسعار الاسترشادية لتوريد بعض المحاصيل المهمة، من أجل توجيه المزارعين بشكل طوعى إلى نوعية الزراعات التى تسهم فى دعم الصناعات على اعتبار أن التوسع الصناعى لا سقف له، فى حين أن التوسع الزراعى مرتبط بسقف الموارد المائية التى تبذل الدولة المصرية فيها الآن جهدا هائلا، وحققت فيها إنجازات ضخمة وغير مسبوقة، لكن يبقى أن هناك سقفا يصعب تجاوزه فى ظل محدودية الموارد المائية.
أعتقد أن الفترة الرئاسية الجديدة سوف تشهد تطورات اقتصادية كبيرة بعد نجاح الاقتصاد الوطنى فى تخطى المرحلة الصعبة خلال الفترة الماضية، التى انعكست بشكل إيجابى على ارتفاع الاحتياطى الأجنبى فى البنك المركزى المصرى إلى ٤٠٫٣٦ مليار دولار فى نهاية مارس الماضى بزيادة قدرها ٥ مليارات دولار عن حجم الاحتياطى فى نهاية شهر فبراير بعد سلسلة من الخطوات الناجحة التى بدأت بصفقة رأس الحكمة، وما تلاها من الاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدولى، وتوقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبى، مما أسهم فى نجاح خطة تحرير سعر الصرف ليعود الهدوء والثقة إلى الشارع الاقتصادى.
المهم الآن استغلال هذه الحالة للدفع بكل قوة نحو رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطاب الولاية الجديدة لتحقيق نمو اقتصادى قوى ومستدام ومتوازن، وتعزيز دور القطاع الخاص كشريك أساسى فى التنمية فى إطار خطط جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
ثانيا: ترتبط بالنهوض الاقتصادى ضرورة تبنى إصلاح مؤسسى شامل بهدف تحقيق الانضباط المالى والحوكمة، وترشيد الانفاق العام، والتحرك باتجاه مسارات أكثر استدامة للدين العام، مع التركيز على تعظيم الدور الاقتصادى لقناة السويس فى إطار تحويل مصر إلى مركز إقليمى للنقل وتجارة الترانزيت والطاقة المتجددة.
ثالثا: ولأن الاقتصاد والنهوض به لا يمكن أن يكون بمعزل عن الأمن والاستقرار فإن محور صيانة أمن مصر القومى جاء كأولوية أولى فى المحاور السبعة التى طرحها الرئيس بحيث يتعاظم الدور المصرى فى ترسيخ مفهوم الاستقرار والأمن والسلام والتنمية فى المنطقة والعالم.
وضع الرئيس عبدالفتاح السيسى أمن مصر القومى أولوية مطلقة منذ بدء ولايته الأولي، ونجح فى إعادة تجهيز وتحديث الجيش المصرى، وجعل منه الجيش الأول عربيا وإفريقيا وفى منطقة الشرق الأوسط، كما مد جسور التعاون والصداقة إلى دول الجوار والمحيطين العربى والإفريقى، وهو ما ظهر بوضوح فى أزمة غزة الأخيرة حيث تقوم مصر بالدور الأكبر فى إدارة هذه الأزمة، والبحث عن حلول لها.
رابعاً: التركيز على بناء الإنسان المصرى خلال المرحلة الجديدة لتعظيم الاستفادة من ثروة مصر البشرية، والارتقاء بجودة التعليم وضخ الموارد اللازمة لتحقيق ذلك الهدف، بالإضافة إلى ضمان الارتقاء بالصحة العامة للمواطنين، واستكمال مشروع التأمين الصحى الشامل لكل المواطنين لأول مرة بالتغطية التأمينية الصحية الملائمة.
خامساً: يستهدف الرئيس فى ولايته الجديدة استكمال بناء الدولة الديمقراطية العصرية الحديثة من خلال استكمال وتعميق الحوار الوطنى فى إطار تعزيز دعائم المشاركة السياسية والديمقراطية للجميع، وتنفيذ التوصيات التى تم التوافق عليها فى مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية، وبلورة هذه التوصيات، وتحويلها إلى قوانين خلال المرحلة المقبلة.
سادساً: ولأن الإصلاح الاقتصادى تكون له تبعات وتداعيات، خاصة على الفئات المحدودة الدخل فقد ركز الرئيس على دعم شبكات الأمان والحماية الاجتماعية لهذه الفئات وزيادة نسبة الإنفاق عليها، وزيادة مخصصات «تكافل وكرامة» لتحقيق تلك الأهداف.
أيضاً فقد وعد الرئيس بالإنجاز الكامل لمبادرة «حياة كريمة» خلال فترة الولاية الجديدة، وهو ما يعنى تغيير حياة أكثر من ٦٠ مليون مواطن إلى الأفضل بعد الانتهاء من تطوير الريف المصرى ليصبح هذا هو الإنجاز الأضخم فى ملف التنمية البشرية على مستوى العالم إلى جوار كونه المشروع الأول للدولة المصرية منذ نشأتها قديما وحديثا الذى يهتم برفع مستوى وجودة الحياة لأبناء الريف المصرى.
سابعا: الاستمرار فى تنفيذ المخطط الإستراتيجى للتنمية العمرانية الذى نجح فى زيادة نسبة المعمور من ٧٪ إلى ١٤٪ خلال المرحلة الماضية بعد إقامة ١٤ مدينة جديدة، وإضافة أكثر من مليونى فدان للرقعة الزراعية مما يسهم فى تلبية احتياجات الزيادة السكانية الرهيبة التى قفزت بأعداد السكان فى مصر إلى ١٠٦ ملايين مواطن.
يبقى بعد ذلك أن تقوم الحكومة بتحويل هذه الرؤية الإستراتيجية بمحاورها السبعة إلى خطة تنفيذية فى إطار برنامج زمنى يبدأ على الفور لاستكمال مسيرة الإنجازات الكبرى التى حدثت خلال الفترة الماضية مع الوضع فى الاعتبار أن المرحلة «الأصعب» قد انتهت بما كانت تتطلبه من مواجهة مزدوجة مع الأوضاع الأمنية المتردية، والأوضاع الاقتصادية المتهالكة، ومن هنا فإن الآمال معقودة على أن يكون أداء الحكومة أكثر تطورا وسرعة فى إنجاز هذه الملفات ليتحقق حلم الدولة العصرية الحديثة المتقدمة فى الجمهورية الجديدة.